إبراهيم المنيسي يكتب: «تصريحاتى كانت حمقاء» !

إبراهيم المنيسي
إبراهيم المنيسي

وكأن الفرنسيين أرادوا تذكير العالم كله بقيم المجتمع الفرنسى وأن بلادهم هى التى زودت أوروبا بالقيم والمثل بل ودعمت الإنسانية بالكثير من التقاليد الأخلاقية، إذ شهدت الساحة الرياضية الفرنسية بل المجتمع الباريسي كله هبة فرنسية شديدة تدافع عن نجمها التاريخى الأسطورى زين الدين زيدان ضد ما لحقه من إساءة رئيس اتحاد الكرة الفرنسى نويل لوجريت بحقه..

فرنسا كلها تقريبا وقفت فى وجه الإساءة للأسطورة زيدان ولسان حال إعلامها يقول إن الحفاظ على القيمة والأسطورة مسئولية الجميع فى فرنسا وأن زيدان فى قلوب الجميع وأن فرنسا لابد أن تثور حفاظا على قيمها التى تقضى باحترام كل من أعطى لفرنسا وأسعد جماهيرها والحفاظ على أساطير ونجوم المجتمع الفرنسى..

غضبة الفرنسيين أجبرت رئيس الاتحاد الفرنسي نويل لوجريت للاعتذار بوضوح بل وقال فى بيان له: «أعترف بأن تصريحاتى كانت حمقاء وتسببت فى سوء فهم زيدان وهو يدرك التقدير الهائل الذى أكنه له تماما مثل بقية الشعب الفرنسى الذى غضب لأجله».

اعتراف لوجريت وقوله بوضوح شديد: تصريحاتى كانت حمقاء، هذه العبارة رسالة واضحة تماما فى عدم المكابرة وهى  درس فرنسى واضح من كل الأطراف، إذ أن هذه الأزمة بدأت بتصريحات لوجريت لراديو مونت كارلو قال فيها بعدما تحدث عن تجديد عقد ديشامب مدربا لمنتخب الديوك حتى ٢٠٢٦ وعن فرصة زيدان فى تدريب منتخب البرازيل قال رئيس اتحاد الكرة: «لا أبالى إذا تولى زيدان تدريب البرازيل.. ولم أكن أنوى الرد عليه لو اتصل بى»..

هذا كل ما حدث من رئيس اتحاد الكرة بحق الأسطورة زيدان.. لا سبه ولا نعته ولا تطاول عليه ولا على أسرته وقيمته.. فقط قال لا أبالى. ولم أكن سأرد عليه لو اتصل بى.. لكن صحيفة ليكيب الفرنسية واسعة الانتشار خرجت بمانشيت كيير بارز بكلمة واحدة: «غير مقبولة» وهى تتحدث عن هذه التصريحات المسيئة للأسطورة زيدان. بل وقالت وزيرة الرياضة الفرنسية إميلى أوديا مدافعة عن الأسطورة والقيم الفرنسية على حد تعبيرها: تصريحات مخزية تدل على عدم احترام وتحمل إساءة لنا جميعا وللمجتمع الفرنسى كله.. اعتذر عن كلماتك بحق زيدان من فضلك».

هكذا كان تدخل وزيرة الرياضة حادا وجادا للدفاع عن قيم المجتمع وأسطورة الكرة الفرنسية.. وهكذا تكون المسئولية وحراسة قيم المجتمع وأن أحدا ليس من حقه التجاوز بحق الآخرين فما بالك بالأسطورة زيدان..

وضمن الهبة الفرنسية غرد النجم الفرنسى المتألق كيليان مبابى متضامنا مع الأسطورة زيدان ورافضا بشدة التقليل من قيمته أو الإساءة إليه.. بل ومن إسبانيا أصدر ريال مدريد بيانا يقول فيه: هذه الكلمات لا تحترم أحد أكثر الشخصيات استحقاقا للإعجاب فى العالم كله ويتوقع نادينا تصحيحا فوريا..

زيدان فى كل هذه الأزمة لم ينطق بكلمة ولم يدخل فى سجال مع رئيس اتحاد الكرة، بل وجد الأسطورة من يغضب لأجله ويدافع عن قيمته ويجبر لوجريت على الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه بالقول: تصريحاتى كانت حمقاء!

الفرنسيون، شأن الجميع فى المجتمعات الجادة فى الحفاظ على القيم والمثل ومكانة الأساطير والنجوم، يدركون قيمة مشاعر الجماهير المتعلقة بهذه الأساطير وأنه كما قال ريال مدريد فى بيانه أن الأمر يخص أحد أكثر الشخصيات التى تستحق الإعجاب والتقدير فى العالم بأسره، ومن ثم فإن الدفاع عن زيدان ليس فقط عن شخصه ومكانته ولكن هو دفاع عن مشاعر الملايين حول العالم ممن قدروا هذا اللاعب الأسطورى وأحبوه وارتبطوا به..

اللافت والمهم جداً أن الاتحاد الفرنسى لكرة القدم لم يكتف باعتذار رئيسه صراحة ووصفه لتصريحاته بأنها كانت حمقاء، بل أقدم الاتحاد على قرار جرئ من خلال اللجنة التنفيذية له بعزل رئيس الاتحاد لوجريت عقابا له على الإساءة لقيمة زيدان وبحق أخلاق المجتمع الفرنسى.

هكذا يكون الإدراك السليم لأهمية الأخلاق فى الرياضة وأنه لا بناء لنهضة رياضية ولا تهدئة لأجواء ولا أمل فى أى شيء من دون فرض القانون بحسم وعدالة والحفاظ على الأخلاق والمثل ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقى حين قال: وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم.. فأقم عليهم مأتما وعويلا..