سفير تونس: نقدر دعم مصر.. وزيارة الرئيس قيس سعيد للقاهرة تاريخية| حوار

السفير محمد بن يوسف خلال حواره مع «الأخبار»
السفير محمد بن يوسف خلال حواره مع «الأخبار»

لن أبالغ إذا وصفت السفير محمد بن يوسف سفير تونس في مصر بأنه (مرجعية في الشأن العربي) الأمر يتعدى أداءه الرفيع خلال فترة وجوده في القاهرة والتي تجاوزت العامين ونصف في سبتمبر 2020 رغم أن بعضها جاء خلال حقبة كورونا بما فرضته من قيود في الحركة وقصور في التواصل ولكن ايضا من مسيرته وتاريخه السابق في العمل الدبلوماسي، فمعظم مهامه ارتبطت بالمنطقة العربية في البحرين وسوريا أو من خلال مشاركته منذ حوالى عشرين عاما ضمن وفود تونس في اجتماعات الجامعة على مستوياتها أو في الفترة التي تولى فيها منصب مدير مكتب وزير الخارجية والتي سمحت لها بالعيش داخل مطبخ الدبلوماسية التونسية ولعله من السفراء الحريصين على اختيار التوقيت المناسب للتعاطى مع الإعلام والصحافة وآخرها احتفالات تونس بمرور الذكرى الـ ٦٧ لعيد الاستقلال، وتناول الحوار العديد من القضايا منها ما يتعلق بالطبع بالعلاقات بين مصر وتونس وايضا وبشكل مفصل حقيقة الأوضاع فى تونس والتى تتعرض الى حملة غير مسبوقة على مستويات مختلفة ومن جهات أجنبية متعددة قد تتعارض مصالحها مع مشروع الرئيس التونسى قيس سعيد فى بعث تونس جديدة بعد عشر سنوات من الصراع على السلطة نتيجة إقرار نظام الحكم البرلمانى بديلا عن النظام الرئاسى والأول يحتاج الى تراكم تجارب وخبرات سياسية لضمان نجاحه حتى لا تتحول الأمور الى تقاسم لغنائم السلطة مع إهمال لمصالح الجماهير، كما اشار السفير محمد بن يوسف وهذا هو نص الحوار:

 لعل المدخل الطبيعى للحوار يتعلق بالملف الأبرز وهو التنامى الواضح فى العلاقات الثنائية خلال السنوات القليلة الماضية وبصورة أدق بعد تولى الرئيس قيس سعيد مهامه الرئاسية هل ثمة المزيد من التفاصيل عن ذلك الأمر؟
العلاقات المصرية التونسية أخوية و تمر بأزهى مراحلها هناك تشاور مستمر بين القيادة والحكومة والوزراء فى البلدين من أجل الارتقاء بالعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بما ينعكس إيجابيا على شعبى البلدين الشقيقين وهى ايضا علاقات متميزة فلا يكاد يمر شهر أو أسابيع إلا ويجرى اتصال أو لقاء على أعلى مستوى فى هرم السلطة فى كلا البلدين فى كل المؤتمرات متعددة الأطراف التى يشارك فيها رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة التونسيان كما انها فى أحسن حالاتها حاليا ونقطة البداية لعودة الزخم لهذه العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة كانت الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس قيس سعيد إلى جمهورية مصر العربية بدعوة من اخيه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى ابريل من العام الماضى وهى الزيارة التى امتدت من يومين الى ثلاثة ايام حيث أعادت الزخم للعلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه سابقا ونحن فى تونس رئيسا وحكومة وشعبا لن ننسى لمصر والرئيس عبد الفتاح السيسى الدعم الكبير الذى تقدمه جمهورية مصر العربية إلى الجمهورية التونسية فى كل المجالات وفى كل المراحل والمسارات التى تمر بها وأتوقف هنا عند أزمة كورونا وتحول تونس الى اعلي معدلات للوفيات فكانت مصر من أولى الدول الداعمة لتونس وكان لذلك أبلغ الأثر فى تجاوز تلك الأزمة.
نستعد لاجتماعات اللجنة العليا
 ولعل ملمح مهم من ملامح العلاقات بين البلدين هو النتائج التى خرجت بها اجتماعات اللجنة العليا المشتركة وهذا يدفعنا الى التساؤل حول حجم التبادل التجارى بين البلدين؟
هذا صحيح فقد كرست العودة القوية للعلاقات فعاليات ونتائج اعمال الدورة الـ ١٧ للجنة العليا المشتركة فى مايو الماضي فى تونس برئاسة رئيسى الوزراء في البلدين الدكتور مصطفى مدبولى والسيدة نجلاء بودن والتى شهدت توقيع 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم تخدم التعاون الثنائى بين البلدين فى مجالات التعاون الدولى والتجارة والاقتصاد والنهوض بالمرأة والطفولة والتعليم والبحث العلمى والتشييد والبناء والتعاون الزراعى وتكنولوجيا المعلومات والاتصال والبريد.
كما تم على هامش اجتماعات اللجنة المشتركة العليا عقد المنتدى الاقتصادى المصرى التونسي برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى والسيدة نجلاء بودن بحضور عدد كبير من الوزراء فى الجانبين وممثلى الاتحاد العام للغرف التجارية فى مصر والاتحاد التونسى للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية إلى جانب ممثلى القطاع الخاص فى البلدين وذلك من أجل بحث سبل زيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين وفتح آفاق للاستثمار وتذليل كل العقبات التى تواجهه، فضلا عن خلق مناخ مناسب لازدهار التعاون والشراكة بين مجتمع الأعمال فى البلدين.


وماذا عن الميزان التجارى؟


مستوى التعاون التجارى والاقتصادى بين البلدين فى الوقت الراهن لا يرتقى إلى تطلعات البلدين ولا يصل إلى مرتبة التعاون السياسى المتميز بين البلدين، حيث وصل الميزان التجارى بين البلدين حاليا إلى ( 350–400 ) مليون دولار، ويميل لصالح مصر، ووصل فى بعض السنوات عام 2019 قبل جائحة كورونا إلى 600 مليون دولار وهناك توافق واتفاق بين الحكومتين على العمل لإيصال حجم التبادل التجارى إلى مستوى أعلى من هذا الرقم بعد انتهاء الأزمات التى تمر بها المنطقة والعالم، خاصة الحرب الروسية الأوكرانية، وما صاحبها من أزمة اقتصادية أثرت، ليس فقط على مصر وتونس بل على العالم أجمع إضافة إلى بعض المعوقات البيروقراطية بين البلدين، والتى نحاول إيجاد حلول لها من خلال اللجان الفنية المشتركة ولعل الدورة القادمة للجنة العليا المشتركة التى يتم الاعداد لها تنجح فى تحقيق هذا الهدف.

- شهدت اجتماعات الدورة العادية الأخيرة لوزراء الخارجية العرب منذ اسبوعين التوافق على وضع أزمة سد النهضة كبند دائم على جدول أعمال اجتماعات الوزراء مما يمثل دعما عربيا لحقوق مصر والسودان فماذا عن الموقف التونسى من هذه القضية؟


تونس تدعم بشكل مطلق جمهورية مصر العربية والسودان وحقهما فى التوصل إلى اتفاق ( ثلاثى) شامل ومتوازن وملزم قانونيا حول ملء وتشغيل السد الإثيوبى حفاظا على وجود وحقوق حوالى 150 مليون مواطن مصرى وسودانى. هذا ما أشار إليه الرئيس قيس سعيد فى مناسبات مختلفة وتأكيده على أن أمن مصر المائى جزء من الأمن القومى وأن تونس تدعم مصر للحصول على كامل حقوقها فى مياه النيل.


 أحد القواسم المشتركة وجود تطابق بين البلدين تجاه العديد من القضايا العربية والدولية وتحديدًا الأزمة الليبية خاصة أنهما دول جوار مع ليبيا؟


بالفعل هناك تنسيق وتشاور مستمر بين القيادتين والحكومة والوزراء فى البلدين حول القضايا العربية والدولية ذات الاهتمام المشترك خاصة القضية الفلسطينية والأزمة الليبية والأوضاع فى سوريا وهناك تقارب كبير فى وجهات النظر بين البلدين بشأن حل للأزمة الليبية ونتوافق معا فى صورة الذهاب الى الانتخابات وبناء المؤسسات.

 وما هى رؤية تونس تجاه حل الأزمة الليبية؟


دعونا نتفق فى البداية على أن عدم الاستقرار فى ليبيا يؤثر سلبيا على دول الجوار وعلى تونس بدرجة أولى فى ظل التشابك بين البلدين على مستويات عديدة، فنحن نجاور الغرب الليبى وهو الثقل الاقتصادى لليبيا.
ولا أبالغ إذا قلت إن ليبيا كما لو كانت قضية داخلية أو شأنا تونسيا داخليا فى ظل وجود حركة تجارية نشطة وتدفق سكانى خاصة أننا لم نغلق أبدا الحدود المشتركة ودخول الليبيين بدون تأشيرة، موقفنا فى تونس أن الحل هو تسريع الانتخابات ونحن ندفع فى اتجاهها لأنها هى السبيل الديمقراطى والوحيد لإقامة المؤسسات الدائمة وتشكيل حكومة تمثل جميع أطياف الشعب الليبى تبسط سيطرتها وسيادتها على جميع الأراضى الليبية وإدامة الأمن والاستقرار فى البلاد وعودة الهدوء الذى يصب فى صالح الشعب الليبى الشقيق وشعوب دول الجوار الليبى ونحن ليس لدينا أجندة مصالح فى ليبيا ونعمل على المساهمة فى كل جهد باتجاه استقرارها باعتبار ذلك يؤثر مباشرة فى بلادنا مع التأكيد بأن الحل بيد الليبيين ولاتنسى أن استقرار ليبيا سيعود بالنفع على الجميع مع بداية ورشة إعادة الإعمار والحاجة إلى مساهمة الدول والشركات فى ذلك الأمر والذى يحتاج الى ملايين من العمالة الوافدة.


 تطور مهم على صعيد تعديل المواقف تجاه الأزمة السورية ومنها الموقف التونسى الذى اعلن عن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق كيف صاغت تونس هذا الموقف؟


سوريا دولة عربية مهمة ومن المؤسسين للجامعة العربية والرئيس قيس سعيد يعتزم تعيين سفير لتونس بدمشق قريبا، ضمن حركة تعيينات دبلوماسية يتم الإعداد لها فى العديد من عواصم العالم ونحن كما قال الرئيس قيس سعيد لا نتدخل فى الشأن الداخلى لسوريا والشعب السورى وحده هو من يختار النظام الذى يحكمه.

 هل تشهد تونس مؤخرًا حالة من عدم الاستقرار السياسى فى ظل الخلافات الحالية مع المعارضة؟


من المهم في هذا المجال العودة الى مشاهدته تونس منذ عام 2011 وتشكيل المجلس التأسيسى واصدار دستور 2014 الذى أقر النظام البرلمانى الذى يجعل من المجلس النيابى صاحب الكلمة العليا فى صناعة القرار وهو من افضل انظمة الحكم فى دول لها تراث ديمقراطى طويل وتراكم وثقافة سياسية فما بالك وتونس حديثة العهد بذلك مما ساهم فى تحوله إلى نوع من الصراع على السلطة وتقاسم مغانمها واتفاق على تشكيل حكومة فى الصباح وتغييرها فى المساء لدرجة اننا شهدنا قوانين يتم اقرارها فى البرلمان مدفوعة الثمن لهذا الشخص وتلك الجهة وهذا يفسر أسباب قرارات الرئيس قيس سعيد فى ٢٥ يوليو ٢٠٢١ والتى كانت بمثابة تصحيح للمسار بتجميد عمل مجلس النواب وحله بعد ذلك والعودة من جديد الى النظام الرئاسي ولكن في اطار ديمقراطي واعلاء دولة القانون والمؤسسات وقد تم ذلك من خلال خريطة طريق عبر معامل بدأت باستشارات شعبية واستفتاء على الدستور واعقبها انتخابات في 17 ديسمبر الماضي حتى تم الانتهاء من تشكيل مجلس نواب جديد ويقوم حاليا بمناقشة اللائحة التنفيذية لعمله.


 ولكن هناك من شكك في نجاح المشروع من خلال النسبة المنخفضة التي شاركت في انتخابات مجلس النواب وتجاوزت بقليل ١١ بالمائة؟


دعني أؤكد لك أن برلمانات ما بعد 2011 وممارسات الطبقة السياسية وتحالفاتها والتى افتقدت المصداقية كانت وراء حالة العزوف عن المشاركة ناهيك عن حالة اليأس السائدة لدى قطاعات عريضة من الشعب من جدوى عمل البرلمانات السابقة تفسر الى حد كبير هذا الانخفاض.

 وماذا عن مبادرة الاتحاد التونسي للشغل لحل الأزمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟


المبادرة لم يتم بلورتها ولم يتم الكشف عن مضمونها عموما وفى ظل الدعم الشعبي الكبير لمشروع الرئيس قيس سعيد فأستطيع أن اؤكد أنه لا رجعة الى الوراء.


 كيف تفسر الحملة التي تتعرض لها تونس وآخرها حول تصريحات الرئيس قيس عن المهاجرين الأفارقة؟


التاريخ يقول اننا افارقة حتى النخاع ولكننا نحاول تصحيح وضع المهاجرين الأفارقة فى تونس خاصة ان اعدادهم تتزايد بصورة كبيرة، اقامة الكثيرين منهم بصورة غير شرعية وإعادة التنظيم يتم فى اطار اقصى التزام بحقوق الإنسان والقوانين مع التأكيد بأن ضبط الإقامة هو قرار سيادى لتونس وقد سعت تونس من خلال حملة دبلوماسية نشطة فى شرح مواقفها للعالم وللأسف الحملة ضد تونس تدار بأيدي تونسية.
 


 نأتى إلى الصعوبات التى تواجهه اتفاق تونس مع صندوق النقد الدولى؟


لعل سبب تأخير الاتفاق مع الصندوق يعود الى أن الحكومات السابقة دخلت فى اتفاقيات مع الصندوق ولكنها لأسباب انتخابية لم تنفذ ما التزمت به وحاجتنا للاتفاق نابعة ليس من حاجة تونس إلى مبلغ القرض المطروح فهو ليس بالضخامة الكبيرة ولكنه شهادة تستطيع اتاحة الفرصة أمام الحكومة التونسية للتعاون مع الدول والمؤسسات الدولية المالية ودعنا نشير هنا الى أن الأمر يتعلق بتأجيل المفاوضات وليس رفضا للاتفاق.