التعليم المجتمعي| مواجهة جادة للتسـرب مـن المـدارس.. وسد منابع الأمية

مدارس التعليم المجتمعى
مدارس التعليم المجتمعى

كتب - أحمد جمال

أعادت الاتفاقات التي وقعتها وزارة التربية والتعليم مؤخراً مع جهات مانحة دولية بهدف تطوير البنية التكنولوجية لعدد من مدارس التعليم المجتمعى أو ما تسمى بمدارس «الفصل الواحد» الضوء على الأدوار التى تقوم بها تلك المدارس فى مواجهة زيادة معدلات التسرب من التعليم وكذلك عدم القضاء على مشكلة الأمية، فى وقت تواجه فيه تلك المدارس عدداً من المعوقات على رأسها زيادة معدلات التسرب وعدم وجود أماكن إتاحة داخلها.

وتشير تقديرات رسمية حصلت عليها «آخرساعة» من وزارة التربية والتعليم إلى أن مصر بها 4881 مدرسة مجتمعية على مستوى الجمهورية ويدرس بها نحو 140 ألفاً و413 طالبا، وتعمل بها 10 آلاف و230 معلمة فى جميع المحافظات، فيما تشير أرقام نشرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مؤخراً إلى أن أعداد المتسربين من التعليم هذا العام فقط وصل إلى 150 ألف طالب.

وتبرهن تلك الأرقام على أن مئات الآلاف من الطلاب الآخرين ممن تركوا مدارسهم ولم يستكملوا تعليمهم خلال مراحل التعليم المختلفة لم يجدوا فرصة للتعلم وأن مدارس التعليم المجتمعى ليست كافية لاستيعاب كافة الطلاب الذين يقبعون داخلها عدة سنوات حتى يحصلوا على الشهادة الابتدائية، وسط مطالبات عديدة بزيادة أعداد تلك الفصول وتوفير عناصر جذب للطلاب وأولياء الأمور تجعلهم يقدمون على التقديم إليها.
وتُظهر أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء التى صدرت مطلع هذا العام أن 28 ألف طالب وطالبة تسربوا من المرحلة الابتدائية و121 ألف طالب متسرب خلال المرحلة الإعدادية  خلال عام واحد فقط، وأن عدد المتسربين من الفتيات فى المرحلة الابتدائية وصل إلى 10 آلاف و401 طالبة، إلى جانب 14 ألفاً و797 طالبًا.

جودة التعليم
ودشنت وزارة التربية والتعليم «مدارس التعليم المجتمعي» فى عام 1992 أى قبل 31 عاماً لدعم حصول الأطفال الأكثر حرماناً وتهميشاً على فرصة تعليم حقيقية، بالتعاون مع منظمات دولية مثل «يونيسيف»، ومؤسسات المجتمع المدنى بهدف اعتماد وتوسيع نطاق نموذج التعليم المجتمعي، لتستهدف المدارس تحسين جودة التعليم وتنفذ من خلال شراكة فعالة وإيجابية من المجتمع ومؤسساته، لضمان استمرارية هذه الأنشطة، فضلا عن تضافر الجهود الأهلية مع الحكومية لتقديم تدخلات ومساهمات عينية وغير عينية لإحداث تحسين فى جودة العملية التعليمية.

وتوفر المدارس الخدمات التعليمية فى ‏المناطق النائية المحرومة من الخدمات التعليمية، وتقبل المدارس المجتمعية الطلاب من سن 9 سنوات إلى سن 14 عاما من المتسربين من التعليم العام المفصولين، كما يتم قبول التلاميذ من سن 6 سنوات فى المدارس التى تبعد 2 كيلو متر عن المدرسة العامة، وفى غير ذلك لا يقبل.
وتتولى عملية التدريس فى المدارس المجتمعية معلمات يطلق عليهن وصف «ميسرات»، حيث يقمن بتيسير العملية التعليمية داخل المدارس المجتمعية، من خلال الأنشطة التعليمية والتدريبية المختلفة، للتأكد من حصول الطلبة على الاستفادة القصوى من تلك الأنشطة، خاصة أن هؤلاء الأطفال يتم إدراجهم تحت فئة المتسربين من التعليم.

وقالت معلمة بإحدى مدارس التعلم المجتمعى - رفضت ذكر اسمها - إن كثيراً من المدارس التى تتواجد فى القرى بحاجة إلى دعم أكبر من جانب وزارة التربية والتعليم وأن البعض منها يمكن توسعته والاستفادة من استقبال عدد أكبر من الطلاب المتسربين من التعليم، وأن المدارس بحاجة إلى سلوكيات انضباطية تضمن انتظام الطلاب فى الدراسة، إلى جانب عملية التوعية المجتمعية التى تغيب عن أذهان كثير من الأسر الذين مازال لديهم قناعة بعدم الجدوى من التعليم.
وأوضحت أن الأزمة التى تعانيها المدارس المجتمعية تتمثل فى أن هيئة محو الأمية ترسل إليها المعلمات يبحثون عن أماكن للراحة بحيث لا يعملون عدد ساعات طويلة فى حين أن مناهج محو الأمية تختلف عن المناهج الدراسية فى مدارس التعليم المجتمعى التى يكون منهجها هو ذاته ما يتم تدريسه بالمرحلة الابتدائية ويغيب التدريب عن هؤلاء بشكل كبير، كما أن كثيراً من المعدات المستخدمة للتدريب المهنى للطلاب بحاجة إلى التجديد والتحديث والبعض منها أصبح تالفًا.

وأشارت إلى ضرورة أن يكون هناك محفزات لجذب الطلاب إلى المدارس مثل توفير دعم مادى للطلاب وأولياء أمورهم وكذلك تحديث أدوات التطوير المهنى بحيث يحصل الطالب على حرفة مطلوبة فى سوق العمل المحيط بالبيئة التى يتواجد فيها، وهو ما يتطلب تدخل منظمات المجتمع المدنى بشكل فاعل لتحديث هذه المدارس ومضاعفة أعدادها.

سد المنابع
وأعلن وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، الدكتور رضا حجازى، مؤخراً التزام الحكومة بالحد من ظاهرة تسرب الطلاب من التعليم؛ بهدف سد منابع الأمية، مشيراً إلى أنه فى إطار التعاون المشترك بين الوزارة وبرنامج الأغذية العالمى تم تطوير البنية التكنولوجية لعدد 500 مدرسة مجتمعية، وتقديم الخبرات والتدريب لمعلمى هذه المدارس، والتأكيد على وضع خطة لتوسيع نطاق التعاون لاستكمال تطويرها.

وقال محمد منصور العباسي، مدير إدارة التعليم المجتمعى بمديرية التربية والتعليم فى محافظة الشرقية، إن التعليم المجتمعى والتعليم الابتدائى وجهان لعملة واحدة وهو عبارة عن فرصة ثانية للالتحاق بمسار التعلم تتيحها وزارة التربية والتعليم من خلال نفس المناهج التى يتم تدريسها فى المرحلة الابتدائية ويكون الاختلاف فى طرق التدريس واستراتيجية التعلم، متوقعًا أن تبدأ الوزارة فى تطبيق منظومة التعليم الجديدة على طلاب المدارس المجتمعية خلال العام الدراسى بعد القادم.

وأشار إلى أن فصول المدارس المجتمعية تكون عبارة عن مبانٍ قائمة بذاتها أو فصول ملحقة فى المدارس الحكومية الابتدائية أو الإعدادية، لافتًا إلى أن الطلاب الذين تقل أعمارهم عن تسع سنوات هناك فرصة لديهم للالتحاق بالتعليم العام، كما أن من تزيد أعمارهم عن 14 عاماً يمكن أن يلتحقوا بفصول محو الأمية، وأن ما يجذب الطلاب إلى المدرسة أنها معفاة بشكل كامل من المصروفات وفى حال تخرج الطالب منها والتحق بالمرحلة الإعدادية فإنه أيضا يُكمل مراحل تعليمه بدون مصروفات فى كافة مراحل التعليم قبل الجامعي.

وأكد أن منظمة الغذاء العالمى اليونيسيف بالتعاون مع البنك الدولى تصرف مكافأة شهرية للطلاب قيمتها 180 جنيهًا لحين تخرج الطالب، كما أن إدارات التعليم المجتمعى تقوم بدور توعوى جاذب للطلاب إلى المدرسة من خلال نشر ثقافة وجود فرص أخرى للتعليم بعيداً عن التعليم العام ومدارس محو الأمية عبر زيارات يقوم بها العاملون بتلك الإدارات إلى المدارس الابتدائية لتعريف أولياء الأمور الذين يعانى أبناؤهم من صعوبات فى التعلم أو القدرة على التحصيل وهؤلاء سيكون لديهم فرصة أكبر للتعلم فى فصول التعليم المجتمعي.

وأوضح أن عملية التدريس فى تلك المدارس تقوم من خلال المعلمة أو «الجليسة» التى تتواجد مع الطلاب من الصباح وحتى المساء لتعريفهم أساسيات القراءة والكتابة وشرح المناهج الدراسية بطرق مبسطة وهى أقرب ما يكون لطريقة التعليم فى المرحلة الابتدائية وتؤتى ثمارها خاصة مع الطلبة الضعاف، مشيراً إلى أن إداراته طالبت مديرى المدارس الابتدائية فى محافظة الشرقية بإعداد كشوف بأسماء الطلاب المتسربين أو كثيرى الغياب أو ضعاف التحصيل المدرسى لتعريف أولياء أمورهم بالمدارس المجتمعية وجذبهم إليها.

أصعب المشاكل
ومن جانبه قال الدكتور محسن الدهشان، الخبير التربوي، إن ظاهرة التسرب الدراسى تعد من أصعب المشاكل التى تعانى منها دول العالم بصفة عامة والدول العربية بصفة خاصة لما لهذه الظاهرة من آثار سلبية تؤثر فى تقدم المجتمع الواحد وتطوره وتقف حجراً صلباً أمامه وقد سبق أنها تساهم بشكل كبير وأساسى فى تفشى الأمية.

وأوضح أن زيادة معدلات التسرب تعد أخطر الحالات التى تضعف من كفاءة النظام الاجتماعى والتربوى ما يؤدى لزيادة الجهل والتخلف وانخفاض دخل الأسرة وانشغال الآباء والأمهات فى العمل، مشيراً إلى أن التسرب التعليمى قد يرتبط بظروف أسرية أو اقتصادية، تحت تأثير الأقران، كما أن عدم إقبال الذكور على الدراسة فى بعض المجتمعات قد يكون تحت تأثير الظروف الاقتصادية كذلك الفتيات قد يكون تحت تأثير ثقافات تقليدية داخل بناء المجتمع.

وشدد على أن ظاهرة التسرب التعليمى تتفاوت فى درجة حدتها وثقافتها من مجتمع لآخر ومن مرحلة دراسية إلى أخرى حسب مستوى التعليم بالدولة، وفى مصر يمثل أهم الروافد لزيادة أعداد الأميين، كما يمثل ضياعاً لموارد المجتمع تتمثل فى إنفاق تعليمى على التلميذ منذ دخوله المدرسة حتى تسربه دون عائد يقابل هذا الإنفاق وهى مشكلة لا يعانى منها قطاع التعليم فقط بل تمتد أبعادها للأسرة والعملية التعليمية.

ولفت إلى أنه يجب الاعتراف بأن التسرب الدراسى يمثل بالنسبة للطالب حرمانه من فرص التعليم، حيث يمثل المتسربون من التعليم قوى معطلة ويشكلون جانباً ضعيفاً وهذا يؤكد خطورة تترك آثاراً سلبية على الفرد والأسرة والمجتمع.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 29/3/2023

أقرأ أيضا: «اتكلم إشارة».. تعميم لوحات استرشادية لطلاب الصم والبكم