قبل 73 عاما.. 200 ألف جنيه تكلفة شراء كسوة العيد من الموسكي

صورة موضوعية
صورة موضوعية

لا تكتمل فرحة العيد إلا بشراء الملابس الجديدة أو كسوة العيد عمومًا، من أقمشة وجوارب وأحذية، هكذا كان المشهد في مصر منذ سنوات طويلة ولا تزال بهجة العيد مرتبطة بكل جديد، وقبل حوالى 73 عامًا نشرت «آخرساعة» تقريرًا رصدت فيه إقبال المواطنين على شراء مستلزمات عيد الفطر من منطقة «الموسكي» بوسط القاهرة، وجرى تقييم ما دفعه المصريون في هذه السوق فقط بأكثر من 200 ألف جنيه، وهو رقم كبير بحسابات ذلك الوقت، وفي السطور التالية نعيد نشر ذلك التقرير بتصرف محدود:

كان الموسكى طوال الأيام السبعة التي سبقت العيد خلية لا تنقطع فيه الحركة في ساعة متأخرة من الليل.. وجاءت لحظات استقبل فيها الشارع الضيق العنيد مرة واحدة عشرة آلاف زائر، رجال ونساء وأطفال في جميع أنحاء القاهرة، كلهم جاءوا يشترون كل شيء من أجل العيد، وابتلع الموسكى فى خلال الأيام السبعة أكثر من مئتى ألف جنيه.

وكان الموسكى، قد بدأ يستعد لمعركة العيد منذ شهر تقريبًا، والذين كانوا يمرون بالشارع نفسه أو في الحوارى والأزقة الخلفية، كانوا يشهدون مئات من عربات النقل تقف على أبواب المخازن لتفرغ في جوفها أسلحة الموسكى فى المعركة، مئات من ربطات الأقمشة، آلاف من قطع الملابس الجاهزة وعشرات الألوف من الجوارب والأحذية وغير هذا كثير فإن العيد يحب أن يشترى كل شيء.

واقترب موعد المعركة، وفتح الموسكى عينيه ذات صباح ليستقبل هجوم الأعداد الكبيرة من سكان القاهرة، ومضت المعركة عادية تقريبا لمدة ثلاثة أيام، ثم قبض الموظفون مرتباتهم، ويومها بلغ الزحام فى الشارع الضيق درجة لا تطاق، وما أبدع الصور التى كنت تستطيع أن تراها، إذا مررت بألوف الدكاكين في الشارع الضيق متفرجًا فقط.

مناظر العيد
تدخل الأم والأب والأطفال وتختار قماش بدلة الطفل،ويقلبها الأب ثم يرفض، وتختار الأم قماشًا ثانيًا وثالثًا، والأب يرفض دائمًا بعد أن يلقى نظرة خاطفة على السعر ويضيق الطفل ذرعًا فيبكى ويبكى حتى يدفع الأب صاغرًا.

ويحدث أن تختار الأم حذاءً لطفلها، حذاء بنيًا جميلًا، ويقول الطفل: أبدًا، عايز أبيض، وتقول الأم، يا بنى الإجازة خلصت، وانت داخل مدرسة، ويمضى ربع ساعة فى نقاش حاد ثم يخرج الطفل بالحذاء الأبيض والجورب الأبيض، الشيء الوحيد فى نظره الذى يمثل العيد.

وتدخل بنت البلد، لتشترى البودرة والروچ والمانيكير أيضًا، وترفض أن تشترى شيئا إلا بعد أن تجرب فى خدودها وشفتيها وأصابعها كل أنواع وألوان البودرة والروچ والمانيكير.

وبنت بلد أخرى ظلت تتفرج على أنواع الأقمشة مدة ساعة ونصف، وقالت: اقطع لى من ده عشر أمتار، ويقطع البائع ويلف القماش، وتتقدم بنت البلد من الخزانة وتدفع يدها فى صدرها، ثم يروع الشارع الضيق بالصوت الذى «رقعته» بنت البلد، ويتجمع الناس ليشهدوا بنت البلد وهى تدق على صدرها وتصرخ: "فلوسي ولاد الحرام خدوا فلوسي".

وهكذا كان الموسكى طوال الأيام السبعة التى سبقت العيد خلية نحل، وفي صباح الجمعة، أحصى الموسكى ما كسبه، وكان العيد قد دفع أكثر من مئتى ألف جنيه.

مصايف العيد
من ناحية أخرى، كان المجتمع فى هذا الأسبوع مشغولًا بالعيد، فقد كان الناس كلهم يبحثون عن المكان الهادئ الجميل الذى يستطيعون أن يمضوا فيه الأيام الأربعة للعيد.. وبعد أن كانت القاهرة قد استقبلت عددًا ضخمًا من العائدين من المصايف جاء العيد ورأى الناس أنه لا بد أن يعودوا مرة ثانية إلى البحر.. وشهدت الإسكندرية عددًا من الشخصيات التى كانت قد غادرتها إلى القاهرة.. بعد انتهاء الموسم.

وفي الإسكندرية امتلأت البلاجات طوال أيام العيد بالأسر السعيدة الباحثة عن المرح، وامتلأت رأس البر أيضًا، وسافر عدد كبير من الناس إلى بورسعيد والسويس، وهما دائمًا يمتلئان فى العيد فقط. وقالت سجلات فندق الليدو فى مرسى مطروح المصيف الهادئ البديع، إن أكثر من مئتى شخص سافروا إليها فى العيد ليعيشوا أيامًا سعيدة هنيئة بين البحر الواسع والصحراء المترامية الأطراف. 

 «آخرساعة» 27 سبتمبر 1950

اقرأ أيضا | قهوة مقابل الذهب.. «حق الملح» لتقدير جهود التونسيات طوال شهر رمضان