كنوز| جمعية «بديع خيري» السرية وحكاية مسدسات الكفتة!

بديع خيرى مع صاروخ الكوميديا مارى منيب
بديع خيرى مع صاروخ الكوميديا مارى منيب

57 عاما مرت على غياب المبدع الكبير بديع خيري منذ أن غادر الدنيا بعد معاناة مع المرض في الأول من فبراير 1966، عن عمر يناهز 73 عاما كان خلالها ملء السمع والبصر بعد ارتباط برفقاء دربه ورحلة مشواره نجيب الريحانى وسيد درويش وعلى الكسار، وكان أكثرهم تأثيرا فى حياته عبقرى الكوميديا نجيب الريحانى

ولد بديع خيرى فى 7 أغسطس 1893 فى بيت بسيط فى شارع المغربلين بحى الدرب الأحمر، ودون الدخول فى تفاصيل كثيرة لا يكفيها الورق عن البدايات ومراحل صعود نجوميته، نترك بديع خيرى ليحدثنا فى مذكراته عن رفقاء الدرب الذين وصفهم قائلا: «كان سيد درويش الصريح من فرسان زمانى، أضف إليه داود حسنى الكتوم، ونجيب الريحانى الفنان الهاوى، والإخوة عكاش المتضاربين، ومدمن الفن العبقرى عزيز عيد، وعلى الكسّار الساذج الذكى، وطيبة القلب الكريمة منيرة المهدية، وصاحب الإخاء الصادق والقلب المفتوح زكريا أحمد، والعنيدة بديعة مصابنى، والمعتز بفنه وكبريائه المخرج كمال سليم، وغيرهم من الفرسان والفارسات الذين أشعل فنهم ومضات نور».

تأخذنا مذكرات بديع خيرى فى رحلة سردية ممتعة تمتد لنصف قرن من الحياة فى مصر التى عايشها ونقلها إلينا فى أزجاله وأشعاره ومسرحياته وأفلامه منذ بدايات القرن العشرين معبرا بأسلوب بسيط عن قضايا مجتمعه يصل لأولاد البلد والأفندية معا، وبالذات ما تناوله مع سيد درويش ونجيب الريحانى فيما يتعلق بقضايا الاستقلال والفَرْنَجة، والوحدة الوطنية بين عنصرى الأمة، وقضايا التعليم والتحديث منذ أن تفتح وعيه وحتى انضم فى شبابه المبكر لجمعية سرية تطبع المنشورات الثورية فى مكان لا يتوقعه البوليس بعزبة الأمير إسماعيل داود قرب المحلة الكبرى وتوزع سرا فى القاهرة. 

يوضح ذلك فى مذكراته بقوله «كنا مسلحين، وكان مركز توزيع الأسلحة الخاص بنا عبارة عن عربة كفتجى سريح يتمركز فى ميدان باب الحديد، كان يدس لنا المسدس فى سندوتش الكفتة، ولم نكن نخشى الأحكام العرفية التى تجرم حيازة السلاح بدون رخصة بالإعدام، وكنت أتمرن على إطلاق النار علانية فوق سطح البيت الذى أسكنه بشارع جامع خورشيد حتى جاء يوم اقترب فيه رأسى من حبل المشنقة، إذ كان يسكن فى نفس الشارع موظف انجليزى كبير فى ورش عنابر السكة الحديد يسكن فى بنسيون صاحبته إيطالية وكان يسير يوما أمام باب بيتى بالضبط وأصيب بطلق نارى أسقطه على حائط البيت، وتوقعت الاعتقال والتفتيش، فربطت المسدس بسلك طويل وصعدت إلى السطح وأسقطته فى ماسورة المجارى، وحدث ما توقعت وتم التفتيش ولم يعثر البوليس على شيء، صعدت إلى السطح بعد أن انصرفوا لاسترد المسدس فلم أجده، ضاع فى المجارى، وذهبت لعم عفيفى الكفتجى لأحصل على سندوتش محشو بمسدس ماركة بروننج جديد».   

لمن يريد أن يعرف تفاصيل اللقاء الأول بين بديع خيرى وسيد درويش وبقية فرسان عصره فعليه العودة إلى مذكراته  التى دونها محمد رفعت المحامى بعد جلسات مطولة بينهما، فالمذكرات تنقل إلينا الأزجال الوطنية التى كان ينشرها بديع فى مجلة «السيف والمسامير»..

ويلحنها سيد درويش فتجرى على ألسنة الناس كما النار فى الهشيم ومنها «إن كنت صحيح بدك تخدم مصر أم الدنيا وتتقدم..

لا تقول نصرانى ولا مسلم الدين لله يا شيخ اتعلم.. اللى أوطانهم تجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم»، ورحل سيد درويش فى 10 سبتمبر 1923، ورحل بعده الريحانى فى 8 يونيو 1949، تأثر بديع خيرى برحيلهما، وجاءت وفاة ابنه عادل خيرى لتمثل الضربة الأشد فى 12 مارس 1963، فتكالب عليه المرض حتى رحيله فى فبراير 1966.

من مذكرات «بديع خيري»

اقرأ أيضاً| لغز وفاة «الريحاني» وضياع كنوزه بسبب صراع الورثة!