رحيق السطور أعادة الاعتبار إلى صلاح الدين

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

يصفه مُترجم الكتاب بأنه مُؤلف «عابر للقرون» فهو جامع لسيرة صلاح الدين من المظان الإسلامية والصليبية المُعاصرة على حد سواء، ليصبح نصه نصًا مصدريًا موثقًا، يتصف بالموضوعية وهو ليس سردًا تاريخيًا محضًا، بل تحليل وتفنيد، ولذلك يعد كتاب «ستانلى لين بول» «صلاح الدين وسقوط مملكة المقدس» بصفحاته الستمائة أول كتاب سيرة إنجليزية عن صلاح الدين الأيوبى.. رغم ما فى سيرته من صدام سافر مع ملك إنجليزى هو «ريتشارد قلب الأسد».

إلا أن افتتان المؤلف بشخصية صلاح الدين قد طغت على أية نزعة أخرى.. حاول «لين بول» خلال كتابه الصادر عن الدار المصرية اللبنانية والبالغ حوالى سبعمائة صفحة، أن يمهد-ببراعة- فى بداية الكتاب حتى يلج صلب الموضوع بالحديث عن دولة السلاجقة فى شتى جوانبها وتأثيرها على المشرق الإسلامى.

وكيف خرجت من رحمها الولايات الأتابكية التى بدأت فى صد الصليبيين، وأفرزت الجيل الذى حرر بيت المقدس ثم المماليك الذين أكملوا مسيرة التحرير بعد ذلك.

ويسرد «لين» صورة صلاح الدين فى الأدب الغربي، فيبدأ برواية «ريتشارد قلب الأسد» الإنجليزية، ويدحض ترهاتها دحضًا لا مثيل له، ثم يتحدث عن «حكايات منشد ريمس» الفرنسية، فينسف فكرة علاقة الملكة «إليانور» بصلاح الدين من جذورها، هى وغيرها من الحوادث التى لا أساس لها فى التاريخ كتعميد صلاح الدين.

ويتحدث - باستطراد - عن تقليد صلاح الدين حزام الفروسية على يد الأمير «همفرى» صاحب تبنين أو الأمير «هيو» صاحب طبرية بحسب ما أوردته رواية «وسام الفروسية» الفرنسية.

ولكنه يرجح - إن كان قلد - أن الذى قلده هو الأمير «همفري». ويولى أهمية كبيرة بما ذكرته رواية «الطلسم» الإنجليزية الشهيرة عن صلاح الدين، ويدحض بالأدلة عدم لقاء صلاح الدين بريتشارد ألبتة. ثم يتحدث عن موضوعية مسرحية «ناتان الحكيم» الألمانية واقترابها من الواقع التاريخى كثيرًا.

وكما يذكر الأسرات الإسلامية الحاكمة: «لقد جاء الأتراك السلاجقة لإنقاذ دولة تحتضر،فأعادوا إحياءها، لقد اجتاحوا بلاد الفرس والجزيرة الفراتية والشام وآسيا الصغرى ، وقضوا على السلالات الحاكمة الموجودة هناك، ونتيجة لذلك قاموا مرة أخرى بإعادة توحيد «آسيا» الإسلامية من الحدود الغربية لأفغانستان إلى البحر المتوسط، تحت سلطة واحدة.

وبنوا حياة جديدة فى الحمية الإسلامية التى كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، ودفعوا البيزنطيين الذين تجاوزوا حدودهم إلى الوراء، وأنشأوا جيلًا من المقاتلين المسلمين المتحمسين، الذين كانوا السبب الرئيسى لفشل الصليبيين المتكرر وهذا ما منح السلاجقة مكانتهم العظيمة فى التاريخ الإسلامى.

ورؤية المؤلف الخاصة بالدور الذى قام به صلاح الدين كانت مقسمة إلى ثلاث مراحل، ورغم أنه لم يصرح بذلك فى العمل، إلا أنه قد ذكره بشكل مباشر فى تحليله لأحداث هذه الفترة فى كتابه «تاريخ مصر فى العصور الوسطى» الذى صدر بعد نحو خمس سنوات من هذا الكتاب عن نفس الدار، فيقول «لين بول» ملخصًا وجهة نظره: «لقد نذر نفسه منذ اليوم الأول الذى صار فيه حاكمًا لمصر للحرب المقدسة «الجهاد»، حرب القضاء على الفرنج.

ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا وجهت سياسته بأكملها إلى تلك الغاية العظيمة. لقد اتخذ أثناء الفترة الأولى أو الفترة المصرية  (564-569-ه/1169-1174م) موقفًا دفاعيًا، ليس فحسب ضد الصليبيين، بل أيضًا ضد أصدقائه من الفاطميين.

وحتى ضد حليفه وسيده ملك الشام «يقصد نور الدين محمود» وكانت سياسته فى هذه الفترة تسعى إلى مقاومة الهجمات الداخلية والخارجية وتجنب الصدام مع «نور الدين»، فضلًا عن تدعيم مركزه بالقاهرة بكل الوسائل المتاحة السياسية والعسكرية.

وعمل فى الفترة الثانية أو الفترة السورية «569-582ه/1174-1186م»، ابتداء بوفاة «نور الدين» القائد المسلم الحاكم للشرق الأدنى على توسيع دائرة نفوذه بالشام والعراق وتوحيد كل ما هو مُتاح من قوى الإسلام للصراع النهائى ضد الكفار.

أما الفترة الثالثة أو الفلسطينية «582-589ه/1186-1193م، فكانت برُمتها للجهاد ضد الصليبيين حيث انتهت بالسلام فى الرملة، وأعقبتها بعد أشهر قليلة وفاة بطل الإسلام، ثم أعقب على هذا بقوله: «لقد ظل بثبات على هدف واحد خلال الفترات الثلاث.

ووَجَّه بشكل تام أية حملة أو عمل سياسى إلى تلك الغاية الرئيسة، وهى تكوين إمبراطورية مُوحدة قوية بما يكفى لدفع الفرنج نحو الساحل، إن لم يكن إلى جوف البحر، يهدم ستانلى لين الأساطير التى اعتدنا عليها، فحركة الاستشراق كانت لديها تحيزات للغرب ووجهة نظره.

ولكنها حملت أيضًا دراسات تتسم بموضوعية فى الطرح.الكتاب ترجمه وحققه د.علاء مصرى النهر وراجعه وقدم له د.أيمن فؤاد سيد.

اقرأ ايضاً | الإخوان الإرهابيون والصعود إلى الهاوية

نقلا عن صحيفة الاخبار : 

2023-3-20