مصر الجديدة:

السفسطة الرائجة

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

بداية فإن السوفسطائيين كانوا في القرن الرابع والخامس قبل الميلاد وانتشروا في اليونان ولم يكونوا كما هو شائع عنهم أهل كلام بلا معنى.

لقد كان الوجه الحقيقي لهم هو الحرية والمساواة في كل أمور الحياة فكل أمر نسبي يخضع لحكم الشخص وتقديره وهو أمر يتعارض مع الهيراركية أو التراتبية التي تجعل الشعب طبقات يعلوها الحاكم والحكام.

ولأشرح أكثر وبسرعة أقول شيئا من أقوالهم. أنت تحترم من يعلمك وهذا واجب لكن أيضا عليه أن يحترمك لأنك تدفع له مقابلا لذلك. أنتما متساويان.

وهكذا في كل شيء. ويصل الأمر إلى الحكام فأنت الذي اخترتهم ليحكموك وعليهم أن يعملوا لرفاهيتك. هنا أحست دولة أثينا بالخطر فقام سقراط في مجلسه الذي صار فيه تلاميذه فلاسفة فيما بعد مثل أفلاطون بمواجهتهم بالتفكير العقلي القائم علي الفحص والتدقيق والاختبار إلى جانب الأخلاق.

انتهى الأمر بغياب السوفسطائيين عن المشهد وبقي سقراط فكان نصيبه الحكم عليه بالموت بالسم لإفساده الشباب بل واتُهم بالسفسطة أيضا!.

لقد انتهت مهمته ولم تعد الدولة بحاجة إليه. هذه المقدمة الطويلة للأسف كي أقول إني أكاد اقتنع بالمعني الشائع للسفسطة لا القديم الحقيقي، وأنا أرى حولي من يقول لك أو لأى كاتب هل تعرف الموضوع الذي تتحدث فيه؟ هل درسته حتي تتجرأ على فلان أو علان؟

وإذا كتبت رواية أو قصة فلن تعدم من يقول لك كيف تقدم هذا المشهد أو تقول هذا الكلام غير مدرك أن المشهد تصنعه الشخصيات وليس المؤلف كذلك الكلام يكون متسقا مع ثقافتها.

الأمر نفسه في الفنون سينما ومسرح وتليفزيون، يتم المزج بين الشخصية الحقيقية للممثل وما يقدمه فيُسأل عما فعلت الشخصيات رغم أنه بعد أن ينتهي من التمثيل يعود إلى شخصيته الحقيقية شخصا عاديا في الحياة.

ينسي الجميع أو لا يدركون أن الفن بعد أن يظهر إلى النور يصبح سلعة من حقك شراؤها أو رؤيتها أو لا، بل ومن حقك أن تقول رأيك فيها أو تهملها ولا تعود إليها.

لا يدرك من يمارسون ذلك حتي أبسط الأمور وهو أننا لا نتساوي في الفكر، فلكل منا أصوله التربوية وتعليمه وقراءاته وأنواعها وحتي ملابسه رغم أن ذلك نراه بعيوننا، وإلا كيف يكون بيننا اللصوص والمجرمون والأسوياء.

للأسف امتلأت الحياة حولي بصفة خاصة على السوشيال ميديا بالسفسطة بالمعنى الشائع مما شككني فيما قرأت قديما، والغريب أنها تفتقد إلى روح الفكاهة.

الفكاهة تقوم على المغالطات كذلك تشابه الكلمات والمعاني، فتضحك وتعرف أنها نكتة وليست حقيقة، لكن السفسطة الشائعة لا تثير الضحك بل تثير القرف، لدرجة أن أكثرها يتحدث كأنه يعرف نية صاحب الرأي ولا يعرف النوايا أحد إلا الله.

أنت تقصد بكلامك التقليل من شأن فلان، رغم أنك لم تقابل فلانا ولا ثأر بينكما لكن فلانا كان كاتبا أو مفكرا أو داعية أو فنانا أعماله متاحة للناس حيا وميتا، ومن حق كل شخص أن يحبها أو يبتعد عنها أو يزيد من شأنها أو يقلل.