حبل عشماوي في انتظار ناكر الجميل

المجني عليه
المجني عليه

حبيبة جمال

تجرد من إنسانيته وتجمدت أحاسيسه ومشاعره، ولم يصن الجميل الذي قدمه إليه صاحب العمل طوال فترة عمله معه، ليرد له المعروف بقتله بأبشع طريقة؛ أطلق عليه الرصاص ثم أشعل النيران في جثته ودفنه بالصحراء وفي النهاية سرق أمواله وقوت أولاده والسبب ليعالج ابنه المريض، لغى عقله وتفكيره وقرر يعالج ابنه بأموال حرام، لم يكن ذلك الشيطان يدرك أن حلمه سينتهي بكابوس يضعه خلف قضبان السجن، بل تصبح طبلية عشماوي في انتظاره..تفاصيل مأساوية نسردها في السطور التالية.

داخل بيت بسيط بمنطقة امبابة تملؤه الطيبة، كان المعلم فرج يعيش، رجل في منتصف الأربعينيات من العمر، مع زوجته وأولاده، يعمل فرج في تجارة الأكياس البلاستيك، تاجر اتسم بالشطارة والأمانة، كل من يعرفه يحب التعامل معه، لم يدخر وسعًا في السفر كافة المحافظات لبيع تجارته، وكان ذلك يتطلب أن يكون لديه سائق خاص يصطحبه مع كل سفرية، فرشح له أحد أصدقائه شاب يدعى حمادة، في منتصف الثلاثينيات من العمر، ومنذ الوهلة الأولى توسم فرج فيه الشهامة والأمانة، لم يكن ذلك المسكين يدري أن هذا الشخص الذي وثق فيه سيكون سببا في موته وحرمان أولاده منه.

ظل حمادة يعمل مع فرج لمدة ٤ سنوات، خلال تلك المدة كان فرج يساعده بالأموال ويعطيه كل ما يطلبه ولم يبخل عليه بشيء، وفي يوم من الأيام طلب حماده منه مبلغ ٨٠٠ جنيه لعمل أشعة لنجله المريض، وقتها أبلغه فرج أنها ليست أمواله وإنما هي خاصة بالتجار ولا يملك أن يتصرف فيها، من هنا بدأت شرارة الحقد والطمع تسيطر على حمادة، نسي كل المعروف الذي قدمه فرج له، وتناسى مواقفه النبيلة ومساندته له عندما مرضت والدته، جلس يفكر مع نفسه كيف ينتقم منه، فلم يخطر بباله سوى أن يسرقه، أعد كل شيء، بداية من السلاح الذي يحمله فرج دائما معه حتى الأموال التي يحصلها من التجار ويعود بها لأسرته، وانتظر حمادة الوقت المناسب للتنفيذ، لم ينتظر طويلا، فوجد فرج يتصل به ويبلغه أنه سيسافر لمحافظة سوهاج ويريده معه، لمعت عيناه وشعر بالسعادة فأخيرًا سيحقق مبتغاه وينفذ ما خطط له.                                                                                 

يوم الجريمة

يوم الاثنين ١٠ سبتمبر ٢٠٢١، استعد فرج للذهاب إلى محافظة سوهاج، حمل بضاعته في خمس عربات نقل، ودع زوجته وأبناءه ثم ذهب بصحبة حماده، وصلا لسوهاج وسلما البضائع للتجار وتحصل فرج منهم على مبلغ مليون جنيه، ثم طلب من حماده أن يحضر له سيارة ملاكي تعود به للقاهرة مرة أخرى، فأبلغه حماده أنه سيأخذ سيارة أحد معارفه ويرافقه هو في الطريق خوفا من أن يعترضه أحد أو يسرق أمواله، فوافق فرج ولم يتوقع منه الغدر والخيانة، بالفعل استأجر حمادة سيارة من أحد الأشخاص مقابل ١٥٠٠ جنيه، وركب الاثنان السيارة، فرج يفكر في زوجته وأولاده ومستقبلهم، وحماده يفكر كيف ينفذ خطته الشيطانية، بدأ يحدث نفسه سرًا متى ينام حتى أحصل منه على سلاحه الناري واعتدي به عليه ثم أسرق الأموال و أفر هاربا، وفي ذات الوقت الذي كان الاثنان يضحكان فيه لتمضية الوقت، كان حماده يكتم غيظه وكرهه حتى نام فرج من التعب، ففتح حماده حقيبته وأخذ سلاحه الناري، فكر أن يضربه به على رأسه لكنه خاف أن يستيقظ ونظرًا لجسمه الضخم خاف أكثر منه، فقرر أن يطلق الرصاص عليه وهو نائم، قمة البشاعة، فصوب رصاصة ناحية رقبته خرجت من رأسه، أي قلب يتحمل هذا المشهد فما بالك بمن يرتكبه، ليصبح غارقا في دمائه، لم يكتف حمادة بذلك بل سحبه من السيارة للأرض وسكب عليه البنزين ثم أشعل فيه النيران، وحفر قبره ودفنه داخله، ثم أخذ الأموال وفر هاربا بالسيارة، وقف في منتصف الطريق ينظف السيارة من آثار الدماء، لكن بقيت بعض الآثار منها تحطم الزجاج موضع إطلاق الرصاصة على المجني عليه، وعندما عاد لصاحب السيارة أبلغه أن طفلا من أبناء الأسرة التي كان ينقلها هو من كسر الزجاج، وآثار الدماء تعود لكونهم كان معهم أكياس مليئة باللحمة، وأخذ صاحب السيارة المبلغ المتفق عليه بالإضافة لـ٥٠٠ جنيه تعويض عن الزجاج، وعاد حماده لبيته وكأنه لم يفعل شيئا.

على الجانب الآخر، كانت زوجة فرج تشعر بالقلق والخوف، فهاتف زوجها مغلق بعدما أبلغها أنه في طريقه للعودة، لم يكن أمامها سوى الاتصال بصديقه الذي رشح له حماده ليتصل به ويعرف سبب التأخير، بالفعل اتصل هذا الرجل بحماده الذي أبلغه أنه طلب منه النزول في حي الكوثر وعاد هو لبيته، لم يكن أمام الأسرة سوى تحرير محضر بالاختفاء في آخر مكان ظهر فيه، وكان لفرج شقيقة تعيش بمحافظة سوهاج وهي من حررت محضرًا باختفاء شقيقها، تم استدعاء حماده لقسم الشرطة لسؤاله مرة أخرى ولكن تلك المرة بصورة رسمية، وقال نفس حديثه إنه قام بتوصيله لمنطقة الكوثر ولم يعرف عنه شيئا، لكن بتفريغ كاميرات المراقبة تبين كذبه، وعندما واجهه رجال المباحث انهار واعترف بجريمته وأرشد عن مكان الجثة، وتم القبض عليه وتحولت القضية للجنايات.

قتل فرج تاركا خلفه أرملة وأطفال في ظلمة اليتم يواجهون الحياة وصعوبتها دون أب يسند او يراعي، حالة من الحزن سيطرت على أهالي منطقة إمبابة بالكامل، ودعوه لمثواه الأخير في مشهد مهيب حضره الكبار والصغار، الكل يتذكر مواقفه ووقوفه بجانبهم وقت الشدة قبل وقت الفرح، وأصبحوا يتمنون القصاص العاجل للمتهم.

القصاص

ظلت القضية متداولة داخل ساحات محكمة جنايات سوهاج لمدة ١٥ شهرًا، تولى فيها المحامي عادل أبو الشباب والمحامي مايكل نادي الدفاع عن حق المجني عليه، حتى أصدرت المحكمة حكمها العادل بإحالة أوراق المتهم لفضيلة مفتي الجمهورية لأخذ الرأي الشرعي في إعدامه.. ليصبح بهذا الحكم عنوان الحقيقة ويثلج قلوب أسرة فرج التي فقدته للأبد دون أي ذنب، لتطلق زوجته زغرودة ولكنها فرحة ممزوجة بالحزن لعدم عودة الزوج للحياة مرة أخرى.

اقرأ أيضأ: الإعدام شنقًا لعامل .. قتل مزارع وأصاب سيدتين بالرصاص في قنا