ذكريات

رحلة

حاتم جلال دويدار
حاتم جلال دويدار

تعلمت الكثير من أبى، رحمة الله عليه. الإخلاص فى العمل، نصرة المظلوم، التواضع واحترام الكل، وايضا عشق السفر. كان رحمة الله عليه يحرص على أن يصطحبنا معه أنا ووالدتى وأختى فى العطلة الصيفية لنسافر معًا فى ربوع مصر وأيضًا لدول العالم المختلفة. وزرنا معًا اكثر من عشرين دولة فى طفولتى وشبابى، حتى بدأت حياتى العملية، ولكن ظل معى حب السفر وزرت حتى الآن أكثر من ٨٠ دولة فيما تجاوز ٣٠ عامًا منذ التخرج. ذلك بالإضافة إلى العمل والمعيشة فى أربع دول بخلاف الوطن مصر. 

والوالد الراحل بالاضافة الى عموده اليومى «خواطر» ، كان يستمتع بكتابة مقاله الأسبوعى «رحلة» كل يوم خميس والذى كان يسرد فيه انطباعاته عن رحلاته وعن صناعة السياحة التى طالما أطلق عليها صناعة الأمل . وأحببت أن يكون جانب من إحياء ذكراه السنوية الأولى يوم ١٨ فبراير أن أكتب مقالا عن آخر رحلة سياحية قمت بها.

رحلة إلى روندا

كعادتى مع أبى رحمه الله، اعتدت أن يكون لى مع زوجتى وبناتى الثلاث رحلة سنوية نكتشف فيها دولة جديدة. وقررنا أن تكون رحلة هذا العام فى قارتنا الافريقية واخترنا رواندا. 

رواندا هى إحدى دول وسط أفريقيا وهى من الدول القليلة فى القارة التى لا تطل على بحار أو محيطات ولكن بها أكثر من نهر تعتبر من روافد نيلنا العظيم، وكذلك الكثير من الجبال الشاهقة والتلال. ولحسن الحظ تطير مصر للطيران عدة مرات أسبوعيًا إلى كيجالى عاصمة الدولة. ومن الجدير بالذكر أن رواندا تمنح رعايا الدول الأعضاء فى الاتحاد الافريقى تأشيرة دخول مجانية عند الوصول. 

كانت معرفتى برواندا تدور حول الإبادة الجماعية فى عام ٩٤ والتى خلفت أكثر من مليون قتيل وملايين النازحين. ثم سمعت فى السنوات الماضية أن رواندا أصبحت سويسرا الافريقية، وبصراحة اعتقدت أنها مبالغة. بما انى أسافر كثيرًا فى إفريقيا، ونادرًا ما رأيت الأشياء كما هى موصوفة، ولكننى كنت مخطئًا.

 بعد جولة حول العاصمة كيجالي، توجهنا إلى النصب التذكارى للإبادة الجماعية للحصول على فهم أفضل لما حدث بالفعل وأين أصبحوا الآن.

 البلد آمن للغاية (معدلات جريمة منخفضة)، ولا توجد نفايات فى أى مكان، والطعام رائع وعالى الجودة فى كل المطاعم التى زرناها (ناهيك عن الفواكه اللذيذة)، ومناظر خلابة للجبال والتلال الخضراء، ولا يوجد إلا القليل من البعوض بسبب الارتفاع عن سطح البحر، والخدمة الممتازة فى الفنادق، والأهم من ذلك، أن أهل البلد يقابلون الزوار بالمودة والترحاب..

زرنا العديد من المتاحف والقرى التقليدية لمعرفة تاريخ وتقاليد الدولة والتى كانت مملكة مستقلة حتى استعمرها الأوروبيون فى القرن التاسع عشر واستقلت كجمهورية فى ١٩٦٢. 

ذهبنا أيضًا لزيارة مزارع الشاى مع عائلتى وانضمت بناتى إلى جامعى أوراق الشاى الخضراء. زرنا أيضًا مصنعًا للشاى ومن الجدير بالذكر أن مصر من أكبر مستوردى الشاى الرواندي.

ومن اللافت للنظر رغم أنها دولة زراعية لا يتم استعمال الحيوانات مثل الحمير والبغال فى الزراعة أو النقل مثل مصر، بل يتم استخدام الدراجات العادية والبخارية. 

 ورواندا واحدة من ثلاث دول فقط فى العالم يمكنك فيها زيارة القرود الكبيرة مثل الغوريلا والشمبانزى فى موطنها الطبيعي. .. وعدنا إلى الوطن بذكريات جميلة وحصيلة صور توثق رحلة أكثر من ساحرة.

الوالد الراحل ذكراه دائمًا فى خاطرى وأرجوان أكون قد شاركت تجربتى مع القراء من خلال هذا المقال كما شارك الوالد خواطره ورأيه مع قرائه خلال عمله الصحفى لأكثر من ٦٥ عامًا.