محمود الوردانى يكتب : بمناسبة بهاء طاهر (4)

محمود الوردانى
محمود الوردانى

[email protected]

أختتم هنا ما سبق أن بدأته قبل ثلاثة أسابيع، حول الدور الذى لعبه جيل ستينيات القرن الماضى، فى الحياة الأدبية المصرية. 

وأود أن أشير إلى أنه فى أعقاب 15 مايو 1971، حدثت تغييرات عنيفة فى المجال الثقافى وليس السياسى وحده، فتم الإتيان بوجوه كانت فى الظل لعدة عقود لتتولى جميع المناصب، والإطاحة بمن كان موجوداً (ومن بينهم بهاء طاهر مثلاً الذى كان نائباً لمدير البرنامج الثقافى فى الإذاعة وكاتباً مرموقاً ومخرجاً) وبعد سنوات قليلة اضطر للهجرة وعمل مترجماً فى مقر الأمم المتحدة فى سويسرا، مثلما هاجر عشرات من الكتاب والمفكرين والسياسيين من خلاصة عقول مصر وأكثرهم تأثيراً إلى مختلف العواصم العربية والأوروبية.


 وصرّح الرئيس السادات فى خطاب له بأنه لن يسمح بتولى ملحد أى منصب فى الإعلام فى عهده، فكان هذا إيذاناً بهجوم الغربان فى حرب اعتبروها مقدسة للاستيلاء على كل المواقع وتطهيرها من اليساريين.

واختطاف الغنائم ونهشها. وكان السادات يعرف جيداً كيف يصوغ عباراته، ويعلم أيضاً أن التغييرات التى يهدف إليها لا علاقة لها بالإلحاد، لكن مسوح وأدوات الرئيس المؤمن كانت هى المطلوبة.


وهكذا وفى غضون عام واحد لم يعد باقياً على المذاود إلا أنصاف المواهب غالباً، والصحف التى اعتادت نشر المواد الثقافية قفز عليها من كانوا أقل من أن يتم التعامل معهم، وهو ما تكرر فى مختلف المواقع، وشهدنا انهياراً فى المسرح والسينما والكتاب والمجلة.


 وكانت المفاجأة أن جيل الستينيات وموجة السبعينيات قاما بمقاطعة جميع المنابر على نحو تلقائى ودون اتفاق مطلقاً، وإذا أخذنا فى اعتبارنا أنه لم تكن هناك جهة أو تجمع أو حتى منظمة سرية وراء مثل ذلك القرار التلقائى، لأدركنا خطورة وأهمية المقاطعة التى استمرت نحو عقد من السنين.


 وبسبب المقاطعة هاجر الكتُاب بأقلامهم إلى الصحف والمجلات العربية، وفى الوقت نفسه اتجه بعضهم لذلك «الاختراع» المدهش المقاوم وهو مجلات الماستر. صحيح أنها تطبع أعداداً قليلة جداً، لكنها منابر حُرة ولا تخضع لقانون المطبوعات أو لأنصاف المواهب المحتلين للمناصب.

ولم يكن مصادفة أن من بدأ ذلك السيل من مجلات الماستر الفنان التشكيلى الراحل محمود بقشيش بمجلته «آفاق» التى نشرت فى كل عدد نصاً واحداً لأحد الكتاب، ونشر فى تلك المجلات كتاب راسخون من جيل الستينيات فى زمن المقاطعة مثل جميل عطية ابراهيم وجمال الغيطانى، بل نشر فيها إدوار الخراط أحد نصوصه،.

وأصدر عبد العزيز جمال الدين مجلة «مصرية» رفيعة المستوى، ونزلت إلى الميدان عشرات المجلات، خصوصاً أن الموجات التالية - السبعينيات وحتى التسعينيات- ظلت ترى فيها المتنفس الوحيد، كما شهدت تلك الفترة مجلات مطبوعة أخرى مثل «خطوة» و«الكتابة الأخرى» وغيرهما.


وهكذا لم يكن جيل الستينيات كما صوّره البعض فى أعقاب ما كتبته الأستاذة صافيناز كاظم بعد رحيل بهاء طاهر، مجموعة من الكارهين والنمامين وكتَّاب التقارير فى بعضهم البعض. جيل الستينيات ضم مجموعة محترمة ومتفردة من كتاب القصة والرواية والشعراء والنقاد الذين شكّلوا صفحة عظيمة من صفحات الثقافة والحرية ومقاومة الاستبداد، وما زالت نصوصهم باقية لم يُبلها الزمن.

اقرأ ايضا | محمود الوردانى يكتب : بمناسبة بهاء طاهر (٣)