بين أحضان الريف بعزبة سعودي التابعة لقرية بيهمو بمركز سنورس، في محافظة الفيوم، ولد محمود وسط أسرة بسيطة من الفلاحين، لا تملك شيئا سوي نيل قصص وأساطير الحضارة الفرعونية، ليترعرع حينها منذ نعومة أظافره على إحياء تراث أجداده الفراعنة.
وما أن اشتد عوده وتغيرت معالم هيئته، وزادت معرفته وثقافته التاريخية، إلا أنه لا يكل ولا يمل في الإطلاع على عادات وتقاليد القدماء المصريين وأحياء التراث ليجمع بين الماضي والحاضر ويربطهما بتمجيد المستقبل.
اقرأ أيضا:حكايات| اعتمدت على «أفلاطون».. «تريزا» تغير حياة الأمهات والأطفال
وذات يوم، داخل أحد المنازل بمحافظة الفيوم، مرّ الشاب محمود محمد أمام جده الذي يحمل بين يديه سنابل القمح، كان يصنع بها شكلًا غريبًا على مخيلة الشاب، ما جعله ينتبه لما يفعله جده، إذ كان يحمل السنابل بين يديه يُضفرها ليصنع منها ما يُسمى بـ«عروسة الحصاد أو عروسة القمح».
كانت تلك هي المرة الأولى التي يري فيها الشاب العشريني تلك العروسة، وقد استفزه شكلها ورغب في تعلمها، فتوارثه الحفيد عن جده، ويصبح محمود الشاب الوحيد في قريته الذي يصنعها بعد جده، ويُهديها لأصدقائه في موسم الحصاد، لتعم الفرحة والسعادة على منازل «أرض السحر والجمال».
«الذهب الأصفر».. اعتاد محمود منذ صغره على أحياء عادات وتقاليد القدماء المصريين من قبل أهل قريته أثناء موسم الحصاد، إذ يعتبره أحد الطقوس الأساسية أثناء جمع محصول القمح.
ومع مطلع شهر أبريل يستعد الأهالي لموسم حصاد القمح، وفيه تبدأ طقوس مُختلفة، وتتغير فيه شكل الطبيعة وتزهر فيه الورود، ليتكمل اليوم بجمع الأهالي كميات قليلة من القمح «لعمل أكله الفريك»، ليتناولوها سوياً.
يحكي «محمود محمد» مدرس الأحياء والجيولوجيا لـ« بوابة أخبار اليوم» كيفية عمل عروسة الحصاد من «الذهب الأصفر»، فيقول: «إنه توارث صنع عروسة الحصاد عن جده الذي يبلغ من العمر 82 عامًا، وقد اعتاد على رؤيتها في المنزل لسنين طويلة مُعلقة في غرفته ومحتفظة بشكلها، ومع مرور الوقت لفتت انتباهه شكلها المختلف وتضفيرتها الجميلة التي تتميز بها».
ويروي محمود، أنه يفخر كثيرًا بتفرده في صناعتها حتى أنها شغلت تفكيره، فأخذ للبحث عن الهدف منها، وهل لها أثر قديم أم لا، وسرعان ما وجد الشاب أن اجداده الفراعنة كانوا يقدمونها كقرابين لإله الحصاد.
وعن سر حب أهالي أرض السحر والجمال لعروس القمح؟.. يقول محمود إنه يحرص على صناعتها لأنها تستخدم كرمز وفرحة بموسم الحصاد، إذ يهاديها لأصدقائك لتزين المنازل، تعبيراً عن فرحتهم بقدوم الموسم.
