ذكرى مؤامرة عزل الخديوي إسماعيل.. وقصة طرده من مصر

الخديوى إسماعيل
الخديوى إسماعيل

فى 26 يونيو 1879 اكتملت حلقات التآمرالبريطانى لعزل الخديوى اسماعيل فى مؤامرة خبيثه سايرتها فيها دولة الخلافة العثمانية، مضى 143 عاما على القرار الذى اتخذه السلطان العثمانى عبد الحميد بعزل الخديوى إسماعيل بضغط من انجلترا والدول الأوروبية بزعم عجزه عن تسديد ديون مصر، والحقيقة تؤكد ان انجلترا هى التى أبدعت أزمة الديون لتبريرعزل الخديوى إسماعيل بزعم أنه كان يعتزم عمل تفليسة ليتهرب من السداد، وانجلترا هى التى كانت تسعى لإعلان إفلاس مصر تمهيدا لاحتلالها والسيطرة على قناة السويس.

وكان الوزيران الأوروبيان فى حكومة نوبار يعدان مشروعا لإعلان أن مصر فى حالة إفلاس ولكن زعماء الحركة الوطنية المصرية تحركوا وأعدوا مشروعا مضادا يكفل ضمان تسديد ديون مصر من إيرادات الحكومة المصرية من قناة السويس، وقدم هؤلاء الزعماء اللائحة الوطنية الى الخديوى اسماعيل التى تتضمن تسوية الديون الأجنبية على أساس أن الإيرادات تكفى المصروفات والوفاء بحقوق الأجانب، وتعديل النظام البرلمانى.

الأمر الذى أزعج بريطانيا لأن مصر سوف تسيرنحو الديمقراطية والحرية والعمل على سداد ديونها، ورأت بريطانيا أن هذه اللائحة الوطنية ستبث روحا جديدة فى الحياة السياسية المصرية وستكون خطوة انتقالية فى تطور البلاد، وبطل هذه الحركة الوطنية هو شريف باشا الذى ارتبط اسمه فى تاريخ النضال والنزاهة والشرف ورفضه للهيمنة الأجنبية على مصر، ووقع على العريضة عشرات من أعضاء مجلس النواب والتجار والأعيان والعلماء والضباط وشيخ الإسلام وبطريرك الأقباط، ورحب الخديوى باللائحة الوطنية وأمر بترجمتها وإرسالها الى قناصل الدول الأوروبية التى رفضت مسلك الخديوى وارتماءه فى أحضان الشعب، وقبوله بمبدأ المشاركة الوطنية فى إنقاذ البلاد.

وتوجست انجلترا وفرنسا من الروح الجديدة التى بدت فى تدفق الدماء الوطنية والتفاف الشعب حول الخديوى وظهور زعامات وطنية تتحمل المسئولية وتبدى استعدادها للمشاركة فى تسوية أزمة الديون، وكل هذا يدل على أن مصر تسير فى طريق الاستقلال والتحرر من هيمنة الدولة العثمانية لبناء مصر الحديثة المستقلة، ولهذا أسرعت انجلترا فى خلع الخديوى وطرده قبل أن يتحول إلى رمز وطنى وتتطور الحركة الوطنية فى مصر إلى درجة تفسد خططها الدفينة لاحتلال مصر والسيطرة على قناة السويس !


جاء وكلاء الدول الأوروبية الى قصر عابدين لإبلاغ اسماعيل احتجاجهم على اللائحة الوطنية، لكنه أبدى عدم الاهتمام، وتطور الاحتجاج الى تهديد بخلعه وعزله وتعيين عدوه اللدود أخيه مصطفى فاضل بدلا منه، وقابل التهديد بعدم المبالاة، كان لديه أمل ضئيل فى أن تقف بجانبه الدولة العثمانية ولا تخذله، ولهذا أوفد مندوبا الى الأستانة محملا بالتحف والهدايا لعل هذه الهدايا تفلح فى إقناع السلطان بعدم الرضوخ لمطالب الدول الأوروبية بعزله، لكن الدولة العثمانية خيبت آماله بعد أن نجحت الدول الأوروبية فى الضغط على السلطان عبد الحميد وأجبرته على عزله وتعيين ابنه خلفا له، وفى صباح 26 يونيو 1879.

أصدرالسلطان قرارعزل الخديوى اسماعيل وتسلم السلطة لابنه توفيق، وغادر مصرعلى متن المحروسة وكان يأمل فى أن يقضى بقية أيامه فى الأستانة إلا أن السلطان عبد الحميد كان غليظ الفؤاد وحرم عليه أن يقيم فى أى بلد من ممتلكات الدولة العثمانية، فرحل إلى إيطاليا التى رحبت به، وبعد فترة أخذ يستعطف السلطان عبد الحميد ليسمح له بالإقامة فى قصره الذى اشتراه على ضفاف البوسفور وجعله مقرا ومأوى له، ووافق السلطان ولم يكن يدرك الخديوى إسماعيل أنه كان كالمستجير من الرمضاء بالنار فقد كانت إقامته فى القصر أشبه بحياة العصفور فى القفص.

أحاط به الجواسيس وضيقوا عليه الخناق، ولو علم اسماعيل أن حياته فى نابولى خير من حياته فى الأستانة لما استبدل القيد بالحرية فقد عاش فى تركيا ما تبقى له من العمر وهو معذب النفس عليل الجسد فاقد الأمل لا يطمئن إلى الحياة ولا تطمئن الحياة إليه ولا يسالمه الدهر، ورفض ابنه الخديوى توفيق كل محاولات عودته إلى مصر مرة اخرى خوفا على العرش، إلى ان تعرض الخديوى إسماعيل لإغماءة طويلة استدعت نجليه الأميرين أحمد فؤاد وإبراهيم حلمى فى 17يناير1895 وقال لهما وهو.

يصارع آلامه: «إذا مت فادفنونى فى مصر مقر جدى وأبى ومواطن آلامى وأحلامى الذى عشت وتمنيت سعادته وحرم علىّ العودة إليه»، وظل يعانى إلى ان لفظ أنفاسه الأخيرة فى 2 مارس1895، مات اسماعيل بعد ما قضى 16 عاما فى منفاه، وسمح السلطان العثمانى بنقل جثمانه الى مصر وأقيمت له جنازة مهيبة ودفن فى مسجد الرفاعى، تاركا خلفه مصر التى جعلها قطعة من أوروبا.

من كتاب « محمد على وأولاده »

اقرأ أيضا

كنوز | 127 عامًا على عودة جثمان الخديوي إسماعيل من الأستانة إلى مصر