مسلسل «معاوية» وخرافات المتسلفة

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

سؤال طالما شغل بالي كثيرًا..؛
..هل استأصلت ثورات الربيع العربي الماضي الأصولي؟!، عندما قامت الثورة الفرنسية قبل 234 عامًا في العام 1789، لم يكتفِ الثوار بسقوط نظام الملك لويس السادس عشر فقط وإنما مع إزاحته استأصلت الماضي الطائفي كليًا، ورفع الثوار الفرنسيون صور الفلاسفة جان جاك روسو وفولتير ومونتيسكيو، لا صور آباء مطارنة باريس أو بابا روما مثلًا، على عكس الانتفاضات العربية التي ارتمت في أحضان جماعة إرهابية بل هم أصل الإرهاب من المحيط إلى الخليج ومنبع الفكر المتطرف وأصل الجماعات الإرهابية في العالم، والمتسلفة كهنة الظلام المنشغلين طول الوقت بجسد المرأة،وفتاوي «نتف حواجبها»؛ وزواج البنت الصغيرة التى لم تبلغ الحيض، رأينا عودة الإرهابيين راشد الغنوشي إلى مطار تونس واستقبلته الجماهير بالآلاف، ويوسف القرضاوي إلى عاصمة العرب مصر وصعوده منبر الأزهر لإلقاء صلاة الجمعة، ودع قدماك تقودك لزيارة واحدة مثلاً إلى شارع النبي دانيال - أحد أنبياء العهد القديم، ومن أهم وأشهر شوارع الإسكندرية، يمتد من محطة الرمل حتى محطة مصر، قف قليلاً هناك ولا تتأسى كثيرًا على غياب بائعي الكتب القديمة والنادرة، وحضور بائعي السواك والبخور والمشابك والطُّرح، أصحاب ملف بيع الخرافة وتجارة الوهم تحت اسم الطب البديل، ولنا في كشري الطب البديل مثال صارخ؛ والحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن عقولنا لحظة واحدة هي؛ أن هؤلاء الدجالين وأدعياء المعرفة سوف يظلون يبيعون بضاعتهم الرخيصة لضعاف النفوس والإيمان ايضًا، والأخطر فيمن يدافعون عن جهلهم باستماتة.

فـ هؤلاء الغاشية، لا فرق بينهم وبين إرهابي يرتدي حزامًا ناسفًا كي يفجره في أجساد أبرياء، هم أيضًا يرتدون حزامًا ناسفًا ولكن من الكلمات بزعم أنه الطب النبوي يفجرونه في وجوه من يصدقهم حتى صاروا مدمنين لخرافاتهم؛ فمن المضحكات المبكيات أن سئل أحد المتسلفة الذين يريدوننا حبيسي المقدس؛ كيف نحمي أنفسنا من الزلزال؟!، فأجاب صاحب الذقن الطويلة والجلباب القصير والزبيب الكبيرة بفعل العطارين قائلًا: «اقرأ الفاتحة 7 مرات، وآية الكرسي 7 مرات، والإخلاص 7 مرات، والمعوذتين 7 مرات، ثم تنفث بين كفيك وتمسح ما تيسر من جسدك ثم تنفث على كوب ماء وتشرب منه، وممكن أن تزيد أو تنقص في العدد حسب قدرتك وحالتك»، طبعًا من سأل صاحب الماضي الأصولي هذا السؤال هو يبتغي بخرافة هذا الدجال اجرًا ليدخل به الجنة.
كما هالني هذا الكم الهائل من الجدل والهجوم غير المبرر الذي أثير خلال الساعات الماضية وذلك بسبب مسلسل الخليفة الأموي «معاوية بن أبي سفيان»، لما يحمله العمل والشخصية من قضايا جدلية، والجدل الدائر منذ حينها وحتى الآن حول الفتنة والصراع بين شخصية علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وحسنًا فعلت شبكة «mbc» حين ردت على هذا الجدل الدائر ببيان حاسم وقاطع حين قالت: «عطفًا على الخطابات المفبركة التي يتم تداولها في بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على أنها صادرة عن إحدى أو بعض قنوات أو منصات أو منابر مجموعة mbc بخصوص مسلسل «معاوية»، يهم مجموعة mbc أن توضح أن تلك الخطابات التي تحمل شعارات mbc هي خطابات مزورة لا أساس لها، وتنتحل صفة المجموعة، لذا فإن كل من يتناقلها أو يروّج لها عن قصد أو عن غير قصد سيضع نفسه تحت طائلة المساءلة القانونية أصولًا».
ولفتت إلى أن المسلسل من أغلى المسلسلات في العالم العربي انتاجيًا، إذ بلغت تكلفته نحو 100 مليون دولار، وقد خضع فريق العمل لتدريبات شاقة لإخراج المسلسل بصورة متقنة.
ويتناول المسلسل الذي تولى إخراجه طارق العريان، في إطار درامي تاريخي مهم، أحداث الفتنة الكبرى، وهي فترة ما بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، مرورًا بتولي علي بن أبي طالب الحكم، ثم مقتل الأخير، وتولي نجله الحسين الخلافة، والتداعيات التي جرت بعد ذلك.
فمن لا يقرأون التاريخ أقول؛ أن أول الفتن حدوثًا أتت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عندما ارتد كثير من الأعراب عن الإسلام، ومنع طوائف منهم للزكاة، زاعمين أن ذلك قد انتهى بموت النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو الخليفة الأول بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان حازمًا معهم، كما تحكي كتب التاريخ أيضًا – وليتهم يقرأون – «أنه بعد وفاة النبي محمد صلي الله عليه وسلم اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعده – وهو أشبه بديوان أو مجلس كان يجتمع فيها الأنصار وغيرهم في المدينة - لاختيار خليفة له، ولكن الخلاف دب بينهم، ليكون أساس بزوغ الأصوليات الدينية في التاريخ العربي الإسلامي؛ فمنهم من كان يرى أن الأحق بالخلافة هو الصحابي الجليل أبو بكر الصديق باعتباره أول من آمن بالنبي محمد، وكان صاحبه في الغار، ومنهم من كان يرى أن الأجدر بها هو سيدنا علي بن أبي طالب ابن عم الرسول صل الله عليه وسلم، ولكن الغلبة كانت لأنصار أبي بكر، ودعا الصحابة من المهاجرين والأنصار لبيعة أبي بكر، وحكت كتب التاريخ أيضًا أن عليًا ابن أبي طالب لزم بيته ولم يحضر إلى السقيفة، فذهب إليه الفاروق عمر ثاني الخلفاء الراشدين مع مجموعة من الصحابة، ولكن فاطمة الزهراء، زوجة علي، رفضت فتح الباب لهم فكسروا الباب وكسروا أحد أضلاعها، وكانت حاملًا ففقدت جنينها».
فمازال مطلوب من الأزهر رمز الوسطية في العالم الإسلامي وهي جامعة عريقة بحكم تخصصها الشرعي الأصيل ووسطية منهجها، الكثير لمواجهة الأفكار المتطرفة المنحرفة التي تروج لها المتسلفة في الشرق المسلم.