محمود الورداني يكتب: عن سردية فيروز كراوية (2-2) غوازي ومؤديات

محمود الوردانى يكتب : عن سردية فيروز كراوية ( 2-2 ) غوازى ومؤديات
محمود الوردانى يكتب : عن سردية فيروز كراوية ( 2-2 ) غوازى ومؤديات

كنت قد توقفت فى العمود السابق عند ما أشارت إليه الكاتبة فى القسم الأول «من الحرملك إلى قلب تحولات المدينة» حول بدايات الغناء النسائى فى مصر فى القرن التاسع عشر، باعتباره تغييرا فى وضعية النساء، يرتبط بما كان يجرى بعد صعود محمد على وتأسيسه لدولة يرثها أبناؤه ومستقلة إلى هذا الحد أوذاك عن السلطنة العثمانية.

فى هذا السياق، تتابع الكاتبة وتتقصى انقسام المشهد الموسيقى العام منذ بدايات القرن التاسع عشر، بين المؤديات فى بيوت الارستقراطية، وبين من يعملن فى الموالد والمقاهى مثلا. ومن هنا تحديدا ظهرت الغوازى والعوالم من ناحية والمؤديات.

ومن ناحية أخرى. الأخيرات «تحدد الكاتبة الأسماء بدقة وتستند فى سائر صفحات الكتاب - المرجع- إلى قاعدة معرفية جديرة بكل احترام»  تخصصن فى غناء الطقاطيق، وسارعن بتسجيلها على اسطوانات عندما تأسست شركات خاصة فى بدايات القرن العشرين.

ومن جانب آخر تشير إلى أن الطقطوقة تأثرت بدخول الفرق المسرحية والغناء الدرامى، وتنوعت بين الغناء الساخر والمجونى والإباحى والوطنى والاجتماعى، ومالبثت شركات الإسطوانات أن بدأت فى تسجيل الطقاطيق، وحققت العوالم نجاحا جماهيريا، كما تألقت سلطانة الطرب منيرة المهدية وحققت مكانة اجتماعية، وقدّمت الكثير من الأعمال المسرحية، وفتحت المجال لملحنين كبار مثل داود حسنى وسيد درويش والقصبجى.

وعندما نصل إلى النصف الثانى من عشرينيات القرن الماضى تتحول الطقطوقة إلى «مُعبّر فنى أكثر حساسية للغة الاجتماعية، بالنظر لموقع العوالم المتقاطع مع جمهور أساسى من الرجال بات احتكاك النساء  واطلاعهن على أنماط الحياة الغربية مقلقا له» حسبما كتبتْ.

 وهكذا.. تحرص على رصد ملامح الواقع السياسى والاجتماعى وعلاقته بظهور أشكال جديدة من التعبير الموسيقى، من خلال أسماء محددة والأدوار التى لعبتها تلك الأسماء. وحسبما اضافت أن الطقطوقة «عكست توترات الانتقال لمجال اجتماعى بدأ يمنح خيارات أو تخيلات عن خيارات بين التقليد والتحديث».

اقرأ ايضاً| محمود الورداني يكتب: الفاجومي ونوارة (3) عن زينب والسيدة أم زينب

وعلى هذا النحو تربط الكاتبة بين الواقع والمشهد الموسيقى والغنائى فى القسم الثانى من الفصل الأول الذى تخصصه لأم كلثوم، وهو واحد من أمتع فصول الكتاب، حيث ترسم بورتريها للفنانة الأشهر والأكثر ذكاءً وحساسية واستجابة لزمانها وإصرارها على أن تبقى لعدة عقود متوالية فى الصدارة، وهى بالطبع حالة استثنائية لم تتكرر.

وعلى أهمية الفصل الثانى» زمن الخروج إلى الحداثة الموسيقية»، إلا أن الإضافة الكبرى التى لفتت الكاتبة الانتباه إليها هى إضافة عبد الوهاب، بل والنقلة التى أحدثها والعلاقة بينه وبين سيد درويش الذى تأثر به بشدة، وانطلق من أرضه ومن تحديثه، كما تلفت الانتباه للدور الذى لعبته السينما فى هذا الخصوص، فظهور عبد الوهاب ارتبط بالسينما وهو أول مطرب وموسيقى استفاد من السينما وأصبح نجما سينمائيا وأضاف إلى الموسيقى من خلال الفيلم السينمائى.

وهنا أريد أن أشير إلى ما احتوى عليه ذلك الفصل تحديدا من الهوامش التى تضيف إلى المتن، مثل.. الهامش المكتنز بالمعلومات المتعلقة بهجرات الشوام إلى مصر، ومنهم برز أعلام فى الأوساط الفنية والأدبية والصحفية فى أجيال متتالية، من جورج أبيض إلى أسمهان وفريد الأطرش وعزيز عيد وبديعة مصابنى.. إلى آخر تلك الأسماء التى شكلّت إضافة وامتزجت بالغناء والموسيقى والمسرحية الغنائية المصرية.

مازال كتاب فيروز كراوية حافلا ومثيرا للدهشة والإعجاب معا، بسبب عكوفها وإخلاصها لتقديم سردية شاملة ودقيقة لقرن ونصف القرن من الفن والواقع معا، ودون أن يكون أحدهما انعكاسا ميكانيكيا للآخر.

استكمل فى الأسبوع المقبل إذا امتد الأجل.