ناجي أبو مغنم يكتب: رمضان في رحاب الأزهر والحسين 

الكاتب الصحفي ناجي أبو مغنم
الكاتب الصحفي ناجي أبو مغنم

أجواء أقل ما تُوصف بأنها عبق التاريخ، ومنبع الروحانيات، ومقصد الجميع، مسلمًا ومسيحيًا على اختلاف فئاتهم وطوائفهم.. نعم القاهرة الفاطمية وقلبها النابض بالحياة صباح مساء، خاصةً منطقة الحسين ومسجدها الأشهر، الذى يضم تحت ترابه رأس ابن بنت رسول الله، سيدنا الحسين بن على، رضى الله عنهما، وقد تعودت منذ أن باتت القاهرة مسكنى ومقر إقامتى الدائم قبل نحو 4 سنوات، إلى التوجُّه إلى جامع الأزهر الشريف مرةً على الأقل خلال شهر رمضان الكريم، والذى يقبع بقبته الشاهقة هو الآخر هناك، لأعيش أجواء وروحانيات تلك الأيام المباركة فى واحدة من أجمل بقاع مصر العامرة بالدين والحياة.

يكفيك زيارة إلى هذه المنطقة لتعود إلى حقب زمنية مضت، عاش فيها الأجداد وعمَّروا أينما ارتحلوا، لكنهم قبل أن يرحلوا منذ مئات السنين، تركوا لنا أثرًا نفخر به أمام العالم، إذ تُبصر حولك فترى الجامع الأزهر ومسجد الإمام الحسين، وخان الخليلى، وشارع المعز وحديقة الأزهر، وكلها أماكن لو مكثت فيها دهرًا ما شبعت منها، ولتمنيت ألا تُغادرها ولو كنت زائرًا قدمت من خارج مصر.

اقرأ أيضا | ناجي أبو مغنم يكتب: معلمي الأجيال.. عذرًا

ذهبت بالأمس القريب، رفقة الصديق العزيز والكاتب الصحفى أحمد الضبع ومحمد عصام إلى هناك، لنحيى عادتنا السنوية، فكانت البداية من مسجد الحسين، الذى ما أن تطأ قدماك بابه، تخرج من الدنيا ومتاهاتها إلى عالم روحانى فسيح فيه راحة نفسية وطمأنينة لن تجدها فى منتجعات مدريد وباريس، وسويسرا، وأى بلد من بلاد السحر والجمال التى نسمع عنها.

هناك ترى أُناسًا يُتاجرون مع الله، جاءوا من كل حدب وصوب، لزيارة الأزهر والحسين والتنقل بينهما والاستمتاع بساعات وأيام فى رحاب بيوت الله العامرة بخلقه، يصلون ويذكرون ويُكبِّرون ويتعبدون لله الواحد الأحد، فى حرية تامة ودون منغصات أو ما يُعكر اللحظات الإيمانية التى يُعايشونها مع كل فرض وركن يؤدونه، وحلقة ذكرٍ يقيمونها.

وما إن تلتف يمينًا، حتى تجد الإندونيسى والباكستانى، ثم تعدل يسارًا فتقع عيناك على صاحب الملامح الخليجية والشامية، ومن أمامك ترى ذا الوجه الأوروبى، وبينهما وجوه بملامح عمق القارة الأفريقية، يظلهم المسجد بظله وتحت سقفه لا فرق بينهم، فقد حلُّوا بمصر ضيوفًا للقاء ربهم من أرض الكنانة، التى أخبر عنها الله وقال لعباده "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".

بعدما يفرغون من صلاوتهم تنتشر كل أسرة فى تلك المنطقة التاريخية، وفى شارع المعز تجدهم يتصورون، ليُوثِّقوا زيارتهم لهذه المشاهد التى لن تجدها إلا في قلب القاهرة، ويتنقلون إلى القلعة وغيرها من المزارات ويجلسون على المقاهى المزيَّنة برائحة التاريخ، ويقضون أوقاتًا ماتعةً بأقل التكاليف.

وبين هذه المشاهد وتلك، فرحنا وحزنا، الأولى جاءت من هذه الجماهير الغفيرة التى نرى فيها مشهدًا مصغرًا لبيت الله الحرام، الذى يستقبل العابدين من جميع دول العالم، وكذلك الأزهر الذى يحتضن رواده من 120 جنسية، كما قال الأزهر في بيان رسمى.

تجوَّلت فى أماكن أصل إليها لأول مرة، وهناك كان الانبهار الحقيقى بعظمة أجدادنا وتصميماتهم التى تركت لنا تحفًا فنية تخطف القلوب، وأماكن ترفيهية، حتى إننى اتفقت مع صديقى «الضبع» الاحتفال بعيد ميلاده الذي يحل بعد أيام قليلة فى هذه الأماكن.. وحزنت من غلبة الأجانب على المصريين من حيث العدد هناك، وتعجبت من جهل بنى وطنى بقيمة آثارهم ومقدساتهم الدينية ومنشآتهم السياحية، ورغم وجودهم على بُعد أمتار منها أو بضعة كيلو مترات، إلا أنهم لا يقصدوها ومحرومون من أجوائها ونسماتها، ولا يعلمون عنها إلا أنها مساجد كغيرها من الجوامع.

أما المشهد الثانى الذى أحزننى، فهو إعلاء كاميرات الهاتف فوق صوت الدعاء، فكثيرٌ ممن جاء إلى هناك وقع فى أسر الصور داخل مقام الحسين أو فى صحن الأزهر، ليرائى بها أصدقاءه على مواقع التواصل الاجتماعى، بينما ضيوفنا يعلمون قيمة تلك الأماكن ويدعون ربهم ويستمتعون بأجوائها، وقلما تجد منهم من ينشغل فى أمر سوى العبادة والاستمتاع بوقته.

وختامًا بلادنا جميلة فى عيون غيرنا، علينا اكتشافها لنستمتع بإرث أجدادنا ونعيش روحانيات الشهر الكريم فى رحاب الأزهر والحسين، اصطحبوا الأطفال ليعلموا تاريخهم الغائب عنهم وليتعرفوا على حضارة بلادهم أم الدنيا.

اقرأ أيضا | ناجي أبومغنم يكتب: السوسة واللتات