كنوز| «بيليه» يشرب القهوة في «أخبار اليوم» ويشاكس الأسد بحديقة الحيوان

بيليه رفض ركوب الجمل عند زيارته لأهرامات الجيزة
بيليه رفض ركوب الجمل عند زيارته لأهرامات الجيزة

جاءنا اللاعب العالمى بيليه، وشرب القهوة في دار «أخبار اليوم»، لم تعجبه نوعية البن لأنه ابن البرازيل التى تزرع البن الفاخر، عندما تجول بين المحررين والعمال لم يتصور أحد أن هذا الشاب الأسمرالذى يمشى كأنه بطة، هو نفس الشاب صاحب القدم الذهبية التى تهز الشباك، بقدمه استطاع أن يمتع الملايين، ويكسب الملايين أيضا !!

وصلت شهرته إلى مصر بعد فوز البرازيل بكأس العالم 1958، تكونت له صورة فى أذهاننا فتخيلناه عملاقا، طويلا، يخيف من يراه، يهز الشباك بلمسة من قدمه، وكانت «أخبار اليوم» قد دعت فريق البرازيل فى سنة 1960 ليلعب فى القاهرة ثلاث مباريات، وأول شرط فى الاتفاق أن يكون بيليه ضمن الفريق، وأن يلعب المباريات الثلاث، ذهبت إلى المطار لأستقبل الفريق، وكلما رأيت عملاقا حملقت فى وجهه فأجده لا يشبه «بيليه»، كدت أعتقد أنه لم يحضر، فجأة وجدته على جسم شاب صغير، لم أتصور أن هذا الشاب الوديع الذى يكاد يذوب رقة هو الأسطورة «بيليه» !

لازمته طوال فترة وجوده بالقاهرة، رافقته فى زيارة لأهرامات الجيزة، ورفض هناك ركوب الجمل خوفا من السقوط من فوقه، وفى الزيارة لحديقة الحيوان أخذ يشاكس الأسد بعصاه، وفى حفل الاستقبال بدار «أخبار اليوم» كان مرحا يتكلم مع كل العاملين ويوقع لهم على الاوتوجرافات، مشكلتى وأنا المسئول عن الدعاية للفريق البرازيلى انحصرت فى كيفية تقديم «بيليه» إلى الجمهور، شاب نحيل مقوس الساقين وكأنه «بطة»، وقد قال أستاذى جهينة «لقد حيرنى بيليه ودوخنى»، لعب أول مباراة وسجل هدفا، فكتب واحد من النقاد يقول: «إنه النقطة السوداء وليس الجوهرة السوداء»، وسجل فى المباراة الثانية ثلاثة أهداف، ففصلت الجريدة هذا الناقد واختفى إلى الأبد بسبب غلطة لم يغتفرها له عشاق الكرة، وكتب الأستاذ جهينة عن بيليه يقول: «بيليه مشكلة المشاكل، من أدق ملاحظات خبير مخضرم فى كرة القدم أن النجم البرازيلى كان القاسم المشترك فى دراسات معظم الفرق المشتركة فى كأس العالم، لا من حيث تقييمه وفنه، ولكن من زاوية كيفية وقف خطورته». 

اسلم «بيليه» نفسه فى القاهرة للخبير مراد خير الدين ليقوم بتدليكه تحت إشراف مدربه «فيولا» وطبيب الفريق «جوزلينج»، وقال مراد خير الدين: «لقد وجدت فى ساقى «بيليه» عضلات طويلة قوية كالصلب، مرنة كالمطاط، صلبة كالصخر إذا شدها، ولينة كالعجين إذا أرخاها، والعجيب أن قوة عضلات ساقيه لم تطغ على باقى جسمه، له ذراعا ملاكم، وصدر مصارع، وجذع عداء»، هذا هو بيليه الأسطورة وبيليه الإنسان.

لا يعرف أحد متى اطلق عليه اسم «بيليه»، عائلته تسميه «ديكو»، وأصدقاؤه يسمونه «ساكى»، وعشاق الكرة يطلقون عليه «بيليه»، لكنه يوقع على اوتوجرافات المعجبين «ادسون بيليه»، وعلى العقود التجارية «ادسون ارانتوس دونا سيمنتو»، محترف كرة يلعبها بروح الهواة، وهاو لأعمال تجارية يديرها بروح المحترفين، هوايته السباحة، والموسيقى، يعزف باحترافية على الجيتار والأوكورديون، سهراته المفضلة تكون فى المنزل وسط أسرته، يحب مشاهدة السينما، متدين جدا، يأكل تفاحة قبل المباراة بدقائق حتى لا يشعر بجفاف فى حلقه أو يشعر بالعطش، إفطاره فى الصباح «كوب من عصير الأناناس، وقطعة لحم مشوية، وبيضتان مقليتان بالزبد، وفنجان قهوة باللبن، وشريحة صغيرة جدا من الخبز»، وغذاؤه «فنجان شوربة وقطعة لحم مشوية وملعقتان من الأرز أو الفاصوليا وسلاطة خضراء وفنجان قهوة سادة»، وعشاؤه «طبق شوربة عدس وكمية مضاعفة من البوفتيك، وجيلاتى، وقطعة جاتوة»، ينام ثمانى ساعات يوميا، ويقضى إجازته فى صيد السمك والطيور، وأسعد يوم فى حياته يوم أن يرى ابنه فى شهرته، ويعشق اللعب كحارس مرمى وهو دائما احتياطى لحراس المرمى! 

تسجيل الأهداف أكبر لذة فى حياته، سجل حتى الآن «1065» هدفا، ومع كل هدف يحرزه يجرى ويده اليمنى مرفوعة وقبضته مضمومة وهو يقفز فى الهواء كالكانجارو صائحا «جول جول.. بووا بووا»، أى «هدف هدف.. هائل هائل»، ومن سماته أنه يشاهد تسجيل مبارياته ليبحث عن أخطائه، يتدرب كأى لاعب مبتدئ، يبدأ تدريبه بمهارات فردية، ثم بطريقة اللعب مع الفريق، ثم بطريقة اللمستين بلمسة بقدمه يوقف بها الكرة والثانية يوزعها بإحكام إلى زميل على بعد يزيد على 30 ياردة، يرعب أى فريق لسرعة حركته، وسرعة تصرفه مع الكرة، وسرعة تغيير اتجاهه مهما كانت سرعته، وسرعة انتهازه للفرص، وسرعة تصويبه على المرمى، وسرعة اتخاذ القرار السليم، وسرعة تحكمه المعجز فى الكرة. 

«بيليه» يقول عن نفسه: «أقابل الجمهور بأعصاب من يلعب أولى مبارياته، أصاب بالقلق قبل أى مبارة هامة، وأصاب بالأرق فأنا لا أعرف كيف ألعب إلا إذا كانت أعصابى مشدودة مثل وتر الجيتار، وفى نفس الوقت تهتز بسهولة لتخرج أنغاما جميلة، وعندما أجد أن أعصابى لا تهتز أعرف أن موعد اعتزالى قد حان». 

كرة القدم كانت هواية هذا الطفل الأسمر، عقب كل مرة يلعب فيها كانت والدته تكافئه بعلقة ساخنة، كانت تقول له «هل ترغب فى أن تصبح شخصا تافها، هل ترغب أن تصبح لاعب كرة ؟!»، وكان والده «دينهو» يتألم فى أعماقه لكنه يوافقها، فهو نفسه لاعب محترف، ذهبت الأم إلى الكنيسة تدعو الله أن يبعد نقمة الكرة عن منزلها، واستجاب لها الله عندما أصيب الأب فى ركبته واعتزل، لكن الله لم يستجب لدعائها وأصبح ابنها «ادسون ارانتوس» لاعبا محترفا، تحول فى خلال 15 عاما من ماسح أحذية إلى مليونير، يحمل لقب «الجوهرة السوداء».

ابن جهينة «آخر ساعة» 11 أغسطس 1971