إعلامنا ما له و ما عليه l شاشات الأندية .. ساحة حرب

قنوات الأندية
قنوات الأندية

محمد كمال

لم نعد نتذكر عدد المرات التي ناقشنا فيها هذا الملف الشائك، الذي يحمل دائمًا الكثير من المفاجآت، وأسالييب متنوعة في التعبير الآراء، هو ملف الإعلام الرياضي، فالأمر لم يعد يتوقف على مستوى مهني متراجع في أداء مذيعين أو وجود أفكار للبرامج أو في الضيوف، لكن الأمر تطور إلى الأسوأ، ليصبح صراع ونزاع بين ناديين من خلال قناتيهما، وتخصيص ساعات على الهواء ليس لتناول الفرق الرياضية التابعة للنادى بقدر تناول سياسات النادي المنافس وإخفاقاته والتهكم عليها.

في البداية يقول الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: في هذا الأمر تحديدا أتمنى تطبيق مبدأ “قلة الكلام أحسن” لأن الوضع أصبح متدني ومزري جدًا في إطار التجاوزات المستمرة والتداعيات المعيبة التي أصبحت تحدث بشكل شبه يومي، وكانت السبب الرئيسي في الانعكاس الذي حدث على الإعلام الرياضي الذي أصبح أكثر تطرفًا وشططًاً وعدم موضوعية، لأنه أصبح هناك من يتعامل مع الأمور بشكل شخصي، ويبدأ بتوجيه هجوم شديد تجاه أي شخص يتحدث عن ناديه إلى أن يصل الأمر إلى التطاول، وهو بالتالي يقابل بنفس التطاول من الآخرين، حتى أصبحت الممارسات العادية في الإعلام الرياضي أن الكل يتطاول.


وبسؤاله أن معنى ذلك أن قنوات الأندية تعد سبب رئيسي في تلك الأزمة، يقول: لا الأزمة تكمن في رئيس مجلس إدارة احدى القنوات، وذلك لسببين الأول هو أن قناة النادي المنافس في معظم المواقف تكون رد فعل، والسبب الثاني والأهم هو أنه إذا تطرقت تلك القناة للمنافس قد تحمل هذه الرؤى انتقاد أو سخرية عادية في إطار المسموح به لكن لا يحدث تطاول، لهذا أتمنى أن يتم مراقبة الأمر والسيطرة عليه لأنه السبب الرئيسي لما وصل الحال إليه.


وعن الحلول من وجهة نظره، يضيف: لقد انتقدت تلك الممارسات عشرات المرات، ويجب تشكيل لجان رصد ومراقبة والسيطرة على هذه الممارسات التي لا تمت للرياضة بصلة، الأمر يحتاج إلى تدخل سريع وردع ومخاطبة شديدة اللهجة وعدم الاستمرار في تجاهل الأمر كأنه غير موجود .

وبدأ الدكتور سامي عبد العزيز، عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة السابق، حديثه بجملة “حاطط إيدك على الوجيعة” ويضيف: الإعلام الرياضي في مصر أصبح بقعة غير جيدة وذلك لخمسة أسباب أساسية، أولها هو “الإفتاء” وليس التحليل الرياضي، والثاني أصبح تصعيد للتعصب وليس للانتماء، والثالث أصبح نغمة الصوت العالي النشاز، أما الرابع هو طبيعة القضايا التي تطرح على القنوات الرياضية، وهي بعيدة تمامًا عن الرؤية الوطنية للمصلحة العليا للدولة المصرية، ويتلخص السبب الخامس في طرح هذا السؤال أين نحن من صناعة الرياضة ؟ .. منذ أعوام والرياضة تحولت إلى صناعة ولم تعد مجرد نشاط ترفيهي، فما الذي تقدمه برامج وقنوات الإعلام الرياضي المنتشرة سواء على شاشات التليفزيون أو في محطات الراديو لهذه الصناعة؟، هل لدينا برامج تتهم بكيفية تربية المحترفين ؟ .. الدولة تتبنى مشروع “الكابيتانو” لكن أين مساندة ودعم المؤسسات والقنوات الرياضية؟، مع الأسف القنوات التي من المفترض أن تكون منوطة ومتخصصة بهذا الأمر نجد أن اهتمامها ينصب في جهات أخرى بعيدة تمامًا عن الثقافة الرياضية وكيفية صناعة الرياضة.

ويضيف عبد العزيز: لدي تجربة شخصية وهي أن ابني بعد تخرجه من الجامعة أصبح لديه اهتمام وعشق للتدريب، لهذا فقد اتجه للدراسات الأكاديمية والحرة في التدريب، واكتشف أن معظم المواد التي تهتم الدول الأخرى بدراستها في التدريب الرياضي تتعلق أولًا بنقطتين، الأولى فن الإدارة، والثانية هى التحليل النفسي، ويتم التركيز عليهما قبل التطرق إلى أية فنيات في مهنة التدريب، ومع الأسف جهل القنوات الرياضية بهذه الأمور جعلها تدخل في نفق مظلم لأنهم أصبحوا مشتتين في أمور أخرى لا ترتبط بالرياضة من الأساس، في النهاية الأمر برمته يحتاج إلى إعادة نظر والتركيز على كيفية صناعة الرياضة وبناء الشخصية الرياضية قبل التحدث عن أية أمور فنية.
وعن القنوات الخاصة بالأندية، يقول: بالطبع ساهمت تلك القنوات في زيادة مساحة التعصب لأنها تهتم فقط بالتحدث عن المنافس والتطرق لأزماته ولم يقتربوا من التثقيف الرياضي، من حق كل قناة أن تنتمي لناديها لكن دون التطرق للمنافس لأن كرة القدم تحمل وضع خاص لدى المصريين، والأندية لديها قاعدة جماهيرية كبيرة، بالتالي القنوات المنتمية لهذه الأندية لها شعبية ومتابعات كبيرة وتحقق نسب مشاهدات عالية، لهذا يجب أن يكون مقدمو البرامج بهذه القنوات أكثر حرصًا في التناول الإعلامي، ويعملوا على نشر الوعي والثقافة الرياضية وليس زيادة التعصب.

يؤكد الدكتور حسن مكاوي، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الأسبق، أن وجود قنوات رياضية متنوعة شئ جيد، خاصة أن المواد المتعلقة بالرياضة بشكل عام وبكرة القدم بشكل خاص تمثل عنصر جذب مهم للجماهير، ويقول: الهدف الأسمى من دور الإعلام الرياضي هو حث المواطنين على حب وممارسة الرياضة، بهدف تحسين الحالة النفسية والذهنية مما يمثل مؤشر إيجابي فيما يتعلق بزيادة الإنتاج والرقي بالمجتمع ودفعه للأمام، لكن وهنا يجب أن يتم التركيز على أن تقدم جميع البرامج الرياضية موادها في إطار المنافسة الشريفة، لكن ما يحدث عندنا هو العكس، فهناك عددًا من البرامج الرياضية وخاصة المتعلقة بكرة القدم تزيد من الاحتقان والتعصب، لأن الساعات المخصصة لهذه البرامج تكون مسخرة لخدمة نادي أو شخص.

ويضيف: مع الأسف الأمور لا تسير نحو التحول المنشود لأن الرياضة التي هي في الأساس تعتمد على المكسب والخسارة أصبحت مزيج بين التعصب والكراهية من نادي ضد آخر والعكس، لهذا أصبح هناك خلل وظيفي في الأداء الإعلامي وهذا راجع إلى الفلسفة التي تنتجها تلك القنوات.

وعن فكرة أن قنوات الأندية هي السبب في زيادة حالة الاحتقان، يضيف: قناة الأهلي تؤدي وظيفتها بشكل يقترب من المهنية حتى لو وجدت بعض الانحرافات لكنها مقبولة، عكس قنوات أخرى، وهذا الأمر قد نجده في قنوات الأندية الأجنبية، لكن الأوضاع لديهم أفضل بكثير، فنحن نعاني من غياب التوازن الذي كانت تقوم به في السابق قناة النيل الرياضة التي لديها السبق والريادة في الإعلام الرياضي وكانت أقرب للموضوعية في تناول برامجها والاستديوهات التحليلية الخاصة بها.

وعن سبب اختلاف الوضع حاليًا برغم وجود قناة بديلة من المفترض أن تقوم بهذا الدور، يقول: هذا صحيح وتلك القناة تحصل على الحقوق الحصرية لإذاعة جميع المباريات، لكن المشكلة تكمن في مسألة اختيار القائمين على هذه القنوات لأن معظمهم قد يبدو من لاعبي الكرة السابقين لكنهم غير متخصصين أو دارسي للإعلام، ومن المفترض أن تلك القنوات التي تعرض برامج تندرج تحت مهنة الإعلام، فعمل الإعلامي ليس فقط أن يكون مميزًا في الجوانب الفنية الخاصة بكرة القدم، لكن الأمر يتعلق أيضًا بالدراسة الخاصة بمواجهة الكاميرا والجمهور وطرق طرح الأسئلة، فهي كلها مقومات يجب أن تتوافر أولا في من يتولى عملية الإدارة لتلك القنوات، وثانيًا في الواجهة الإعلامية أمام الكاميرات.

بينما يقول الناقد الرياضي جمال الزهيري: المحتوى بشكل عام سئ إلا ما ندر، وهنا يمكن تقسيم الأمر لشقين، الأول خاص باستديوهات تحليل المباريات، وهي في حقيقة الأمر معظمها بعيد تمامًا عن التحليل الفني الدقيق، وفي الغالب تكون الرؤية متماشية مع نتيجة المباراة وليس على مستوى سير المبارة، لأن أحيانًا فرق تقدم مباريات جيدة لكنها لا تحقق الانتصار، لهذا نجد أن ضيوف التحليل يتحدثون عن الفائز فقط، وثانيًا معظم تلك الاستديوهات يسيطر عليها التوجه والانتماء ومساندة الفريق الذي ينتمي له الضيف على حساب الرؤية الفنية، وما يزيد الأمر ارتباكًا أن القنوات تستعين بمحللين ينتمون للفريق، على سبيل المثال إذا كانت المبارة للأهلي نجد أن المحللين لاعبين سابقين في الأهلي، وفي مباريات الزمالك نفس الشئ، لهذا نجد جوانب من التعاطف مع الانتماء.

الشق الثاني يتعلق بالبرامج الرياضية نفسها ومع الأسف هي التي تحمل الأزمة الاكبر لأن معظم تلك البرامج تقوم بالتركيز فقط على المشكلات والأزمات بمعنى أدق “الخناقات” والتي أحيانا تكون مصطنعة ومع الأسف تستحوذ هذه الأمور على مساحات كبيرة من الحلقات، وهذا يأتي على حساب التغطية الإعلامية الموضوعية.
وعن القنوات الخاصة بالأندية يضيف: أي نادي لديه الحق في أن يكون له وسائل إعلامية مختلفة ومن المفترض أن هذه القنوات الإعلامية تعلن انتمائها، فهذا انحياز طبيعي لأنها في النهاية قناة تحمل اسم النادي، لكن الأزمة تكمن في زيادة المساحات على الشاشات للأصوات المتطرفة، وهناك فرق بين التطرف والتعصب، أما النقطة الثانية أراها عادية، فمن الطبيعي أن تتعصب لفريقك، لكن التطرف هو الأزمة الذي يكاد يشبه فكرة “الرغبة في موت المنافس” لهذا تحول الأمر إلى ساحة حرب.

وعن رأيه في أن قنوات الأندية قد زادت من تراجع الإعلام الرياضي، يضيف: هذا من ضمن الأسباب، فكل المشكلة من السهل تداركها بأن كل قناة تتحدث عن نفسها وعن فريقها فقط دون التطرق للمنافس، فكما قلت أن المفاهيم عند البعض مغلوطة، فالبعض يعتقد انه إذا تحدث عن المنافس فهو بذلك مخلص لفريقه.

وعن وجود نفس تجربة القنوات الخاصة بالأندية في دول أخرى، يقول: بالتأكيد تتواجد هذه القنوات على مستوى العالم وتدار بشكل تنافسي مع الآخرين، لكنها لا تأخذ نفس المنحنيات التي تحدث لدينا، لأن الذي يخلق هذا الحالة قناة تقوم بالتعدي على أمور خاصة لدى النادي المنافس، بالتالي يجب أن يكون لدى قناة المنافس الرد الأقوى، لهذا يتحول الأمر لاشتباكات بين الطرفين على طريقة “جر الشكل”.
ويضيف: من المفترص أن الإعلام بشكل عام والإعلام الرياضي بشكل خاص يجب أن يكون لديه همُ واحد فقط وهو تلبية احتياجات الجماهير من خلال دور تنافسي توعوي دون السقوط في أداء السوشيال ميديا التي أصبحت

تسيطر على مهنة الإعلام بشكل كبير فمن المفترض أن الإعلام هو الذي يمسك بزمام الأمور من خلال وجود معايير واضحة للبرامج وللموضوعات التي تتم طرحها ومناقشتها.
ويختتم الزهيري حديثه: يجب أن يكون هناك رقابة على المحتوى المقدم لأن الأمر أصبح ينذر بكارثة، فالمباريات تقام حاليًا وسط حضور جماهيري بسيط، لكن في حالة زيادة الأعداد في المستقبل وفي ظل حالة الاحتقان تلك الأمر ينذر بأزمة تلوح في الأفق إذا لم يتم السيطرة على أداء القنوات الخاصة بالإعلام الرياضي.

أقرأ أيضأ : «الأعلى للإعلام»: لجنة دائمة لمتابعة الإعلام الرياضي وبحث المخالفات والتجاوزات