محمد البهنساوي يكتب: «الوثائقية».. ماض وحاضر ومستقبل

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

التوثيق جزء مهم فى ذاكرة الأمم ، يحمي ماضيها من التزييف ، ويحصن حاضرها من التشويه ، ويحفظ مستقبلها من التضليل، وأجدادنا الفراعنة ابتدعوه وبرعوا فى تنفيذه من خلال كتابة وتسجيل كل شئونهم الحياتية والسياسية والإجتماعية على جدران المعابد وحواف المقابر ، وهذا هو سر خلود حضارتهم ونقلها لأحفادهم وللأمم المختلفة عبر آلاف السنين. 

ومساء أول أمس ، كانت الساحة الإعلامية المصرية والعربية على موعد مع حدث مهم بانطلاق قناة الوثائقية ، وهى ليست مجرد قناة إنما نقلة إعلامية محسوبة ومدروسة فى التوقيت المناسب بمبادرة من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ، ارتكزت لعدة جوانب بانت من ضربة البداية للقناة، سواء إختيار المحتوى والإمكانيات الفنية والفكرية ، بجانب اختيار القائمين عليها وفى مقدمتهم الإعلامي أحمد الدريني رئيس قطاع الإنتاج الوثائقى بالشركة المتحدة ، والإعلامى شريف سعيد رئيس القناة الوثائقية وما نعلمه عن إبداعهما فى الأعمال الوثائقية ، بقى أن يمتعان المتابعين للقناة بسيل من الأفلام الوثائقية المختلفة تشبع نهم الجميع ، ونثق فيما هو معروف عنهما من تميز وكفاءة بجانب الوطنية والحس السياسي. 

ولعل أهم ما ننتظره من القناة الجديدة إبداعا فى توثيق الأحداث بشكلٍ عام ، والسياسية منها خاصة للحفاظ كما قلنا على أجيالنا المقبلة من التزييف والتغييب وتحقيق التراكم المعرفى المتواصل لديهم بحرفية ومهنية تسهم فى زيادة التحصيل الثقافى والمعرفى ، كما تسهم فى تعميق الانتماء مع ربط المتابعين بكل التطورات العالمية ومواجهة زيف الشائعات بقوة الحقائق.  

ويجب أن يكون معلوما أن التوثيق الذى نتوقعه من القناة الجديدة سيأخذ وقته خاصة فيما يحتاج منه لعمق وحقائق موثقة ، لذا نتوقع أن تستغرق وقتا حتى تؤتى تلك الخطوة ثمارها وأؤكلها ، فهى نوع مختلف من الإعلام أشبه بأمهات الكتب عبر التاريخ التى يتم الرجوع إليها فى أى وقت ، لذا فمن الضرورى أن تعتمد على المعلومات الحية والأفكار والشهادات الموثقة من أصحابها ، بجانب توافر الجانب التحليلى المتعمق أحيانا خاصة فى الأحداث الكبرى بمصر والشرق الأوسط وعمقنا الإفريقي. 

وهنا يجب أن ننوه وبقوة إلى ضرورة ألا تقف أفلامها الوثائقية عند الأحداث الكبرى ، إنما ننتظر دورها فى الحفاظ على الهوية المصرية بتوثيق حى لتراثها الفنى والثقافى والفلكلور والمناسبات الشعبية.  

ونقول من جديد ان القناة الوثائقية خطوة مهمة سواء لكل الأسباب السابقة وغيرها الكثير ، أو دورها المنتظر فى سد الفراغ التوثيقى فى الإعلام المصري والذى كانت هناك ومنذ سنوات محاولات خارجية لملئه ، وبالطبع كثير منها كان مغرضا متربصا وسعى حثيثا لتشويه ماضى مصر القريب والبعيد وإحداث بلبلة فى فكر أبنائها وتشكيكهم فى ثوابت وطنية وشعبية عديدة ، وبالطبع وحتى تحقق القناة هذا الهدف فهى بحاجة ماسة الى توافر كافة الإمكانيات المادية الضرورية والكوادر المهنية المتميزة للغاية بكافة التخصصات من كتاب ومحللين ومصورين ومونتاج وإنتاج أيضا ، والسعى للتصوير فى قلب الحدث أو الفكرة .

مبروك للإعلام المصرى تلك الخطوة المهمة ، والشكر للشركة المتحدة على هذه الخدمة المتميزة وتوفير كل عوامل النجاح ، والان ننتظر الحصاد.