حكايات| «رمضان جانا» الأغنية التي قدمها محمد عبد المطلب بسبب 6 جنيهات

محمد عبد المطلب والفنانة صباح
محمد عبد المطلب والفنانة صباح

يزخر الفن المصري والعربي بعدد كبير من الأغنيات التي لها علاقة برمضان والتي تعد عاملا رئيسيا في الشوارع قبل وخلال الشهر الفضيل، حيث إن التراث المصري يعج بعدد لا بأس به من الأغنيات التي تتحدث عن شهر رمضان فهي التي ترتبط بذكريات تتناقلها الأجيال وتظل كما هي حاضرة في أذهاننا بأي وقت من الأوقات.

بين «رمضان جانا، ومرحب شهر الصوم، ووحوي يا وحوي».. يحرص الفنانون على مدار الفترة الماضية على تقديم أغان خاصة بالشهر الكريم، تتناقلها الأجيال وتبقى حاضرة، رغم الأغاني الجديدة ومحاولات مزاحمة القديم بألوان وكلمات جديدة إلا أن "نوستالجيا" رمضان هي من تفوز دائمًا.

ولا يخلو تاريخ أغنيات رمضان من قصص وكواليس وربما صدف كانت سببًا في ظهور تلك الأغنيات إلى آذان المستمعين والتي مازالت حتى الآن بمثابة "الحصان الرابح" في الموسم الرمضاني.
 
وحوي يا وحوي

من أشهر أغنيات رمضان حيث إن لتلك الأغنية قصة تاريحية حيث أصبحت شهرتها كبيرة ويرددها الكبار قبل الصغار.

ظهرت أغنية "وحوي يا وحوي" لأول مرة عام 1937، وهي من كلمات الشاعر محمد حلمي المانسترلي، وقدمها ولحنها الفنان أحمد عبد القادر قبل أن يعيد أحمد صبري وفتحي قورة صياغة كلماتها وألحانها ثم قدمتها الفنانة اللبنانية هيام يونس ضمن أحداث فيلم "قلبي على ولدي" من إخراج هنري بركات، وذلك عام 1953.

قصة الأغنية وفقا لما يسرده الباحث زياد سامي إنها تعود للعصر الفرعوني خاصة أن كلماتها ومفرداتها تقول "وحوي يا وحوي إيوحا"، مشيرا إلى أن جملة «واح وي إيوح» كان يستخدمها الفراعنة للترحيب بملكتهم «إياح حتب» أو «قمر الزمان» وهي (والدة أحمس الأول قاهر الهكسوس).

وعاشت تلك السيدة في نهايات الأسرة السابعة عشرة وكانت تعد محل تقدير كبير نظرا لتضحياتها في سبيل الوطن، موضحًا في تفسيره للأغنية ونقلتها صحيفة "البيان" أن المصريين القدماء اعتادوا الخروج لاستقبالها وهم حاملين المصابيح والمشاعل ويغنون "وحوي يا وحوي إياحه".

كما تضمنت الأقاويل حول تلك الأغنية بأن المصريين القدماء كانوا يرحبون بالقمر مطلع كل شهر حيث رددوا "وحوي يا وحوي إياحه" والتي تعني "مرحبًا يا قمر"، مشيرا إلى أن "إياح" تعني القمر و"وحوي" تعني مرحى.

قصة وراء أحمد عبد القادر 

لم تخل كواليس أغنية "وحوي يا وحوي" من تاريخ قديم بل كان للفنان أحمد عبدالقادر التي قدمها قصة، حيث إنه قدم من محافظة الشرقية من أجل الالتحاق بالإذاعة المصرية في فترة الثلاثينات، حيث كان هناك نظام من خلال تخصيص 15 دقيقة فقط لكل ملحن يختار فيها 3 أغنيات للبث، حينها عرض عليه الموسيقار محمود الشريف غناء «رمضان جانا» إلا أنه انحاز لأغنية «وحوي يا وحوي»، والتي لاقت شهرة كبيرة حتى الآن.

رمضان جانا

ولا يمر شهر رمضان من دون ظهور أغنية "رمضان جانا" الأشهر على مدار التاريخ المصري والتي قدمها الفنان الكبير محمد عبد المطلب.

يحمل صوت "أبو نور" وهو لقب اشتهر به الفنان محمد عبدالمطلب نوعًا من الطمأنينة خاصة مع سماع "رمضان جانا" التي تحمل كواليسًا كبيرة في طياتها.

في البداية لم تكن تلك الأغنية لـ"أبو نور" وإنما كانت من نصيب الفنان أحمد عبد القادر لكنه فضل أغنية "وحوي يا وحوي" واضطر عبدالمطلب لقبولها بسبب المقابل المادي المعروض والذي كان 6 جنيهات، ومن  كتابة حسين طنطاوي وتلحين الموسيقار محمود الشريف.

ويروي نور عبد المطلب نجل الفنان الراحل كواليس تلك الأغنية، قائلا في تصريحات صحفية: "في ظل الحرب العالمية الثانية ساد الكساد وأغلقت معظم أماكن السهر لذا لم يصبح هناك مصدر رزق سوى الإذاعة حيث كان الفنانون يأتون ليختاروا كلمات المؤلفين، وظلت أغنية (رمضان جانا) الباقية من دون اختيار لذا لاقت إعجابه واختارها وسجلها في نفس اليوم وذلك نتيجة احتياجه لمبلغ 6 جنيهات قيمة أجره عن غنائها.

ومر على هذه الأغنية حتى الآن 80 عامًا، حيث أذيعت لأول مرة عام في ثاني أيام رمضان 2 سبتمبر عام 1943.

والله لسه بدري

«تم البدر بدري، والأيام بتجري.. والله لسه بدري والله يا شهر الصيام».. أغنية تمهد لقرب انتهاء شهر رمضان، قدمتها الفنانة الراحلة شريفة فاضل.

لتلك الأغنية قصة بدأها الشاعر عبد الفتاح مصطفى الذي راودته فكرة تقديم أغنية تُعبر كلماتها عن مدى تأثر وحزن الناس بوداع شهر رمضان الكريم، فأخذ بقلمه يُسطر أبيات شعرية نابعة من إحساسه الصادق، وتقدم بها للإعلامي وجدي الحكيم الذي كان يشغل منصب مراقب الموسيقى والغناء في الإذاعة المصرية آنذاك، وبدوره عرضها على لجنة النصوص للحصول على إجازة بتقديمها، وبعد الموافقة اقترح الحكيم على الفنانة شريفة فاضل غنائها، والتي تحمست كثيراً لوضع صوتها على الأغنية، وأًسند مهمة تلحينها إلى الموسيقار عبد العظيم محمد الذي لحنها في يومين فقط.

تحمل الأغنية في كواليسها العديد من التفاصيل؛ فبعد أن أصبحت الأغنية جاهزة للتسجيل، فتح وجدي الحكيم أستوديو 46 بالإذاعة المصرية، ودعا إليه الفنانة شريفة فاضل حتى تتولى حفظ كلمات الأغنية، والتدريب على لحنها من خلال عدد من البروفات التي أجرتها قبل التسجيل، وبعد 3 أيام من حفظ الأغنية والتدريب على لحنها سجلتها شريفة بحضور الشاعر عبد الفتاح مصطفى الذي أبدى إعجابه بلحن العمل وصوت شريفة فاضل حيث ظل جالساً بجانب كلاً من وجدي الحكيم ومهندس الصوت يستمع إلى صوتها وأدائها إلى أن إنتهت من تسجيلها، لتبدأ الإذاعة من بعدها في إذاعتها في الثلث الأخير من شهر رمضان، لتُحقق حينها نجاحاً مدوياً مستمر منذ منتصف الستينات، وحتى الآن. 

تحمس شريفة فاضل للأغنية وفرحتها بغنائها كان واضحاً لدرجة أنها قالت: “يكفيني أن تكون لي أغنية دينية شهيرة يُرددها الناس في هذا الشهر الكريم”.. تلك الكلمات التي قالتها للإعلامي وجدي الحكيم بعد تسجيلها للإغنية، حيث رفضت تقاضي أجر مادي مقابل غنائها مُعتبرة أن وجود أغنية دينية تُذاع لها عبر الإذاعة المصرية في شهر رمضان الكريم هو مكسب وأمر يُسعدها وتفخر به، لذلك لم تتجاوز تكلفة إنتاج الأغنية 50 جنيهاً آنذاك، إذ تقاضى الشاعر عبد الفتاح مصطفى مبلغ 15 جنيهاً فقط، فيما تقاضى الملحن عبد العظيم محمد مبلغ 35 جنيهاً مقابل لحن الأغنية.

الصدفة لعبت دوراً أساسياً في غناء شريفة للأغنية الأشهر في وداع شهر رمضان، حيث لم يكن مخططاً لها أن تُغنيها، ولم تسعى هي إلى خطفها من باقي مطربي الإذاعة، إنما وقعت الأغنية أمامها بالصدفة، فقد كانت الإذاعة هي التي تتولى عملية توزيع الأغنيات على المطربين، وكانت شريفة آنذاك تُصنف كمطربة جديدة في بداية مشوارها الفني إلى أن رشحها الإعلامي وجدي الحكيم لغنائها.