بادى كلارك يكتب: ها ها ها

بادى كلارك يكتب : ها ها ها
بادى كلارك يكتب : ها ها ها

لا تقوم روايتنا هنا على بنية روائية تقليدية، لن تجدوا حبكة ولا تسلسلًا زمنيًّا واضحًا، ولا سعيًا للشخصيات فى النقطة أ للوصول إلى النقطة ب ومواجهتهم للعقبات فى سبيل ذلك. ما ستجدونه هنا هو سرد حر على لسان الراوى باتريك كلارك ذى الأعوام التسعة، يحكى من خلاله ما يفكر فيه لحظيًّا.

مقدمة المترجم
عندما عُرضت عليَّ ترجمة الرواية التى هى بين أيديكم الآن (أو على شاشاتكم، أو تسمعونها، أو ربما تقرأونها فى الواقع الافتراضى بالغطس بين السطور مثلًا بعد سنوات من الآن)، لم أكن أعرف مسبقًا شيئًا عنها وعن مؤلفها: الكاتب الأيرلندى الرائع رودى دويل. بعد قراءة أولية متعجلة وقراءة مراجعات نقدية متعددة، تشجعت على قبول ترجمتها لأسبابٍ عدة، منها أنها رواية حاصلة على أهم جائزة أدبية دولية (جائزة البوكر عام 1993، وهو نفس العام الذى نُشرت فيه)، وأنها تتعرض لمساحاتٍ من الأدب واللغة لم أخضها من قبل، وتقدِّم تفاصيل عالم مشوق (دبلن، العاصمة الأيرلندية فى ستينيات القرن العشرين) مثير لاهتمامى، والدافع الأكبر كان أنى وجدت فى ترجمتها تحديًا عمليًّا جديدًا أحب أن أخوضه.

بعد أربعة أشهر، وبالتحديد قبل نصف ساعة من كتابة هذه المقدمة، أنهيتُ ترجمة الرواية وأنا لا أكاد أفعل، وأنا أودُّ لو أنها دامت لضعفى عدد الصفحات أو أكثر. لم تعد الرواية بالنسبة إليَّ تحديًا عمليًّا جديدًا، بل تحوَّل بطلها، بادى (أو باتريك كلارك) ، إلى صديقٍ حميمٍ يؤسفنى فراقه، هو وسندباد وليام وأيدان وباقى أفراد العصابة.

وحتى كيفين. سأفتقد شوارع باريتاون وضواحى دبلن الجديدة التى -بعد أن رأيتها بعين بادى ذى التسعة أعوام- صارت مصدر نوستالجيا بالنسبة إليَّ، مع أنى لم أرها فى الواقع قطُّ. تحوَّلت الرواية من تحدٍّ عملى لى كمترجمٍ، إلى رواية بديعة تمنَّيت لو أنى كنتُ كاتبها كمؤلفٍ.


ويفترض بى أن أقدم مقدمة أدبية نقدية رصينة عن الرواية ومؤلفها، أو أصمت وأدع الرواية تبدأ على الفور، لكنى لا أستطيع منع نفسى من الإشارة إلى تورطى العاطفى مع الرواية، وتقديمها كقارئ متحمس قبل أن أكون مترجماً أو كاتباً. 


ولا تقوم روايتنا هنا على بنية روائية تقليدية، لن تجدوا حبكة ولا تسلسلًا زمنيًّا واضحًا، ولا سعيًا للشخصيات فى النقطة أ للوصول إلى النقطة ب ومواجهتهم للعقبات فى سبيل ذلك. ما ستجدونه هنا هو سرد حر على لسان الراوى باتريك كلارك ذى الأعوام التسعة.

ويحكى من خلاله ما يفكر فيه لحظيًّا، سواء كان هذا ما يدور فى ذهنه من خواطر حرة بشأن كتبٍ قرأها أو أفلام وبرامج تليفزيونية شاهدها، أو حكى لمغامراته مع أصدقائه/عصابته فى أنحاء ضاحية باريتاون، أو أحداث اليوم الدراسى فى المدرسة مع مستر هينيسي/هينو، أو أحداث يومه مع أمه وأبيه وشقيقه، يحكى كلَّ هذا كيفما اتفق، من أى نقطة ترِد على ذهنه أولًا بغض النظر عن موقعها فى التسلسل المنطقى للحكاية. 


ومع أن الروايات التى تتسم بالتداعى الحر لأفكار الراوى تتعامل عادة مع دواخله أكثر من أحداث عالمه الخارجي، بادى ذو الأعوام التسعة نادرًا ما يتأمَّل ما بداخله من مشاعر أو أفكارٍ عميقة، بل يتفاعل حصريًا تقريبًا مع المحفزات الخارجية.

وقد يعيب هذا بعض الروايات لكنه هنا ميزة رئيسية، فبادى لا يزال فى تلك المرحلة التى لا يتصل فيها الطفل بعد مع عالمه الداخلي، وإن كان سيبدأ فى ذلك قرب نهاية الكتاب لأسبابٍ ستتضح فى وقتها المناسب.


وهذا السرد الحر الذى يبدو فى ظاهره غير مترابطٍ أو متسلسلٍ - وإن كان بسلاسة وخفَّة الماء الجاري- قد يصيب القارئ المتعجل بإحباطٍ أو مللٍ يدفعه إلى ترك الكتاب، ربما كنت سأقع أنا نفسى فى هذا الفخ لو كنتُ اكتفيت بالقراءة المتعجلة الأولى.

ولكن التمهُّل الذى قرأت به الكتاب مجددًا جعلنى أستكشف بالتدريج، وبمتعة غير مسبوقة، التفاصيل الحقيقية للعالم الذى يدور فى خلفية نظرة بادى كلارك المحدودة بحكم سنِّه.


وقرأتُ من قبل روايات غير قليلة يرويها أطفالٌ، لكن أعتقد أن هذه الرواية هى المرة الأولى التى أقرأ فيها صوت طفولة حقيقيًّا، لا ذلك الصوت الملائكى الحكيم ببراءة الذى يحب الكُتَّاب عادة استخدامه فى الروايات لإبراز التناقضات فى عالم الكبار.

ورواية (بادى كلارك ها ها ها) تكاد تكون «بورتريه» حقيقيًّا واقعيًّا مذهلًا لعالم الطفولة، طفولة الذكور بالأخص، يسجل بأدق شكل رأيته حتى الآن الحالة العقلية والشعورية لطفلٍ بين التاسعة والعاشرة من عمره، ويرصد تطوره (ونضجه المبكر لأوانه قرب نهاية الكتاب) بدقة وحذاقة وخفَّة مذهلين، بالنسبة إليَّ على الأقل.


ولا تدع هذا يدفعك إلى التفكير فيها على أنها رواية رقيقة عن براءة الطفولة، براءة الطفولة موجودة هنا بلا شكٍّ، ويشيع فيها أيضًا حسٌّ فكاهى لطيفٌ سيستدعى ابتسامتك أغلب الوقت، لكن الكثير ومن جوانب الطفولة التى لا يحب الناس الاعتراف بأنها حقيقية على الملأ موجودة هنا أيضًا.

وفهناك العنف الشديد والتنمر بأشكاله التى يراها الأطفال فى ساحات المدرسة مجرد لعبٍ، على سبيل المثال سنرى تلك اللحظة التى قرر فيها الأصدقاء بلا تخطيط مسبق التكالب على واحدٍ منهم وصب محتوى علبة مسحوق غسيل فى فمه، وفى النهاية كان على الصبى.

والذى تعرَّض لهذا أن يتظاهر أنه استمتع بهذه «اللعبة» أيضًا، لأنه لو أبدى انزعاجه فلن يعود مُرحبًا به فى الجماعة. هناك صراعات السلطة والقيادة وفرض الشخصية، وكل دراما حياة الكبار، هناك استكشاف لضواحى دبلن التى تبنيها «الشركة».

هناك العلاقة الأسرية المرتبكة بين والدى بادى ومراقبته لهما، وبحثه عن طريقة للتحكُّم فى العالم حوله ليعود إلى مساره «العادي» فى الوقت الذى ينهار فيه هذا «العادي» لأسبابٍ لا يفهمها. غير أن الفارق الأساسى هو أن من يسرد كل هذا هو طفل، بصوت أقرب إلى الطفولة الحقيقية.

ومنها إلى كاتب روائى يفتعل صوت الطفولة، لا تلفت نظره المفارقات الدرامية التى نعدها نحن الناضجين هى الأشياء المهمة، بل ينصبُّ اهتمامه على الأشياء التى يعدها أساسية، ويدع المجال للقارئ المتمهِّل كى يستكشف ويستوعب كل تلك التفاصيل والطبقات والصراعات الدائرة فى الخلفية.


وربما أهم ما فى الرواية هو علاقة بادى كلارك بأسرته، أبويه وشقيقه الأصغر، وعلاقة الأبوين ببعضهما، أحبُّ الحديث عن هذه العلاقة باستفاضة، لكن استكشافها من دون حرق فى خلفية حكايات بادى أجمل وأعمق تأثيرًا.


ومن أجمل ما فى الفن عمومًا، وفنون الرواية والحكى خصوصًا، تسليط الضوء على المشترك فى التجربة الإنسانية رغم اختلاف الزمان والمكان والظروف الحياتية، فرغم تفرد تجربة كل إنسان، يظل هناك قدرٌ غير قليلٍ من الجوانب المشتركة.

والتى لا ندرك وجودها عادة إلا عندما يأتى فنٌّ جميلٌ ويشير إليها. وهذا ما تحقَّق معى دون قصدٍ وأنا أقرأ أولًا ثم أترجم لاحقًا حكاية بادي. كل هذه الآراء والرؤى والمشاعر الطفولية، رغم الاختلاف الثقافى والزمنى العميق.

ووجدتُ صدى لأغلب تفاصيلها فى طفولتى الشخصية، فى شوارع مدينتى الخلفية وفى فصول المدارس وفى العلاقات مع الأصدقاء القدامى، درجة تشابه مدهشة أربكتنى إلى حدٍّ بعيدٍ.

لاحظتُ انقسامًا طريفًا بين مراجعات القرَّاء للرواية على الإنترنت، فهناك فريقٌ يرى (مثلي) أنها تصويرٌ قريب إلى حدٍّ كبيرٍ من واقع حياة الصِبية الحقيقية، وهناك فريق آخر يرى فيها مبالغة وحشية، وأن بادى وعصابته نموذجٌ قاسٍ كابوسى غير حقيقى يندر وجوده فى ساحات لعب الأولاد (لأن براءة الأطفال لا يمكن أن تتضمن مثل هذه الأفعال القاسية، بالنسبة إليهم).

وطبعًا بما أنى وجدت فى نفسى تماهيًا غير قليلٍ مع عالم الرواية، فأنا أميل إلى اعتبار أفراد الفريق الثانى من ذوى الحظوظ الطيبة الذين نشأوا فى ظروفٍ اجتماعية مرفَّهة وبيئة حامية ذات رقابة على حياة الأطفال أغلب الوقت.

وما يقلِّل من شيوع نموذج الطفولة التى تصورها هذه الرواية، لهذا لا يستطيعون استيعاب أن الرواية تصور طفولة عادية لا استثنائية. بالطبع أنا لا أفقه شيئًا فى علوم النفس والاجتماع، وتفسيرى نابعٌ على الأرجح من انحيازى إلى كونى نشأت فى بيئة لا تختلف كثيرًا عن بيئة بادى وأصحابه، وربما أمثالى من البشر هم الأقلية والآخرون محقُّون فى رفضهم لهذا النموذج... أتمنى أن يكون هذا صحيحًا، فذلك سيكون من حسن حظ باقى البشر.


وأما عن رودى دويل، مؤلف روايتنا هذه، فهو كاتب أيرلندى من مواليد عام 1958، نشأ فى أسرة من الطبقة المتوسطة فى إحدى ضواحى دبلن، عاصمة أيرلندا. درس الآداب فى كلية دبلن، وعمل مدرسًا للجغرافيا واللغة الإنجليزية.

ونشر أول رواياته The Commitments عام 1987، ثم The Snapper فى 1990 و The Van فى 1991، ويشكلون معًا ثلاثية باريتاون، وكل رواية منهم ستتحوَّل إلى فيلمٍ ناجحٍ فى وقتٍ لاحقٍ.


وتحدث رودى عن كيف صارت زوجته حاملًا فى بداية عام 1991، وذلك كان بعد أن أنهى روايته الثالثة، وأقلقه قول العديد من أصدقائه المازحين بأن عليه أن يعلن اعتزاله الكتابة، فالآن سيصبح أبًا ولن تغدو الكتابة أكثر من هواية أو ذكرى، لكنه رغم هذا الخوف الوجودي، تمكَّن من فعلها.


يحكى رودى.
«لا أتذكر فى الواقع لماذا قررت أن أكتب عن طفلٍ فى العاشرة من عمره، أو عن ولدٍ فى عام 1968، لا أتذكر فى الواقع أى قرارٍ. كنت فى العاشرة عام 1968، مثل بادي، وأذكر أنى كنت أفكر كثيرًا فى طفولتي، ربما لتفكيرى فى مستقبل ابنى القادم. كان والداى لا يزالان يعيشان فى البيت الذى نشأت فيه.

والمدرسة التى كنت أعمل فيها والبيوت المحيطة كانوا يقعون حيث كانت الحقول ومواقع البناء التى لعب فيها بادى كلارك قبلهم، كنت واعيًا جدًّا بأن الماضى لا يزال قريبًا مني، لكنى لا أذكر أنى اتخذت قرارًا بعينه.

ولكنى أعرف لماذا أصبح الولد راويًا للكتاب؛ أردت الابتعاد عن رواياتى الثلاث الأولى، أردت اكتشاف إن كان بداخلى نوعٌ آخر من الروايات، هكذا بدأت أكتب بصوت الشخص الأول. أذكر الآن، وكنت أتذكر على الدوام.

وعندما كنت أمشى فى الشارع بصحبة صديقى بيتر. كنَّا نحمل عصيًّا، ونخبط بها على البوابات والحوائط، ونغنى «إنها تحبك... ييه، ييه، ييه». لم نعرف شيئًا عن البيتلز حينها، لكن الأغنية كانت تتردد فى كل مكان. على كل حالٍ.

وهذا ما فكرت فيه عندما كتبت أول جملتين: «كنَّا نمشى فى شارعنا، توقف كيفين عند إحدى البوابات وأخذ يضربها بعصاه». (وكيفين بالمناسبة لا يشبه بيتر بأى حالٍ من الأحوال، بيتر شخصٌ ألطف بكثيرٍ).


وجمعت القصة من فتات الذاكرة؛ من رائحة مكاتب المدرسة، والعالم السرى لدرج المكتب. جاءتنى تلك الذكريات على هيئة شظايا صغيرة. كنت أختلس من الوقت ساعة كل ليلة، أو استراحة الغداء البالغة عشرين دقيقة فى المدرسة.

وفى الأغلب كنت أكتب جملة أو اثنتين فقط. لم تكن معى حبكة، ليس معى إلا بادي. بدأت أرى الأشياء عبر عينه، أيادى الكبار كبيرة ومذهلة وذات تجاعيد، والسلالم المحمولة شيء رائع، والأشياء المقرفة جامدة، والناضجون فى الغالب أغبياء.

ونزلت على ركبتى فى مطبخ بيت والديَّ لأراه مثلما كنت أراه وأنا فى العاشرة، صعدت إلى العلية واستعدت كتب ويليام القرصان والأب ويليام والمجذومين وتاريخ مصور للساكر [كرة القدم]، تلك الكتب أصبحت أجزاءً مهمة من الرواية.


و«لم تكن لديَّ حبكة، ولم يقلقنى ذلك. فكرت فى فيلم Amarcord، وكيف أخذ الفيلم يتسكع على مدار عام، العام هو الحبكة، أى شيء أكثر صرامة من ذلك كان ليدمر الفيلم، الذى هو فيلمى المفضل، وعلى هذا الأساس تابعت الكتابة».


ولا يزال السيد دويل حيًّا ومبدعًا، قدَّم ولا يزال يقدم العديد من الروايات وكتب الأطفال والمسرحيات والسيناريوهات السينمائية والتليفزيونية. لكن تظل أشهر وربما أهم أعماله، هى رواية (بادى كلارك ها ها ها).

وذات الاسم المربك الذى سيثير تعجب وربما سخرية القراء وبائعى الكتب والجالسين على المائدة المقابلة لكم فى المقهى الذى تقرأون فيه الكتاب، لكنه -سنكتشف معًا فى نهاية الكتاب- أنه اسم ذو شجون، واختيار جميل وحاذق من المؤلف.


وبقى أن أذكر سريعًا بعض خياراتى فى ترجمة هذه الرواية، سنجد فى مواضع عدة غياب الإشارة إلى الفاعل مباشرٍة، فمثلًا ينتقل بادى من الحديث عن شيء ما فى إحدى الفقرات، ليقول فى الفقرة التالية على حين غرة شيئًا مثل (He came back from work).

ويتابع الحكى بالإشارة إلى الفاعل بصيغة الغائب دون تحديد هويته. فضَّلت فى أغلب المواضع الاحتفاظ بهذا الشكل المبهم، لأنى وجدت فى غياب تحديد الهوية هذا أسبابًا درامية، منها مثلًا أن غياب الفاعل هذا يشير غالبًا إلى شخصية حضورها عميق الأثر عند بادى إلى حد أن الإشارة إليها باسمها لا تعود لها أهمية.

فالذى يعود من العمل هو دائمًا وأبدًا (بابا). وعندما يشير بادى إلى شخصية أنثى دون تسميتها، مثلًا (She said) أو (She did)، فالتأنيث يشير بلا شك إلى الحضور الحميمى لـ(ماما)، وهكذا. لذا بقليلٍ من التركيز يمكنكم إدراك هوية الفاعل فى تلك الجمل المبهمة ظاهريًّا من السياق.

ولكن فى أحيان قليلة أضطر إلى إضافة الفاعل من عندي، بابا أو ماما أو سندباد أو كيفين أو هينو، وذلك عندما أقابل جملًا مثل «He Came back» فقط، فتلك ستكون ترجمتها كلمة واحدة لا أكثر: «عاد».

وهو ما يفتقر إلى الحضور الغامر للضمير He فى النص الأصلي، عندها أضطر إلى إضافة اسم الفاعل، فأترجمها «عاد بابا» أو أيًّا كان الفاعل، كى تصبح جملة تامة أصيلة الوقع فى الأذن العربية.


ونلاحظ طبعًا فى الأمثلة المذكورة استخدام «بابا» و«ماما» بدلًا من «أبي» و«أمى»، ما قد يثير سخط أنصار التزام اللغة الفصحى الكاملة فى الترجمات. لكن فى أكثر من موضع وجدت أن التمسك بالعربية الفصحى سيقتل الروح الطفولية بالكامل.

لذا اخترت اللجوء إلى اللهجة العامية -المصرية، لكونى مصريًّا كما هو واضح- واستعارة بعض كلمات أو جمل قليلة. المثال الأبرز على هذا نجده فى هتافات التنمر التى يرددها الأطفال ضد بعضهم فى المدرسة.

واخترت أن أحاول وضع هتافات مقابلة بالعامية التى يستخدمها الأطفال -أو كانوا يستخدمونها على أيامي، فلا علم لى بما يردده الأطفال الآن- فى المواضع المشابهة لنقل الروح والمعنى المقصود.
وأخيرًا، فيما يخص الهوامش، فهذا أكثر كتاب ترجمته حتى الآن احتجت فيه إلى وضع هوامش.

وألجأ إلى الكتابة فى الهامش فقط لو كان الجزء المشار إليه فى المتن واضحًا بلا جهدٍ للقارئ المستهدف الأصلى (القارئ الأيرلندى خاصةً وغربى الثقافة عامةً فى حالة هذه الرواية)، لكنه يغيب عن القارئ المستهدف من الترجمة بسبب اختلاف الثقافة والزمن.

والرواية ممتلئة بالإشارات إلى مواضع مشابهة، وجدت أن عدم الإشارة إلى المقصود منها فى هامش سيؤدى إلى ضياع المعنى المقصود، حينها أوضح المبهم باختصارٍ بما يكفى لإضفاء الوضوح على الترجمة وبأقل قدر ممكن - أو هكذا أتمنى- من تعطيل سلاسة السرد.

وكانت هناك مواضع أخرى قد تكون فيها إشارات غير مفهومة، أو معلومات مغلوطة -عمدًا- يحكيها بادى فى سرده، لكنى كنت أرى أن بعضها قد يكون مبهمًا وغير واضحٍ على القارئ الأصلى أيضًا، فأعتبر هذا لبسًا مقصودًا من المؤلف وأمتنع عن محاولة تفسيره أو تصحيحه.

وهناك فقط بعض الهوامش التى وضعها المؤلف ذاته، عندما وضع فى الحوار كلمات باللغة الأيرلندية (غالبًا فى المدرسة، فى أوامر المعلمين للتلاميذ) وترجمها إلى الإنجليزية فى الهامش. حافظت على ذلك بترك الكلمات الأيرلندية دون ترجمة فى المتن، وترجمت الكلمات الإنجليزية فى الهامش، دون أن أمهر تلك الهوامش بتوقيع [المترجم] الذى تنتهى به الهوامش الأخرى.


اقرأ أيضاً | المركز القومي لثقافة الطفل يشارك بـ 35 إصدارا متخصصا بمعرض الكتاب