هل الراحة فى اعتزال الناس؟

أحمد الإمام
أحمد الإمام

»يأتي على النَّاسِ زمانٌ تكون العافية فيه على عشرةِ أجزاء، تسعةٌ منها في اعتزال الناس ، والعاشرة في الصمت» .. كلمات خالدة قالها «الامام علي بن أبي طالب» في زمن غير الزمن.
قالها في زمن لم تصل فيه الأخلاق إلى هذا المستوى المتدني.
قالها في زمن لم يعرف وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الفضائح والخوض في أعراض الناس والتشكيك في الذمم المالية.
قالها «الامام علي رضي الله عنه» في زمن قريب من عصر النبوة كان الناس فيه على فطرتهم السوية متأثرين بأخلاق «النبي صلوات الله وسلامه عليه» ومتبعين لتعاليمه ونصائحه.

ومع ذلك رأى «الإمام علي» أن الراحة والسعادة تكمن في الابتعاد عن الناس ، فما هو الوضع بعد مرور أكثر من 1500 سنة شهدت النفس البشرية خلالها تغيرًا جذريًا ، وأظهرت السنوات الأخيرة أسوأ ما فينا من خصال مذمومة مثل الحقد والحسد والغل غير المبرر.
لم يعد هناك من يرضى بحاله .. لم يعد هناك من يقنع برزقه .. كل انسان يطمع في رزق غيره ومنصب غيره ونجاح غيره.
من يملك المال يطمع في البنون ، ومن لديه البنون يحلم بالثراء ، ومن لديه الاثنين يطمع في السلطة والنفوذ.
هناك من يشتهي زوجة جاره وهناك من يكيد لزميله في العمل وهناك من يتلذذ بآلام الآخرين وهناك من يفرح في مصائب الناس وهناك من يستمتع بتتبع عورات الناس والتسلية بفضائحهم.
طعنات غادرة لاتأتي إلا من أقرب المقربين ودسائس ومؤامرات لا يدبرها سوى الأحباب أو من تظنهم أحباب.
في هذا الزمن الرديء بكل ماتحمله الكلمة من معان هل تكمن الراحة والسعادة فعلا في مقولة الامام علي باعتزال الناس؟
اعتقد أن الاجابة النموذجية هي نعم .. بالفم المليان نعم وألف نعم.
من ابتعد عن شئون الناس وحياتهم الخاصة أراح واستراح.
من انشغل بتدبير أموره وتفاصيل حياته الأسرية والمهنية فاز وربح.
من تجنب الخوض في كل ما لايعنيه ظفر براحة عقله وقلبه.
كلماتي هذه لا تعني الوحدة ومقاطعة الناس فهناك فارق كبير بين الاعتزال والانعزال.
كلماتي ببساطة تعني أن تكون لطيفا في علاقاتك بمن حولك ، لا تسمح لنفسك بدس أنفك في شئونهم الخاصة ولا تتطفل عليهم ولا تسأل عما لايعنيك ، من أراد أن يحكي لك اسمعه باهتمام وامنحه النصيحة إن طلبها.
وفي نفس الوقت حافظ على خصوصياتك ولا تسمح لأحد بتجاوز حدوده معك وأبقيه دائما على الباب الخارجي لحياتك.
فهناك دائما مساحة شخصية لكل انسان ينبغي ان يحتفظ بها لنفسه حتى يستطيع أن يتنفس بحرية ويستنشق هواءا نقيا خاليا من رياح الحسد وعواصف الحقد وأمطار الفضول والتطفل.
الخلاصة في كل ماسبق .. دعونا نلهو معا ونلعب ونمرح في الفناء الخارجي دون أن ننقل اللعب الى داخل المنزل حتى يظل أنيقا وهادئا ونظيفا.