من دفتر احوال

ليلة كريستال صهيونية

جمال فهمى
جمال فهمى

يتفرد الكيان الصهيونى منذ إقامته وغرسه عنوة فى لحم أمتنا العربية وقلبها فلسطين ، بسمات وملامح بالغة القبح والشذوذ لاتجعله يشبه أى تجمع بشرى آخر على ظهر الكوكب، ففضلا عن كونه كيانا لقيطا مؤلفا من بزرميط  بشرى مستجلب من شتى بقاع الارض ،فهو يعتمد منذ ولادته على عقيدة اجرامية وعنصرية تستبيح ابشع واحط الجرائم ضد الانسانية ،لكى يبقى هذا الكيان على ارض مسروقة بقوة السلاح من شعب عاش عليها آلاف السنين .
لكن ما شاهدناه يجرى فى مجتمع هذا الكيان ، ويؤكد شذوذه وغرابته ،خلال سنوات العقد الاخير من الزمن هو هذا الانزياح الجماعى المهول فى المجتمع الصهيونى نحو المزيد من التطرف العنصرى ، وانفلات الممارسات الوحشية والعربدات الاجرامية وتفشيها على نحو خطير فى هذا المجتمع فيها المشوه والقبيح.   


ولعل ما جرى قبل نحو اسبوعين ،وما زال يجرى ،من جرائم يندى لها الجبين فى الضفة الغربية المحتلة وخصوصا ما حدث فى قرية حوارة القريبة من مدينة نابلس ، يعطى نموذجا على بشاعة الصورة التى سكنها الكيان الصهيونى ، فقد تعرضت هذه القرية الفلسطينية (وغيرها بعد ذلك) لهجمة اجرامية هوجاء وجنونية  نفذتها  قطعان ضخمة من المستوطنين الذين قاموا طوال ساعات الليل الأحد ٢٧ فبراير وحتى صباح اليوم التالى بعمليات حرق وتدمير وتخريب طالت عشرات المنازل والمحال ومئات السيارات المملوكة لمواطنين عرب .
هذه الأفعال الإجرامية الرهيبة ربما تذكر بشر هذا العالم بحادثة دامية غيرت تاريخ أوروبا المعاصر (وربما الكوكب كله) وقلبته رأسا على عقب ، هذه الحادثة جرت وقائعها الدامية فى ليلة واحدة فقط ، بينما جرائم الصهاينة متمددة على مدار الايام والشهور.


 تلك الليلة زائعة الصيت هى التى انحشرت مابين نهاية يوم 9 وصباح وفجر يوم 10 نوفمبر عام 1938 وتسجلت فى التاريخ تحت اسم «ليلة الكريستال» ، واعتبرها المؤرخون جميعا نقطة انطلاق وتطور حاسمين فى مسيرة المشروع العنصرى النازى ومارافقه من عواصف دموية عاتية ضربت ألمانيا ومناطق واسعة من العالم وأطلقت موجات هائلة من الحروب وإبادة جماعية رهيبة استهدفت مجموعات وكتل بشرية بأكملها ، وأنهت مرحلة سوداء من التاريخ الاستعمارى الأوروبى بكلفة رهيبة تمثلت فى حصد أرواح عشرات ملايين البشر من شتى الأعراق والأجناس والأمم ، بل وتدمير ألمانيا نفسها ، واحتلالها بجيوش الحلفاء الذين دخلوا العاصمة برلين المهدمة يوم 9 مايو 1945.
عاصفة الخراب والمقتلة الجماعية الشنيعة تلك ، بدأت انطلاقا من أحداث «ليلة الكريستال» هذه باستهداف الأجانب والأقليات العرقية (كالغجر واليهود بالذات) وقد طالتنا نحن أمة العرب ، آثارها الكارثية بعدما التقتطها الحركة الصهيونية المتحالفة مع قوى الاستعمار الغربى واتخذتها ذريعة ومبررا أخلاقيا لتهجير اليهود الذين ارتكب الأوربيون الفاشيست جريمة الإبادة ضدهم ، واستخدموهم أداة بشرية لارتكاب أكبر وأفظع جريمة سرقة فى التاريخ ، ألا وهى سرقة واغتصاب فلسطين العربية .
وأعود إلى أحداث هذه الليلة البعيدة ، فقد استغل هتلر آنذاك حادث قتل السفير الألمانى فى فرنسا على يد فتى يهودى وقام بعملية تهييج وتحريض هائلة وواسعة النطاق لعب فيها على المشاعر الوطنية واستثارة روح التعصب لدى قطاع واسع من الجمهور الألمانى وقتها ما أدى إلى نجاح النازيين فى حشد وتعبئة أعداد غفيرة من العامة خرجوا فى عدد كبير من مدن ألمانيا (والنمسا) للانتقام وتطهير موطن الجنس الآرى من «دنس اليهود والأجانب» ، ولم تنته ساعات الليل حتى كان الحصاد مروعا ، فقد تم تدمير وحرق آلاف البيوت والمتاجر والمنشآت والممتلكات ، كما سقط عشرات القتلى ومئات الجرحى فضلا عن اعتقال عشرات الألوف .. أما أصل المسمى الشائع لهذه الليلة (ليلة الكريستال) فيعود إلى أطنان هشيم الزجاج المحطم التى بدت فى الصباح ، تكسو وتغطى تماما الشوارع والطرقات.


بعد هذه الليلة العصيبة بدأ صعود هتلر وحزبه النازى ونجح فى القبض على «حكم» المانيا ، ومن ثم أطلق شياطينه وشروره ، حتى أنتهى بعد سنوات عقد ونصف العقد ، فوق ركام خراب ودمار هائلين وشاملين لم يوفرا المانيا نفسها ولم تشهد البشرية مثيلا لهما حتى ذلك الوقت ، أى منتصف القرن العشرين.
فلعل المفارقة التاريخية هنا أن التحولات والانزياح المتسارع حاليا نحو المزيد من الجنون العنصرى وكل هذه الوحشية المتفشية حاليا فى المجتمع الصهيونى يكون مؤشرا على بدء رحلة دماره ونهايته .