القاهرة الساهرة في ليالي رمضان

شهر رمضان في القاهرة
شهر رمضان في القاهرة

أغرب سؤال يمكن أن يطرح نفسه فى شهر رمضان هو: لماذا يكون رمضان على هذه الصورة الروحية البديعة فى القاهرة بالذات.. ولماذا تكون القاهرة فى أبهى صورها فى رمضان أيضا بالذات؟! والجواب قدمته «آخرساعة» فى تقرير عام 1981، نعيد نشره بتصرف محدود فى السطور التالية:

القاهرة وُلدت وظهرت إلى النور فى الشهر الكريم، وأهلها استقبلوا بالحب والترحاب الخليفة الفاطمى المعز لدين الله القادم من المغرب لتنصيبها عروسا وعاصمة للدولة الإسلامية التى كان على رأسها الفاطميون فى ذلك الوقت.. ولكن لنرجع قليلا مع التاريخ..
عندما أعلن الفاطميون دولتهم فى المغرب تطلعوا إلى ضم مصر لحوزتهم لما يتمتع به موقعها من أهمية عظيمة سياسيًا وحربيًا.. واختاروا لدخولها قائدهم الشجاع جوهر الصقلي.. ولم يجد الصقلى صعوبة فى دخول مصر الإسلامية.. وعلى عادة الفاطميين كان أول ما اتجهوا إليه تأسيس قاعدة للملك تسع الجند والأنصار ودواوين الحكومة، ثم أسسوا أول مسجد بالمدينة الجديدة لإقامة الشعائر الدينية وكان ذلك هو الجامع الأزهر أول مساجد القاهرة.. ووضع أساس القاهرة سنة ٣٥٨هـ ـ ٩٦٩م وافتتحت بعد ذلك بأربع سنوات فى السابع من رمضان سنة ٣٦٢هـ، ويومها جاء المعز لدين الله الفاطمى من المغرب وأحضر معه رفات آبائه.. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت قاهرة المعز من أمهات المدن الإسلامية المؤثرة فى سياسة العالم وفى حضارته الإنسانية.

اقرأ أيضًا| «اصحى يا نايم».. بوابة عبور هيام يونس لقلوب المصريين


مائدة الجامع العتيق:


ومع استقرار الأوضاع للفاطميين فى عاصمتهم الجديدة حرصوا على كسب حب الناس وعلى نشر دعوتهم وعاداتهم.. وأخذ شهر رمضان عندهم مكانة وطابعًا خاصًا، وظهر هذا الطابع واضحًا فى عهد الخليفة العزيز بالله الذى ابتدع نظامًا جديدًا للأسبلة والموائد الجماعية للإفطار فى رمضان وأقام أول مائدة فى الجامع العتيق «جامع عمرو بن العاص» دعا إليها أهل الفسطاط.
وكانت الموائد تقام أيضًا فى قصر الخليفة وكان يقدم أكثر من ألف قدر من جميع أنواع الطعام والحلوى للفقراء والمحتاجين.. وكان للموائد بروتوكول واهتمام خاص، حيث كانت تقام فى قاعة الذهب.. التى بها سرير الملك.. ويدعى إليها قاضى القضاة ليالى الجمع توقيرًا له.. أما باقى الليل فيُدعى أميرٌ من الأمراء بالتناوب.

ورمضان هذا العام كريم جدًا.. وتبدو هذه الصورة واضحة فى حى الحسين الذى يأخذ طابعًا متميزًا خلال الشهر الكريم.. فالحى لا ينام ولا تهدأ الحركة فيه على مدى الـ24 ساعة طوال رمضان.. والليل بصفة خاصة فى هذا الشهر أكثر حركة ونشاطًا ومرحًا من النهار.. فالأسر تخرج من بيوتها قاصدة مقاهى الحى الأثرى وسرادقاته التى تحرص قصور الثقافة والمسارح العامة والخاصة على إقامتها وتقديم أحلى السهرات والفقرات الدينية والفنية لإمتاع الناس.
وقد عاش مصوِّر المجلة أحمد عبدالعزيز، 24 ساعة كاملة بالحى الذى لا ينام وسجّل بعدسته أجمل اللقطات التى تميز أيام وليالى رمضان فى حى الحسين.


حلقات الذكر:
على امتداد ليالى الشهر الكريم انتشرت السرادقات فى كل مكان بحى الحسين.. سرادقات لبيع الكتب الدينية التى يتزايد الإقبال عليها بصورة كبيرة فى رمضان.. وسرادقات الجماعات الصوفية والدراويش الذين يقيمون حلقات الذكر ويستخدمون الموسيقى الدينية فى الغناء والتقرب إلى الله.. ويستمر الغناء وقصائد الإنشاد حتى يصلوا إلى درجة (الدوخة) أو النشوة الروحية.
وفى أحد السرادقات الفنية استمر محمد نوح وابنته سحر كل ليلة وحتى وقت السحور فى الدعاء الدينى وغناء القصائد الصوفية.. مدد.. مدد.. يا مولانا لا تنسانا.


ضيوف مصر:
ومن السودان الشقيق جاءوا لقضاء شهر رمضان الكريم فى القاهرة.. يقولون: الشعائر والاحتفالات الدينية لا تختلف كثيرا فى البلدين.. نفس الاحتفالات الدينية.. ونفس الأطعمة تقريبا عدا مشروب «الحلو مر» بدلًا من الخشاف الذى يبدأ به المصريون إفطارهم.. ومن أمريكا أيضًا جاءوا يشاهدون مظاهر رمضان فى القاهرة ولكن على طريقة الهيلتون الذى أقام سرادقًا صغيرًا فى صالة الاستقبال وبه فرن تقليدى لصناعة الكنافة والقطايف التى يحلو للمسلمين استخدامها فى صنع أشهى أطباق الحلوى وتناولها مع وجبات الشهر الكريم.
(«آخرساعة» 29 يوليو 1981).