أسرار جديدة في حياة الملك الشاب «توت عنخ أمون»

الدكتورة ماجدة أحمد عبدالله
الدكتورة ماجدة أحمد عبدالله

تكشف دراسة جديدة للدكتورة ماجدة أحمد عبدالله رئيس مجلس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ، عن حقائق وأسرار في حياة الملك الشاب «توت عنخ أمون» من خلال دراسة تنشر لأول مرة لواحدة من قلادات هذا الملك والذي كان يستخدمها في حياته ودفنت معه بالمقبرة.

اقرأ أيضا|افتتاح معرض للمضبوطات الأثرية بمتحف قصر الأمير محمد علي بالمنيل | صور

وتشير الدكتورة ماجدة عبد الله، إلى أن القلادة عثر عليها في صندوق على شكل خرطوش تم العثور عليها في مقبرة توت عنخ أمن وكانت تعرض بالمتحف المصري بالقاهرة ونقلت إلى المتحف المصري الكبير ويظهر بها ما كان يظنه البعض أنه شكل القمر في حين أنه يمثل الشمس المتلألئة في لحظة ضيائها بقوة   وأزهار لوتس مع براعمها ومن الواضح أن الملك كان يرتديها أثناء حياته.


وتضيف بأن البحث تضمن دراسة تلك القلادة ومدلواتها وأرقامها السحرية والكتابة المعماة فيها والتي توضح أن الملك الشاب حاول مواجهة مؤامرات رجال آمون الذين كانوا يضمروا له شرًا وحاولوا التخلص منه بالسحر والقوة التمائمية في واحدة من قلاداته، والقلادة طولها 40 سم مصنّعة من أحجار نصف كريمة، وكما سجلت في سجلات المتحف المصري؛ فهي عبارة عن قارب ذهبي وقرص شمس من الفضة مع ثقالة وسلسلة، وحددت مادة صنعها من الذهب والراتنج والكلسيت والألباستر المصري وحجر التافرتين وحجر اللازورد والفلسبار والعقيق الأحمر  والألكتروم والزجاج.

ويلقي خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، الضوء على هذه الدراسة موضحًا أن القلادة تشمل أربع أزهار لوتس متفتحة وهي التي عبّر عنها المصري القديم باسم «نفر» واسمها جزء من اسم «نفرتوم» أي الجمال الكامل، معبود منطقة منف ابن بتاح والمعبودة سخمت ومعها 13 برعم لنفس الزهرة وينطق بكلمة «نحبت»، وتمثل مرحلتين من النمو أحدهما أصغر من الأخرى وتبدو جميعًا باسقة ومزدهرة من علامة السماء المعروفة باسم «بت» في المصرية القديمة، وأن كل البراعم ذات اللون الأزرق الغامق مصنوعة من اللازورد أمّا ذات اللون الأزرق الفاتح مصنوعة من الفلسبار. والسماء من اللازورد الداكن الزرقة وهذا الشكل يمكن أن ينطق بكلمة «حرى أو حريو» أي على أو فوق.

ومن خلال رؤية الباحثة الدكتورة ماجدة عبد الله لهذه القلادة، فإن السماء هنا هي الرحم الذي حملت فيه براعم وزهور اللوتس وهي الحاضنة لبذرتها ويؤكد الفكر الديني المصري القديم هذه الرؤية إذ أعتبرت نوت ربة السماء هي أم الإله نفرتوم والتي تعتبر زهرته هي اللوتس والأم هي التي تهب الميلاد كل يوم للشمس طبقًا لنصوص كتاب الموتى في التعويذة رقم 42: "انظر لقد أخبرتك أني البرعم الذي يأتي من العمق وأمي نوت".

ويضيف الدكتور ريحان، بأن القلادة تتضمن لوحتين من الذهب أعلى النباتات عليهما الآلهتين واجيت (الحية) ونخبت (أنثى النسر) ربتى الشمال والجنوب وهما يمثلان اللقب النبتي للملك توت عنخ أمن يحميان اسمه ويمدان أجنحيتهما حول أسماء الملك واسم عرشه تقدما الأبدية شن (أي القوة والملكية) والحياة المفيدة  والتمام والكمال له ولأسمائه ويعلنا أن الملك وحد المملكتين وتحت حمايتهما.

وعندما يرتدي الملك الشاب هذة القلادة حول عنقه فإنه يمثل ميلاد إله الشمس الصغير «نفرتوم» في لحظة نماء اللوتس من التبة العليا التي تظهر في النون (المحيط الآزلي)، وهو نفس التمثيل الذي يتأكد لنا في قطعة أخرى منحوتة عثر عليها بمقبرة الملك تمثل رأس توت عنخ أمن كطفل تخرج من زهرة اللوتس وأنها تجسّد هيئة الملك الشاب بأنه نفرتوم بذاته وهو الإله الذي يمثل ميلاد إله الشمس في بداية الزمان خارجة من المحيط الأزلي نون ومن خلال النظر للقطعة يتضح أنها بملامح الملك الشاب نفسه.

وينوه الدكتور ريحان إلى استنتاجات الباحثة بأن هذه القلادة وأعداد أوراق الزهرة وتكرارها مع البراعم تشير إلى تكرار لأرقام سحرية؛ الهدف منها إعطاء قوة البعث للملك بعد موته والحماية والقوة والسلطة له أثناء ارتدائه لها في حياته اليومية والحفاظ عليه في صورة متجددة دائمًا، إذ يبدو أعلى علامة السماء تخرج أربع زهرات متفتحة، كل زهرة بها خمس ورقات، ورقم خمسة من الأرقام السحرية ومرتبط بأن المتوفي يتناول خمس وجبات، 3 في السماء و2 على الأرض وعند ضرب4 X 5 = 20  والناتج 20 هو الرقم الذي به قوة سحرية حيث يعود إلى 2 بحذف الصفر.

كما أن الزهرة الكبرى التي تمثل ثقالة القلادة تتكون من 9 ورقات بألوان مختلفة بينما كأس الزهرة من الذهب باللون الأصفر ويحيط بالزهرة برعمين من اللوتس وكل الزهور تشير للإله نفرتوم وزهرته اللوتس ولهذه الزهرة قوة تمائمية حيث أنها تحيط وترتبط بالملك الصغير وتحميه كإبن لها، وتتميز زهرة اللوتس بعدد بتلاتها الخارجية سبعة وهي لا تقبل أن تهجن مع أزهار أخرى ولذلك احتفظت بفرديتها ورقم 7 هو رقم ذو طبيعة سحرية يكمن بها قوة الكون والطبيعة، ولقد صوّرها المصري القديم في هذه القلادة بعدد 5 أوراق أو 9 أوراق في ساعة اكتمالها في النمو مثل ثقالة القلادة وكلها أرقام فردية تمنح الملك قوة سحرية على التجدد والقوة والسلطة والحماية وهو ما كان يحتاجه توت عنخ أمون في مواجهة مؤامرات تدور حوله.

كما كشفت الدراسة، أن المصري القديم أدرك معنى الأعداد السري أو السحري ولذلك تضمنها في هذه القلادة وبخاصة العدد 9 الذي يمثل الإنسان وما يعنيه من القوة والطاقة والدمار والحرب والسيطرة، كما يدل على الطاقة والطموح والزعامة والسيادة والسيطرة،  كما أن رقم 9 هو شعار المادة التي لايمكن تدميرها.

ويتضح في نصوص الأهرام مدى ارتباط الملك واللوتس، فهو الزهرة في يد إله الشمس، بينما في كتاب الموتى يؤكد قوة هذا المعبود فلا أحد يستطيع أن يسيطر عليه، وهذا ما كان يحتاجه توت عنخ أمون في حياته لمواجهة المؤامرات حوله.

كما كشفت أن الملك الشاب اعتبر نفسه هو نفرتوم في هيئته وقوته وأن آلهة مصر تحميه وأن "أمون" في اسمه يحميه. كما اتضح في الدراسة اسمه مكتوب على اللوحتين الذهبيتين بصيغة الكتابة المعماة أي السرية، ورغم ذلك فلم يساعد كل هذا الملك توت عنخ أمون في حياته وتم التخلص من الملك الشاب.