لغز وفاة «الريحاني» وضياع كنوزه بسبب صراع الورثة!

نجيب الريحانى وبديعة مصابنى تجهش بالبكاء وهى تشارك فى حمل نعش الريحانى
نجيب الريحانى وبديعة مصابنى تجهش بالبكاء وهى تشارك فى حمل نعش الريحانى

فى الحادية عشرة صباح الأربعاء 8 يونيو 1949، أسلم عبقرى الكوميديا نجيب الريحانى الروح بالغرفة رقم 48 بالمستشفى اليونانى بالعباسية، وفى الرابعة والنصف من الخميس 9 يونيو أقيم قداس الصلاة على جثمانه بكنيسة السريان الكاثوليك بشارع الظاهر.

سارت الجنازة التى تُعد ثانى أضخم جنازة بعد جنازة الزعيم سعد زغلول فى هذا الوقت، محتشدة بمئات الآلاف من سكان القاهرة والمحافظات المجاورة، وتقدمها مندوب الملك فاروق، وعدد من الوزراء، وأعضاء من مجلسى النواب والشيوخ.

وسياسيون وإعلاميون وفنانون وجامعيون، سار فى الجنازة ما يقرب من مليون مواطن تحركوا خلف نعش الريحانى الذى حملته العربة الملكية المذهبة التى أرسلها جلالة الملك فاروق من العباسية إلى ميدان رمسيس ومنه إلى ميدان الأوبرا ثم نقل النعش إلى مقابر السريان الكاثوليك، وقد تم تصوير الجنازة فى فيلم قصير بأمر من الملك فاروق، وللأسف اختفى الفيلم من قصر عابدين بعد خروج الملك من مصر.

ليضيع أحد كنوز الريحانى، مثل بقية كنوزه التى بيعت فى مزاد لصالح مصلحة الضرائب، وتبعثر الباقى منها بسبب صراع الورثة على التركة ! وقد وصفت مجلة «المصور» مشهد الصلاة التى أقيمت على الريحانى فى حضور شقيقه يوسف، وزوجته بديعة مصابنى التى كانت تبكى بحرقة وأصرت على المشاركة فى حمل النعش بعد انتهاء الصلاة. 

مات الريحانى، وتداولات الصحف سبب غموض الوفاة، فهناك من قال إنه توفى بحقنة بنسلين بالخطأ، وهناك من قال إنه مات بسبب عقار جديد لعلاج حمى التيفود الذى تم إحضارها بطائرة خاصة من أمريكا، وقيل إنه مات بأزمة قلبية حادة، وكتب الصحفى أنور عبد الله - والد الفنانة سماح أنور - مقالا فى مجلة «الفنون» يؤكد فيه أن الذين سهروا بجوار الريحانى فى الليلة التى سبقت وفاته.

أنه كان يسأل عن عقار «الكلورمايستين» الذى وصل ظهر الأربعاء الذى حدثت فيه الوفاة، وأعطى الريحانى 15 قرصا دفعة واحدة، وبعد 10 دقائق اضطرب جسده وطفح الدم من فمه، وأطبقت أصابع الريحانى على الفراش ومات!. 

وبعد الوفاة قال مدير المستشفى اليونانى إن كمية العقار التى تناولها الريحانى كانت كثيرة وشكلت خطراً على قلبه، وكان يجب أن يأخذ الدواء على جرعات وليس دفعة واحدة، وأدلى رفيق دربه بديع خيرى بشهادة لمجلة «المصور» قال فيها إن الريحانى اتفق على 8 حفلات لصالح الجمعيات الخيرية بالإسكندرية، وبعد 3 ليال شعر بتعب مفاجئ وذهب إلى مستشفى المواساة وأخذ كورس «بنسلين» وقدم حفلتين أخريين ثم تعب وعاد لمنزله بالقاهرة.

وأشار عليه الأطباء بعد 6 أيام بالانتقال للمستشفى اليونانى، وأبلغه طبيبه أنه مصاب بحمى الباراتيفويد، وحدثه عن دواء «الكلورمايستين» الساحر الموجود فى أمريكا، وأبدى مدير المستشفى معارضة لهذا الدواء، وأحضر الزعيم مكرم عبيد الدواء بالطائرة، وفى صباح يوم وفاته ذهب إليه، وجاء مدير المستشفى وقال: يا نجيب أنا لا أحب أن تحقن بهذا الدواء، حالتك تتحسن ببطء بالعلاج العادى، وبعد 7 دقائق من إعطائه الحقنة مات نجيب.

وكتبت بديعة مصابنى فى مذكراتها أنها علمت بمرض نجيب من الصحف فذهبت للمستشفى اليونانى بالعباسية، والتقت عند الباب سائقه الذى كان يلطم وجهه كالأطفال، وعندما شاهدها قال «الأستاذ مات يا ست بديعة»، سقط الخبرعليها كالصاعقة واقتادها بديع خيرى حيث كان الجثمان، وكان بالمكان شقيقه يوسف الريحانى، اقتربت من الرجل الوحيد الذى أحبته وقالت له ما لم تقله يوما فى حياتها وهى تجهش بالبكاء المتواصل. 

ونشرت «المصور» شهادة د. محمود بك أبو بكر الدمرداش،أستاذ الأمراض الباطنية بكلية طب العباسية بعد شهر من وفاة الريحانى التى قال فيها «لم يمت الريحانى بالتيفود، وبقى يمثل على المسرح وهو مصاب به، وقد ذهبت لفحصه بالمستشفى اليونانى قبل وفاته بيوم، وكنت أعلم أنه أصيب منذ 4 أشهر بأزمة قلبية نتيجة لتصلب فى الشرايين ولما فحصته كانت حالة قلبه سيئة جدا، وحالة رئتيه أسوأ نتيجة لنزلة شعبية مزمنة تجعله يشعر بضيق التنفس لأقل مجهود.

كان ظاهراً أن حالة قلبه ورئتيه لا تمكنه من تحمل حمى التيفويد، ولهذا عمل المستحيل للإسراع فى الحصول على جرعات من «الكلورومايستين»، وكنا نأمل أن تنقذ حياته، لكنه ما كاد يأخذ الجرعة الأولى حتى حدثت جلطة قلبية كانت متوقعة فى أى وقت، و«الكلورومايستين» لا علاقة له بوفاة الريحانى، لأن تجربته فى الخارج دلت على أنه معجزة من معجزات القرن العشرين».

بينما قال الدكتور بللينى المتخصص فى أمراض القلب إنه عرف أن نجيب الريحانى لن يعيش عندما رأى شفته السفلى ترتعش بعلامات دنو الأجل، وعندما خمدت أنفاس الريحانى كشفوا عن صدره الغطاء فوجدوا بقعة دائرية متسعة بلون أزرق داكن حول مكان القلب، بما يعنى احتمالية الوفاة بالقلب. 

ذهب الرجل لخالقه وبدأ الصراع على تركة الريحانى بين أرملته بديعة مصابنى وشقيقه يوسف الريحانى، وكانت عبارة عن مسرحه بشارع عماد الدين، وشقة فى عمارة الايموبيليا، وقصر فى حدائق القبة بحديقة واسعة بناه فنان إيطالى ومات قبل أن يسكن به، و400 جنيه فى حساب بنكى، وقد تناولت الصحف فصول الخلاف على التركة، فنشرت «المصور».

تحقيقاً فى يوليو 1949 بعنوان «تركة الريحانى فى المحاكم»، قالت فيه: «ما إن توفى فقيد الفن وشيعت جنازته حتى بادرت السيدتان بديعة مصابنى وجوليت الريحانى إلى رفع قضية تطالبان بإقامة حسنى بك نجيب مدير استديو مصر حارساً على التركة.

حتى يفصل القضاء فى حقهما فى الميراث الذى يقدر بـ «100 ألف جنيه»، وقضت المحكمة بما طلبتاه، فبادر يوسف الريحانى إلى رفع استئناف مطالباً بإلغاء الحكم لعدم وجود مصلحة ظاهرة لهما.

وردت بديعة قائلة: «كيف وأنا زوجته وجوليت ابنته؟»، فقال يوسف «أنتِ طليقته وجوليت ليست ابنته»!.

وقالت الصحف إن بديعة مصابنى أكدت أنها تزوجت الريحانى على المذهب الكاثوليكى بعد تحولها من الأرثوذكسية إلى الكاثوليكية ولهذا رفضت الكنيسة الطلاق المزعوم بينهما، فعاشا منفصلين فى وضع الطلاق دون طلاق رسمى، خاصة وأنها عادت مرة أخرى إلى المذهب الأرثوذكسى لإقرار الطلاق وطلب المجلس الملى من نجيب الحضور لكنه لم يحضر ليحول هو الآخر مذهبه ليتم الطلاق.

وبذلك بقيت فى حكم زوجته حتى مماته، واستصدرت شهادة من الكنيسة الكاثوليكية تقول إنها أرملة الريحانى وإن جوليت ابنته بالتبنى التى أثبت نجيب نسبها إليه واستصدر لها جواز سفر يحمل اسمه، وتبناها رسميا بعد عودتهم من زيارة أمريكا، وقيدها فى سجل المواليد بالبطريريكة باسم «جوليت» نجيب الريحانى، وقد استخرجت شهادة من مدرسة «الميردوديو» بالاسم ذاته.

ومن هنا يتضح أن «جوليت» فتاة تبنتها بديعة فى بيروت وأحضرتها معها إلى القاهرة قبل زواجها من الريحانى، واستمر النزاع القضائى بين يوسف الريحانى وبديعة وابنتها.

لكن يوسف فاز بالتركة فى النهاية، ولم يكن جديراً بالحفاظ عليها، فقد تم بيع أثاث شقة الريحانى بالمزاد العلنى أوائل الستينيات لسداد 200 جنيه لمصلحة الضرائب تقاعس يوسف فى دفعها، ومات يوسف الريحانى وورث ابنه بديع تركة عمه، وتبعثرت كنوز الريحانى التى سوف نتناولها فى موضوع آخر.

اقرأ أيضا

عمرو عبد الجليل يجسد شخصية نجيب الريحاني في «الضاحك الباكي»