محمد الشماع يكتب: «كليوباترا» السمراء.. الأمر ليس مجرد لون بشرة!

محمد الشماع يكتب: «كليوباترا» السمراء.. الأمر ليس مجرد لون بشرة!
محمد الشماع يكتب: «كليوباترا» السمراء.. الأمر ليس مجرد لون بشرة!

نشر موقع «فورين بوليسي» صباح الأحد 14 مايو، تحليلاً عن أزمة الفيلم الوثائقي الدرامي «المكلة كليوباترا» الذي أنتجته منصة «نتفليكس» وعرضته منذ أيام في 4 حلقات.

اقرأ أيضا: الملكة كليوباترا.. ملف شامل للرد على الشبهات حول أسطورتنا الحية

عنصرية نتفليكس

وحلل الموقع الأمريكي أزمة الفيلم من عدة جوانب، أولها الجانب «العنصري»، الذي سعى الموقع على التأكيد على أنه الدافع والمحرك الرئيس للأزمة كلها، حيث أشار إلى أن المصريين عندما ثاروا وانتقدوا الفيلم من مجرد إعلانه وتجسيد الممثلة البريطانية السمراء «آديل جيمس» لشخصية الملكة المقدونية «كليوباترا» وعدم انتظار عرضه كان سببه العنصرية والدفاع عن تاريخ مصر القديمة ضد كل ما هو أجنبي (غير مصري)، حتى لو كانوا أفارقة.

وذكر أن دافع صناع الفيلم كذلك عنصري، حيث أصروا دون اللجوء إلى سبب علمي مقنع على إظهار مصر القديمة وكأنها حضارة إفريقية، وكان ذلك في إطار سعي الأمريكيين الحالي لتبييض وجههم العنصري ضد السود، بعنصرية أشد، من خلال إلصاق كافة منجزات الحضارات الأخرى للأفارقة، ومنها ولا شك الحضارة المصرية القديمة.

اقرأ أيضا: الملكة كليوباترا.. المرأة التي حكمت مصر بجمالها الساحر | نبذة تاريخية

ربما أصاب تحليل «فورين بوليسي» في جانب وأخفق –من وجهة نظري- في جانب آخر؛ أصاب في كونه أكد أن الجانبين –صانع العمل ومهاجمه- تحركا من نزعة عنصرية، لكنه لم يصب في أنه ساوى بين الجانبين، رغم انتقاده صناع العمل أنهم لم يلجؤوا إلى أصحاب التاريخ الأصليين خصوصاً علماء المصريات من المصريين، واعتمدوا على نظرة (أفروسنتيرية) ليس هناك ما يدعمها من دلائل أو براهين كثيرة ومتواترة ومنشورة في مجلات علمية معتبرة، وكذلك لم يعتمدوا على عالم أجناس في استطلاع رأيه حول الأمر قبل صناعة الفيلم.

اقرأ أيضا: تايم لاين | «كليوباترا السوداء».. كيف تحركت مصر للرد على تزييف التاريخ

السؤال هنا: «هل هناك عنصرية محببة وعنصرية غير محببة؟»

دعونا نتفق أن العنصرية كلمة سيئة السمعة، وغير محببة على قلوب الجميع على الإطلاق، والكلمة في الأساس أصلها «عنصر» وبإضافة الياء إليها تصبح «عنصري» أي ينتمي لعنصر ما –سواء جنس أو بشرة أو بلد أو صاحب أكثرية- ويهاجم ما سواه، ويعتقد أنه على حق والجميع على باطل، والأزمات العنصرية في التاريخ معروفة ولا تحتاج إلى تذكير، ولكن في حالة فيلم «الملكة كليوباترا»، كيف يتحول الدفاع عن العلم والتاريخ إلى عنصرية! لا سيما أن لا أحداً من المدافعين –سواء كانوا ذوي حيثية تاريخية وعلمية أو لم يكونوا كذلك- هاجم ذوي البشرة السمراء، أو انتقدهم، بل كانت الانتقادات جميعاً منصبة على المنصة العالمية التي انحازت إلى نظرية دعنا نسمها «غير علمية بما يكفي».

اقرأ أيضا: تزوير للتاريخ وعنصرية.. نتفليكس تشوه الحسناء «كليوباترا» 

الجانب الآخر في تحليل «فوين بوليسي» كان سياسياً، فقد بدأ التحليل في الأساس باستدعاء رسالة الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي للكونجرس الأمريكي سنة 1961، والتي حاول فيها إقناع مجلس نوابه بتقديم مساعدة مالية لمصر قدرها 10 ملايين دولار من أجل إنقاذ معابد النوبة من الغرق.

كانت وجهة نظر كينيدي محيرة للأمريكيين، فكيف ينفق دافع الضرائب الأمريكي هذا المبلغ لمساعدة دولة معادية – من وجهة نظرهم- إذ أن مصر تحت قيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كانت تنعم بعلاقات رائعة مع السوفييت، لا سيما أن الحرب الباردة كانت مستعرة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. ولكن كينيدي وقتها برر وجهة نظره تلك بأن الأمريكيين لابد أن يبدون اهتمامًا خاصًا بحضارة مصر القديمة، باعتبار أنها الحضارة التي نشأت منها العديد من التقاليد الأمريكية الثقافية!

اقرأ أيضا: مطالبة «نتفليكس» بتعويض ملياري دولار بسبب تشويهها للملكة المصرية كليوباترا

بل أن عضو إدارة كينيدي، فيليب إتش كومبس، من وزارة الخارجية، ذهب إلى ما هو أبعد من هذا وقال: «آثار مصر هي جذور تاريخية عظيمة لجميع الحضارات الغربية. نحن نقدم خدمة لأجيالنا المستقبلية في هذا البلد، بقدر ما نساعد في الحفاظ على جذورهم التاريخية».

كلمات كينيدي وكومبس ربما أكدت على اهتمام الأمريكيين بالحضارة المصرية القديمة المبكر، وقد ظهر ذلك أيضاً في الهوس الأمريكي المستمر والمتجدد للآثار والتقاليد الفرعونية، وعليه فإن مسألة إنتاج فيلم عن كليوباترا، والتي كانت جزءًا من تاريخ مصر، لم يخرج عن هذا الإطار.

مسلسل كليوباترا والنظرة السياسية الأمريكية للتاريخ المصري القديم

ومثلما ساوى تحليل «فورين بوليسي» بين عنصرية صانع الفيلم ومن انتقده، ساوى كذلك بين النظرة السياسية الأمريكية للتاريخ المصري القديم، والذي ظهر في كلمات رئيس أمريكي راحل، وكذا في حرصهم على إنتاج فيلم «كليوباترا» الأخير من جهة، وبين النظرة السياسية لهجوم المصريين على الفيلم، باعتباره لم يخرج عن إطار الهجوم على كل ما هو أجنبي بعد 2013، وادعى أن استخدام هاشتاج «مصر للمصريين» -وهي مقولة الزعيم أحمد عرابي- في معركة الفيلم، استعادة للنظرة المصرية الكارهة للأجانب في إحدى لحظات التاريخ الحرجة.

المساواة هنا أيضاً ظالمة للغاية لعدد من الأسباب: أولها أن المصريين احتفوا بشكل كبير بفيلم «سقارة» وهو إنتاج «نتفليكس» كذلك، وثانيها أن أمريكا نفسها أنتجت فيلمين نالا نفس الجدل عن كليوباترا، واحد درامي بطولة إليزابيث تايلور في سنة 1963، والآخر وثائقي درامي بطولة آديل جيمس عام 2023 أي بعد 60 عاماً، والغريب أن الأول أظهر كليوباترا فاتحة اللون والثاني أظهرها سمراء!

إذن، فمسألة إظهار الجانب السياسي وكأنه دافع للصناعة أو للهجوم به الكثير من القصور.

اقرأ أيضا: «نتفيلكس» تجرد كليوباترا من ملامحها

بقى من كل هذا الجانب الفني للفيلم، والذي لم يتطرق الموقع الأمريكي له، لكن أستطيع التأكيد على أن الفيلم من أسوأ إنتاجات «نتفليكس» الوثائقية على الإطلاق، فالجزء الدرامي بدا فقيراً للغاية من حيث استخدام المجاميع، واختلطت في أذهان صناعه ملابس المصريين الحقيقيين بغيرهم من سكان الحضارات المحيطة والقريبة.

أما الجزء الوثائقي، فإن ضيوف الفيلم، وبعضهم من المؤرخين وعلماء المصريات –غير المشهورين- والكتاب، رووا الأحداث التاريخية باعتبارهم ضيوف في «توك شو» يُعرض مرة واحدة من دون مراجعة أو دقة، ليظهر الفيلم مخيب لجميع الآمال الفنية، مثلما ظهر مخيباً للآمال الفكرية والتاريخية.