علاء عبدالهادي يكتب: اللقطة الاستثنائية

علاء عبدالهادي
علاء عبدالهادي

«سوف تبقى لحظة رفع ميسى بالبشت للكأس فى مونديال قطر 2022 خالدة لقرون، ويؤرخ للبطولة بهذه اللقطة الاستثنائية»
انتهى مونديال 2022، وتُوجت الأرجنتين، ولكن الحديث عن المونديال الذى تابعه المليارات فى الكرة الأرضية لم ينته بعد، اذ ليس من السهولة بمكان أن نطوى سريعاً صفحة الجمال والمتعة، ونعود إلى واقع كرة القدم المر فى مصر.. لا أريد ان أجتر الحديث عن حالنا الكروى الذى «لا يسر عدوا ولا حتى حبيب»، فقد كتب علينا أن نعيش لعقدين نتعرض لابتزاز مجدى عبد الغنى بسبب هدفه اليتيم، وعندما تاب الله علينا وانفكت العقدة اكتفينا كعدتنا بالتمثيل المشرف الذى نعتبر فيه مجرد وصولنا إلى كأس العالم هو شرف لا يدانيه شرف، ولأننا «رضينا بالهم فلم يرض الهم بنا»، وخسرنا حتى التمثيل المشرف وانزلقنا إلى التمثيل غير المشرف .. كنت لا أريد أن أتحدث عن كرة القدم ولكننى انزلقت للحديث عنها رغما عنى. 

المونديال، لم يكن كله رياضة، بل هو سياسة، وسياحة، واقتصاد، وثقافة، وأية دولة تسعى لنيل هذا الشرف لكى تقدم نفسها وثقافتها وتراثها للمجتمع الدولى، قطر أنفقت مليارات يصعب استيعابها على إنشاء الاستدادات وتطوير وتجديد مرافقها وكامل بنيها الأساسية لكى تقدم نفسها فى الصورة العصرية التى رآها عليها الجمهور الذى جاء من شتى أنحاء العالم لمتابعة الحدث الذى لا يتكرر إلا كل 4 سنوات .. فى المونديال كانت هناك شعوب وقبائل أتت من شتى أنحاء المعمورة تتعارف على بعضها البعض .. المؤكد أن الملابس تعد جزءا أصيلا من ثقافة كل بلد أو إقليم، وجزءا من هوية سكانه. وفى المدرجات كنت ترى الزى الخليجى، «الدشداشة» بالعقال المتنوع حسب البلد، جنبا إلى جنب مع الأزياء الأوروبية، وأزياء أمريكا اللاتينية، الزى المحتشم جنبا إلى جنب مع الزى المنفتح!

فى اللحظات الأخيرة التى انتظرها العالم لمتابعة تتويج ميسى ورجاله، انتهز أمير قطر الشيخ تميم اللحظة التى عاشت الإمارة تستعد لها 18 عاماَ، وقام بوضع البصمة القطرية وقام بإهداء ميسى «بشت»، وقام بتلبيسه إياه، ليرفع الكأس وهو مرتديا فانلة الأرجنتين ومن فوقها «البشت». 

الدنيا قامت، والغرب رأى فى الأمر استغلالا وانتهازا قطريا لفرحة الأرجنتين، والبعض تمادى فى الاتهام ووصل به إلى حد اتهام قطر بسرقة الفرح.. قامت الدنيا لأن ميسى ارتدى البشت، ولكن نفس العالم سبق وأثنى عليه عندما زار يوما حائط المبكى وحرص على اعتمار القلنسوة اليهودية، ولم يجد شيئا فى ارتداء نجوم كأس العالم القبعة المكسيكية الشهيرة فى مونديال 1970 التى احتضنتها المكسيك.

سوف تبقى لحظة رفع ميسى بالبشت للكأس فى مونديال قطر 2022 خالدة لقرون، ويؤرخ للبطولة بهذه اللقطة الاستثنائية، مهاويس مسى قاموا بتكبير صورة البشت أثناء قيام أمير قطر بمساعدة ميسى على ارتدائه، وعرفوا اسم  المحل أو الترزى الذى قام بحياكته، وبين يوم وليلة امتلأ المحل بالمشترين، بل تحول سوق واقف التراثى إلى قبلة لكل محبى ومهووسى ميسى لشراء البِشت.. كل أرجنتينى  حرص على شراء البِشت قبل أن يعود إلى بلاده، وكل فتاة أرجنتينية اشترت لحبيبها البِشت الذى عرفت أن ارتداءه يكون يوم الفرح ولا يرتديه إلا علية القوم ومن لهم شأن، وقامت الفضائيات بعمل تقارير حول أنواع البشت وتاريخ صناعته، وأفضل أماكن تصنيعه .. استردت قطر ما أنفقته فى المونديال بلقطة ميسى بالبشت.

العمر لحظة
هناك مشكلة بينى وبين زوجتى، تفاقمت فى الآونة الأخيرة  أريد أن أشرككم فيها، لاحظت زوجتى أن عندى مشكلة فى احساسى بالوقت وأننى أتحدث عن بعض الأحداث على اعتبار أنها وقعت أمس أو أمس الأول، فتنبهنى أن الأمر ربما مضى عليه أسبوع أو أكثر، ويتكرر هذا الأمر بصورة أكبر عندما أختلف أنا وهى عن تاريخ حدوث مناسبة عائلية معينة، لأكتشف أن أحداثا مضى عليها 7 أو 8 سنوات، وأنا معتقد انها بالكاد حدثت قبل 3 أو 4 سنوات على أقصى تقدير .. الأسبوع يمضى سريعا، والإحساس بالشهر أصبح كأنه أسبوع، لا نكاد نودع رمضان، على حبى وشوقى له، حتى نجده يطرق الأبواب من جديد .. سرعة إحساسنا بالزمن ليست من باب السعادة، ولا من باب اليسر، ولا حتى من باب البركة .. كل شىء حولنا منزوع الروح، والسعادة، أشبه بالورود المجففة، جميلة فى التصوير لكنها، بلا روح ولا رائحة ولا عبق .. الإحساس بالزمن نسبى، يختلف باختلاف المكان والظرف، بدليل أن الأوقات الحلوة تمضى سريعا، ولا تكاد تتحرك عقارب الساعة، ونحن نترجى الليل أن يمضى لنرى حبيبا طال غيابه، وأيام السجين شهوراً، والشهور سنينا، هناك إشارة قرآنية صريحة عن هذا فقد قال الله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {الحج:47} 

العلم رصد ما أعانى منه وهناك بالفعل أبحاث علمية فويليام فرايدمان قام بكتابة نظريتين حول حاسة الزمن تناولتا فروقات هذه الحاسة عند الحيوانات المختلفة.. وهناك أبحاث انطلقت من مبدأ علم النفس- الفيزيائي قام بها جوستاف فخنر قارن فيها بين علاقة الزمن المحسوس مع الزمن الحقيقي.

العلماء لهم رأى آخر يقول إن إحساسنا بالزمن يختلف حسب أعمارنا فالثلث الأول  ملىء بأحداث وذكريات نتعلم فيه ونذهب للمدرسة بمراحلها المختلف ثم الجامعة وندخل معترك الحياة العملية وتجريب وظيفة واثنين وربما أكثر، وعادة ما نتعرف خلالها على شريك الحياة، أحداث كثيرة، بعكس سنوات الشيخوخة التى يتخلى فيها الإنسان ويتحرر من كل أعبائه فيمضى اليوم بطيئا لأنه خال من الأحداث، والأنشطة والفعاليات التى قد تبطئ سرعة دوران الساعة، أو للدقة إحساسنا بدروانها لأن الثانية بالتأكيد هى نفسها التى تمضى على الشاب والمسن.. العلماء ينصحون أمثالى من «العواجيز» بعمل أنشطة وهوايات، وبالسفر إلى أماكن جديدة، فكلما زادت الذكريات التى نصنعها فى اليوم، كلما تباطأت عجلة الزمن.

توت كمان وكمان
احتفل العالم، ربما أكثر من مصر، بمئوية اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، ولا زال الحديث عنه يجذب الملايين حول الكرة الأرضية لمتابعة كل شىء حول هذا الفرعون الذهبى، وحضرت احتفالية فى متحف الحضارة عرض فيها فيلم لمخرج ايطالى يتحدث فيها عن الظهور الأخير لتوت، ولم تنته محاولات العلماء عن كشف أسراره : كيف مات، وعائلته، من أبوه من أمه وحتى جدته، ولزاهى حواس وفريقه العلمى نتائج علمية هزت الدنيا، ووصل الأمر بالدكتورة سحرسليم رئيس قسم الأشعة بالقصر العينى الى قيادة فريق علمى فيه أعضاء من ال FBI  لكى يصلوا الى صورة اقرب للحقيقة لتوت واسرته .. لماذا لاتوظف مصر هذا الهوس بتوت، وتحوله الى عائد اقتصادى، وليس من منظور سياحى فقط .. د. سليمة إكرام  كشفت مؤخرا عن تفاصيل مائدة توت، وعرفنا أنه كان من محبى اللحوم، وتحديدا الريش، وكان يكثر من أكل الدوم والبلح، لأن العلماء وجدوا طعامه مطبوخا ومعدا لكى يستخدمه فى رحلته الى العالم الآخر!

رأيت كيف استثمر اليابانيون توت أكثر منا نحن وهو كان مجرد ضيف لشهور عندهم، ورأيت الأمريكان يكررون نفس الأمر بصورة مختلفة، ولم يبعد الفرنسيين كثيرا .. فماذا فعلوا؟
أقل عائد للاستثمارهو تذكرة الزيارة، التى عادة ما نحرص عليها فى مصر، لكنهم هناك وكما ذكرت فى هذا المكان ربما أكثر من مرة يحسنون تسويق واستثمار زيارة الفرعون ويجنون أرباحا ربما اضعاف ما يدفعونه للحكومة المصرية، حيث يصنوعون منتجات تستغل اسم توت ووهجه وبريقه الذى يصل إلى مرحلة السحر، يصنعون مثلا شيكولاتة توت، ومعكرونة توت، وتى شيرت توت و«نوت بوك» توت وحذاء وشنطة توت، وشوربة أو حساء توت، أى والله شوربة توت غنخ آمون .. مبيعات بالملايين ونحن نتفرج .. لماذا لا نقوم نحن فى مصر بهذا؟
أمامنا فرصة ذهبية مع افتتاح متحف مصر الكبير المرتقب، والذى سوف تكون مجموعة توت هى درة تاجه .. لماذا لا نستعد بهذا المشروع .. السائح يريد أن يعود الى بلده بتذكار «سوفونير» عليه بصمة توت؟

●●●

أيام ويستظلنا معرض القاهرة الدولى للكتاب .. دورة هذا العام اختبار حقيقى للوزيرة الجديدة د. نيفين الكيلانى، ولرئيس الهيئة الجديد الدكتور الشاب احمد بهى الدين، أى نعم هو كان نائبا لسنوات للدكتور هيئم الحاج على، الا أن موقع المسئول الأول يفرق كثيرا .. أتمنى أن تكون دورة متميزة تتلافى أخطاءنا المتوارثة .. خاصة فى اطار  التحديات التى أصبح يواجهها معرض القاهرة الدولى من قبل معارض عربية لم تكن فى نفسها فى يوم من الأيام شجاعة مقارنة نفسها بمعرض القاهرة.

شاركت قبل أسبوعين فى ندوة بمعرض جدة بدعوة من الروائى الشاب د. محمد حسن علوانى رئيس هيئة الأدب والنشر والترجمة منظمة المعرض، رأيت كيف اضطرت إدارة مرور جدة إلى إغلاق الطريق فى وجه المزيد من الزوار بعد أن توقفت الحركة داخل أروقة المعرض من شدة الازدحام .. رأيت هذا بأم عينى وليس من قبيل المبالغة، حدث فى عدة أيام وأثناء بث مبارايات كأس العالم .. يقرأون هناك بطريقتهم، واتجاهات وسلوكيات القارئ هناك وأولوياته ربما تفرق عن القارئ المصرى لتنوع واختلاف الأولويات والاهتمامات .. القراءة لن تموت مادامت الحياة.