يوميات الأخبار

أفكار ومضت.. وشذور توهجت!

علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب

«هكذا؛ فإن الإنسان يولد من رحم أمه مرة.. لكنه يولد من رحم الحياة أكثر من مرة، بل مرات عدة..

ماذا يحدث إذا استيقظت فإذا بعقلك ساحة لأفكار متسارعة، متصارعة، وبروحك تتطلع للمستقبل الأرحب، وقلبك ميال لاستحضار مشاهد من الزمن الجميل، فى عهود الطفولة والصبا والشباب؟! ثم ما يلبث الآنى أن يخايلك!

كل فكرة تجذبك نحوها، تطالبك بالتعبير عنها، وهج المستقبل يخطف بصرك مراهناً على الانحياز له بقلمك، خيالات زمن مازال بريقه يومض، وإن على بعد، يسيطر على مشاعرك وأحاسيسك، جميعها تدور أمامك، وداخلك، ومن حولك، ما العمل ساعتئذ، وقد أزفت ساعة الكتابة؟!

على أى شاطىء يرسو القلم؟

مع أى فكرة يتجاوب؟

لكل فكرة وجاهتها، ولكل شذرة ما يشبه اسمها، فالشذر فى الأصل اللغوى قطع الذهب، وأى إشارة تخايلك سواء أكانت بنت الأمس قريبه أم بعيدة لها بعض من وميض البرق ولمعانه، وتأملاتك فى كل هذه وتلك، لا تخلو من قدر من وهج، بعضها من نور، وأخرى من نار، ولأن الصيف قد هجم وتوقدت شمسه، فليس أمامك ترف التأجيل والانتظار، تحت القيظ، ودوران عجلة الزمن.

لا بأس؛ لماذا لا أنعم بالتأمل، والتفكر، ألست كإنسان- بالتعريف - كائناً مفكراً، قبل أى انتماء مهني؟ وألم أحلم يوماً بأن أكون كذلك العصفور الذى لا يكف عن التنقل من غصن لآخر، ومن شجرة لجارتها، قبل أن يحلق مرفرفاً يعلو، ويرنو للأفق دون أى حسابات أو محظورات؟!

هل أستبيح لقلمى أن يسبح فى نهر الأفكار، وحيثما يقودنى التيار؟

نعم، ولنبدأ معاً الرحلة، بعيداً عن الثرثرة، وفى محاولة لتكثيف الفكرة، حتى يستوعب هذا الحيز، القدر الأكبر مما يحتضنه العقل، والروح، والقلب.
كم مرة نولد؟!

كنت السائل والمجيب، ومتلقى السؤال ومترقب الإجابة!

مرات عدة، لا أحصيها، ولا أتذكر جميع مناسباتها، لكن ما لم أنسه قط أن السؤال رغم تكراره، يترك فى كل مرة صدى مختلفاً!

ارتبط طرح السؤال، أو تداوله مع نفسى أو آخرين بلحظات تغيير جذرى، أو تحول كيفى فى مسارات الحياة، بدايات جديدة، تجاوز أزمة حادة، المشاركة فى مشروع، تبنى رؤية مغايرة، تجاوز نظرة سلبية للأمور، الخروج من الدوران فى حلقة مفرغة، هجر الإيقاع الرتيب إلى حركة دءوب،..،....

إلا أن أكثر تلك اللحظات التى سيطر عليّ خلالها، وبعدها، هذا المعنى، كان مواكباً لرحلة العمر: الحج، فالمرء يعود منه كما ولدته أمه، وكأنه يجمع بين المولدين.

فى دائرة الأصدقاء؛ كان تدشين مرحلة جديدة فى العمل، بمثابة لحظة ميلاد جديد، أما كاتب هذه السطور، فكان التحاقه ببلاط صاحبة الجلالة، واجتياز عتبة «أخبار اليوم» هو عين تلك اللحظة.

حين عدت لأرض الوطن، بعد غياب طال أم قصرت مدته، كأنما وُلدت من جديد.

حين منَّ الله عليّ بتجاوز أزمة حادة، كنت أشعر أن شهادة ميلادى كُتبت مرة أخرى.

هكذا؛ فإن الإنسان يولد من رحم أمه مرة، لكنه يولد من رحم الحياة أكثر من مرة، بل مرات عدة.

تبر من التراب!

أحد أهم معايير ارتقاء الأمم لسلم التقدم، والسعى للنهوض، ألا يستهين أبناؤها بأى شيء مهما صغر أو كان ضئيلاً، أو بدا هيناً.

تلك الأمم لا تهمل أو تستبعد من دائرة الاستثمار ما ينظر إليه الآخرون على أنه نفايات، أو يثمنونه عديم القيمة.

فى كل تجارب الصعود، كان أحد معاييره وآلياته: كيف تتم إعادة تدوير ما يستغنى الناس فى مجتمعات أخرى عنه، ويتخلصون منه!

ربما كانت الصين متفردة فى هذا المضمار، لكن ما يشار إليهم بالنمور الأسيوية مضوا على ذات النهج، فعلوا وسادوا.

غير أن التجربة التى تحتذى أطلقتها سنغافورة، عبر مساع جادة لبلوغ غاية رائعة، تتمثل فى تحقيق: صفر نفايات.

هل تذكرون بدايات «عبدالغفور البرعي» بطل «لن أعيش فى جلباب أبي» ؟!

فى سنغافورة: آلاف على صورته وشاكلته، إلا أن التكنولوچيا الحديثة لعبت دوراً خلاقاً فى الارتقاء بالفكرة، وربما كان لنا عودة للتفاصيل، إن شاء المولى.
فى مصر؛ ثمة عقول وإرادات لا تقل إبداعاً، وكنموذج أتذكر ما قرأته قبل أسابيع عن «سفير المخلوقات المهملة»، أو الدكتور حامد الموصلى الذى وهب حياته العلمية والعملية على مدى نحو نصف قرن، لإعادة تدوير مخلفات النخيل، حتى نجح فى توظيفها فى ٦٥ صناعة، هل تتخيلون؟!

إنه مجرد نموذج، ولاشك أن مصر غنية بعقول أبنائها أصحاب القدرة على الإبداع والابتكار، ممن يضعون أيديهم فى التراب فإذا به تبر، أى فتات الذهب أو الفضة.

من أجل استعادة الهوية

جهد لا ينكره إلا فاقد بصيرة، تم بذله على مدى عام، قبل إطلاق فعاليات الحوار الوطنى.

وآن لى، ولكل مصرى أن يحلم بمخرجات تتناسب مع الإعداد الجيد، وتوسيع قاعدة المشاركة، فتتجسد رؤى وحلول ترى حظها فى التطبيق الفعلى، بعيداً عن الغرق فى متاهات الجدل النظرى، و«اللت والعجن» بلا طائل!

فى المحور الاجتماعي؛ وتحديداً  فى مجال التنمية الإنسانية، أحلم أن يتبنى الحوار مشروعاً لنفض الشوائب الكثيرة التى علقت بالهوية الوطنية، بعد رصد التحولات التى قادت إلى ما هو دخيل على هويتنا، ومن ثم ألقى بظلال سلبية على الشخصية المصرية.

مشروع يقود لإعادة صياغة المواطن بعدما تعرض لمحن وظروف قاسية على مدى عقود، خصمت من رصيده الحضارى، إلا أن الجوهر الباقى يطمئن على ما يمكن أن يؤدى إليه إطلاق مثل هذا المشروع عبر قنوات الحوار الوطنى، فى إطار حلول جذرية لمشاكل المجتمع إعلاءً للمصلحة الوطنية، ورهاناً على مستقبل أرحب.

«العربية».. يرحمكم الله

إذا كان الشيء بالشيء يذكر؛ فإن إحدى ركائز الهوية تتمثل فى اللغة القومية، أعنى «العربية» التى عبث بها أبناؤها، وأهملوها، وأفقدوها الكثير من هيبتها، ووقارها، وسلبوها جمالها،...،... ولكن كفانا بكاء على أطلالها.

ثمة علاقة أقرب للتطابق بين الحرص على الهوية، والحفاظ على اللغة.

استهانة جيل الأحفاد، وتعامى جيل الأبناء، وهم الأباء الذين لم يلعبوا ذات الدور الذى لعبناه معهم نحن جيل الأجداد، فكانت الحظوة للغات الأجنبية، وغضهم الطرف عن حرص الأحفاد / الأبناء على اللجوء فى حياتهم اليومية إلى استخدام «الفرانكو آراب» مع السكوت عما يحدث فإننا بصدد كارثة محققة، إن استمر الحال على ما هو عليه الآن، مع تفاقم تداعياته!

لابد من تضافر مثلث التعليم/ الإعلام/ الثقافة، مع متابعة الأسرة حتى تعود للغة العربية مكانتها، وينضبط لسان الأجيال الذين اهتزت فى نظرهم لغتهم الأم.
اللغة مرآة تعكس الهوية الوطنية، لو كنتم تدركون، وإن لم تدركوا نكون بصدد ضرب أهم ركن من ثوابت هويتنا، أفيقوا يرحمكم الله.

حتى لا يكون الرهان خاسراً

لا أستطيع كبح غضبى، أو درجة استفزازى مما يحمله شريط الأخبار على شاشات التلفاز، حين يستعرض أرقام القضايا التموينية المتنوعة التى تترجم  فى حقيقتها مدى جشع معدومى الضمير من الذين يتلاعبون بأقوات الناس.

رموز الدين أعلنوها مدوية: الاحتكار حرام.

لا فرق فى التحريم لهذه الظاهرة المرذولة، إذ يتفق الإسلام والمسيحية فى إدانة أكل أموال الناس بالباطل، بإخفاء السلع، ورفع أسعارها، والمبالغة فى الغلاء، إذ إن فى الاحتكار عين الظلم، المنكر فى كل الشرائع.

بالطبع فإن الطماع، والظالم، لن يتعظا عبر التوسل، والتذكير بالحلال والحرام، من ثم فإنه لا بديل عن إعمال القانون عبر الجهات الرقابية المعنية.
بالفعل ، هذا ما يحدث ولكن لابد من استمرار إظهار العين الحمراء لكل مضارب أو محتكر، وتطبيق الحد الأقصى فى العقوبة المنصوص عليها، حتى يكون الرادع كافياً.

لا شيء إلا الشدة، ثم الشدة فى مواجهة كل من تسول له نفسه إخفاء سلعة، أو مضاعفة سعرها، أو التلاعب فى مواصفاتها، أو افتعال أزمة توحى بأن المعروض أقل من المطلوب، بخلاف الحقيقة.

عودة قوية لمفتش التموين جزء مهم من المواجهة، حتى تنضبط الأسواق، ويرتدع المخالف، ويصل الحق لأصحابه، مع دعم أعداد المفتشين، والاهتمام بتدريبهم.

القانون سياج يحمى الحق، فالرهان على أخلاق من لا خلاق لهم رهان خاسر.

ومضات:

فهم الواقع والتعاطى معه يقتضى إعمال المنطق، من ثم فإن إغفاله يقود لمخاصمة الواقع بدلاً من مجابهته.

كيف تدعى معرفة «الآخر» بحق، بينما لا تملك المعرفة الكاملة بـ «ذاتك»؟!

«الجار للجار ولو جار».. إسأل نفسك: هل تأمن أن يجيرك من يجور عليك؟

عجيب أمر هؤلاء الذين ينزفون جُل جهدهم فى اللاشىء، أقصد التبرير!

دون أن تملك مصيرك بيدك، أنت أسير من يملك مقاليده.

شحوب الرؤية يعنى غياب البصيرة ، بأكثر منه ضعفاً فى البصر.

الدفء الحقيقى مبعثه قلب محب يغفر، ينعم به صاحبه فلا ينتظر أشعة الشمس.

الروح الذكية لها قدرة مذهلة على مقاومة تجريف الزمن لمعالم حياتك.

من أجمل ما يدعو العبد به ربه: اللهم ثبت بالحق فؤادى، ولا تزغ قلبى بعد إذ هديتنى، اللهم نزه فؤادى أن يكون فارغاً، وأن أكون ممن يفقهون بقلوبهم، واحفظ قلبى من العمى، فالأبصار لا تعمى، وإنما ما فى الصدور.. اللهم آمين.