كنوز | مواقف لا تُنسى لـ«رب السيف والقلم» في ذكراه

الخديوى توفيق - محمود سامى البارودى باشا
الخديوى توفيق - محمود سامى البارودى باشا

في تاريخنا المعاصر رموز خالدة يجب ألا تغيب عن ذاكرة الأمة وإلا انقطع الماضي عن الحاضر والمستقبل وافتقدت الأجيال ما يجب أن تفخر به، ومن هؤلاء القامة والقيمة محمود سامى البارودي باشا المولود في 6 أكتوبر 1839 والذى غادرنا عن عمر يناهز 65 عاما في 12 ديسمبر 1904 بعد أن ملأ الدنيا بالشعر الرصين، والنضال الوطني من خلال المناصب القيادية التي تولاها لخدمة مصر.

فقد تولى حقيبة المعارف والأوقاف، وحقيبة الحربية، ورئاسة الوزراء، وكان من زعماء الثورة العربية، رفض خنوع الخديوى توفيق، فتعرض للنفى بعيدا عن وطنه، وكان من فطاحل الشعراء والعسكرية فاستحق لقب «رب السيف والقلم»، تأثروا بالمتنبى وأبى تمام والبحترى والشريف الرضى، وهو من أبوين من أصل شركسى، ترعرع فى حضن أسرة سياسية ثرية، والده كان ضابطا فى الجيش برتبة لواء، عُين مديرا لمدينتى بربر ودنقلة بالسودان، وأجداده كانوا ملتزمى إقطاعية إيتاى البارود بمحافظة البحيرة .

حصل البارودى على الابتدائية من مدرسة المبتديان الخاصة بأولاد الأكابر، وفى الثانية عشرة من عمره التحق بالمدرسة الحربية، وفى هذه الفترة ظهر اهتمامه بالشعر حتى تخرج والتحق بالجيش السلطانى وعمل بوزارة الخارجية ثم سافر للأستانة وأتقن التركية والفارسية والتحق بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية، وعندما سافر الخديوى إسماعيل للعاصمة العثمانية بعد توليه العرش ألحق البارودى بحاشيته وعينه فى إدارة المكاتبات بين مصر والأستانة.

لكن البارودى ضاق بالعمل الديوانى وحنّ لحياة الجندية فانتقل إلى الحرس الخديوى قائدا لكتيبتين من فرسانه، ثم اشترك فى الحملة التى ساندت الجيش العثمانى فى إخماد الفتنة بجزيرة كريت، وبعد عودته عين ياورا خاصا للخديوى إسماعيل ثم كبيرًا لياوران ولى العهد توفيق، وعاد للجيش مرة أخرى ليكون ضمن قادة الحملة التى حاربت فى أوكرانيا ببسالة وشجاعة وانعم عليه برتبة اللواء والنيشان المجيدى لِمَا قدمه من شجاعة وبطولة.

وعين مديرًا لمديرية الشرقية، وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر وقتها غارقة فى الديون، فتدخلت انجلترا وفرنسا فى سياسة مصر الداخلية، واشتعلت الحركة الوطنية بظهور تيار الوعى بقيادة جمال الدين الأفغانى، وعندما تولّى الخديوى توفيق أصبح البارودى وزيرا للمعارف والأوقاف فى وزارة شريف باشا، وأخذ يحض الخديوى على إصدار الدستور وتأييد الشورى، لكن الخديوى تراجع عن وعوده وقام بنفى الأفغانى وشرد أنصاره وأجبر شريف باشا على الاستقالة وأبقى البارودى وزيرًا للمعارف والأوقاف.

وعقب الثورة العرابية التى كان احد زعمائها تولى نظارة الحربية، وبدأ إصلاح القوانين العسكرية وزيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر لسوء العلاقة بينه وبين رئيس الوزراء رياض باشا الذى دس له عند الخديوى.. فى الرابع من فبراير 1882 أصبح البارودى أول رئيس وزراء منتخب من مجلس النواب، وعرفت وزارته بالوزارة الوطنية، وكشفت الأحداث عن مؤامرة لاغتيال عرابى والبارودى من ضباط جراكسة أدينوا بمحكمة عسكرية، لكن الخديوى توفيق رفض التصديق على الأحكام بتحريض من قنصلى انجلترا وفرنسا.

فأتفق مجلس الوزراء مع مجلس النواب على خلع الخديوى ومحاكمته إذا استمر على ما يمارسه من دسائس، وانتهزت انجلترا وفرنسا الخلاف فحشدتا أسطوليهما فى الإسكندرية بزعم حماية الأجانب، وقدما مذكرة بضرورة نفى احمد عرابى واستقالة الوزارة، رفض البارودى الطلب لكن الخديوى قبله، فقدم البارودى استقالته وانتهت الأحداث بدخول الإنجليز مصر والقبض على زعماء الثورة العرابية.

وحُكِم على البارودى وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى النفى المؤبد فى جزيرة بسريلانكا ظل بها 17 عاماً يعانى الوحدة والغربة، ساءت صحته وضعف بصره وتقرر عودته لتلقى العلاج بمصر فأنشد قصيدة العودة التى قال فيها «أبابلُ رأى العين أم هذه مصرُ فإنى أرى فيها عيوناً هى السحرُ»، وبعد العودة لمصر جعل بيته صالونا للأدباء يلتقى فيه مع أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وخليل مطران وآخرين، إلى ان لقى ربه فى 12 ديسمبر 1904 بعد سنوات النضال من أجل استقلال مصر ونيل حريتها، ولعل هذه الكلمات تضيء للشباب بؤرة ضوء تجعلهم يعتزون برموزهم وتاريخهم العظيم. 

«كنوز » 

اقرأ أيضا | كنوز | 127 عامًا على عودة جثمان الخديوي إسماعيل من الأستانة إلى مصر