قتل أمه وشقيقه.. قضية من نوع خاص

المريض النفسي
المريض النفسي

مصطفى منير

جريمة الشاب الذي قتل أمه وشقيقه وشرع في قتل شقيقته وزوجها قبل عام تقريبًا وشهدت أحداثها محافظة الجيزة، وبعيدًا عن أحداث القضية التي لا تزال محكمة الجنايات تنظرها؛ تطرح تساؤلًا مهمًا بعدما حدث تطور رهيب في القضية عندما قدم الاستشاري النفسي الجديد الذي انتدبته المحكمة بناءً على طلب الدفاع تقريره الذي جاء مخالفًا لتقرير اللجنة الفنية بالطب الشرعي التي أكدت أن المتهم مسؤول عن أفعاله بادعاء المرض النفسي، وهذا ما نفاه الدكتور إبراهيم مجدي بعد مناظرته الحالة بعدة جلسات بمحبسه، وأن المتهم حالة نفسية كاملة تحتاج إلى العلاج.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا جاء هذا الاختلاف بين تقريرين أحدهما للطب الشرعي والثاني لاستشاري نفسي وافقت المحكمة على انتدابه للكشف على المتهم في محبسه؟!، والسؤال الأخطر هل من الوارد أن يحدث الخطأ خاصة في ظل تقنيات حديثة أصبح يستعين بها الأطباء النفسيون مثل الاستعانة بإجراء رنين مغناطيسي على مخ المريض النفسي وغيرها من التقنيات الأخرى الحديثة في الطب النفسي.

محمود بدوى محامي المتهم:تقرير الاستشاري النفسي سوف يرسخ لواقع جديد في التعامل مع المجرمين الجنائيين من المرضى النفسيين

ولا زلنا نؤكد أننا لسنا في موضع الدفاع عن متهم بقتل بعض من أفراد أسرته، فهذه جريمة تنظرها المحكمة، ولكننا نرصد هنا من خلال متابعتنا لجريمة هذا الشاب البشعة خلافًا نشأ بين تقريرين؛ أحدهما للطب الشرعي أقر فيه بمسؤولية المته عن أفعاله، وتقرير آخر لاستشاري طب نفسي انتدبته المحكمة بعد طعن المحامي محمود بدوى دفاع المتهم  في تقرير اللجنة الأولى؛ وأثبت فيه عدم مسؤولية المتهم عن أفعاله خاصة وأن اللجنة الطبية الأولى عندما قدمت تقريرها ناظرت الحالة بعد عام من ارتكابه الجريمة؛ في حوارنا مع محمود بدوى محامي المتهم الذي وكلته شقيقته – وهي كانت من ضمن الضحايا – فجر أمامنا مفاجأة؛ وهي أن الأطباء النفسيين الذين اطلعوا على تقرير استشاري الطب النفسي أشادوا به، ليس هذا فقط وإنما أيضًا سوف يرسخ لواقع جديد في التعامل مع المجرمين الجنائيين من المرضى النفسيين، وإلى نص الحوار.

< فى البداية لماذا قبلت قضية "المريض النفسي الذى قتل أسرته" بالرغم من أنها تبدو صعبة؟

قبولى للقضية والدفاع عن المتهم كان نابع من ايماني ان المتهم غير مسؤول عن افعاله، وتلك القضية فى طرحها الأول تبدو صعبة وخصوصاً أنها كانت أشبه بقضية رأي عام، وتحدث الجميع وقتها أنها مجزرة عائلية  والسفاح الذى قام بقتل والدته وشقيقة وشرع فى قتل زوج شقيقته "خضت" الجميع، لدرجة أنه كان هناك تعامل بحده مع المتهم، حتى أن الأخت الكبيرة والتى كانت شاهده على الواقعة كاملة ورأت أمها جثة غارقة فى بركة دماء، وشقيقها الذى توفي بين يديها، وقتها كان شقيقها المتهم "المريض النفسي" يجلس ويدخن سيجارة وكأنه لم يرتكب جريمته البشعة، استدعوها فى النيابة العامة بالرغم من انهيارها العصبي وقتها  وحصولها على مخدر داخل المستشفى بأمر الطبيب لتهدئة حالتها للتحقيق معها فى الواقعة، تلك القضية كانت لدي اثنين من المحامين الزملاء لكنهم رأوا انها قضية منتهية بالرغم من اضافة تاريخه المريضى لأوراق القضية.
وبعد دراسة تفاصيل القضية والحديث مع أهلية المتهم والضحايا، أكتشفت أن كلامهم فى النيابة عكس الكلام الذين يخبرونه لي، وأقوال المتهم فى النيابة تدل على انه غير مدرك لتفاصيل اعترافه وغير مسئول عما يقوله، وقتها قبلت القضية، وأجريت عدول الشهادة لأهلية المتهم، وكان لدي ثلاثة طلبات أولهم كان بناء على تسجيل صوتى لوالدة المتهم "الضحية" تتحدث مع طبيبه المعالج بعد خروجه وتؤكد له حالة الهياج فكان الطلب "شهادة الطبيب المعالج" والذى أكد ان التسجيل سليم، وان المتهم فى حالة عدم تناول الدواء كما كانت تؤكد والدته الضحية يصاب بحالة هياج والأعراض تزيد، الطلب الثاني سماع أقوال الشهود مرة ثانية وتم تسجيل عدول أقوالهم وتوثيقها وأكد زوج شقيقته الذى شرع المتهم فى قتله أنه لا يتهمه بشئ وأن جميع أفراد اسرته تعلم مرضه النفسي وله مواقف كثيرة تؤكد ذلك كتعديه على الجيران فى الشارع وغيرها لدرجة أنهم نقلوا سكنهم بسبب أفعاله، والطلب الثالث هو عمل تقرير طبي نفسي استشاري، واستندت فى ذلك على عوار موجوده فى تقرير الطب الشرعي.

< هل تقرير الطب الشرعي أحياناً يأخذ رأيه ببشاعة الجرم وليس المرض؟

للأسف هذا يحدث أحياناً، وفى بعض الأحيان المجتمع يحكم على المتهم قبل صدور حكم هيئة المحكمة، ولذلك دائماً يقال أن القاضي لا يحكم فى قضية بحكمه الشخصي بل ما تحويه الاوراق بادلة.
عندما جاء تقرير الطب الشرعي النفسي صعب الموقف وخصوصاً أنه يؤكد أن المتهم سليم، بالرغم من تاريخه المريضى، ومن ضمن الامور الصعبة عندما بدأنا البحث عن طبيب نفسي لعمل تقرير طبي نفسي استشاري كان يرفض كتاية التقرير بالرغم انهم اسماء لامعه فى الطب النفسي، وأكتشفت أن اللجنة التى اصدرت التقرير النفسي للمتهم، وخصوصاً من ضمنهم طبيبة مسؤلة عن تصاريح الاطباء النفسيين  واصدار التصاريح للمستشقيات الخاصة وناقشت رسائل ماجستير،  ووفقنا الله وتقابلنا مع الدكتور ابراهيم مجدي و تم عمل التقرير الاستشاري.

< ماذا كان انطباعك عن أول مقابلة مع المتهم؟

فى أول حوار دار بيني وبين المتهم داخل محبسه، كانت علامات المرض النفسي ظاهرة بشدة، واجاباته لا علاقة لها بالأسئلة، هو يعترف بالجريمة ولكنها عملية حقن مجهري، وأن مكتبه فى مكان محبسه منفصل تماماً عن الواقع.

< هل أحداث تلك القضية ستكون ترسيخ لمبدأ جديد فى مثل هذه القضايا أمام المحكمة؟

بالطبع ما يحدث فى تلك القضية، وفكرة الاستعانة بتقرير طبي نفسي موازى، ليس معناه الطعن فى الأطباء أو في التقارير، ولكن نتحدث حول فكرة مهنية بحته، فهناك قواعد ثابتة وهناك تطور علمي لا نواكبه فى مثل تلك القضايا، فالتقرير يفتقد الدليل القاطع للمحكمة وخصوصاً ما ظهر من تطوير علمي، وهدفنا هو الاستعانة وتطبيق كل شئ يخدم الحكم النهائي، وطلبنا اعادة طرحه على لجنة جديدة لكتابة تقرير والاجابة على سؤال هل هو كان مسئول أم لا.. فلا نشك انه ارتكب الجريمة، ولكننا نسعي لتوفير كل تفاصيل المتهم قبل الحكم، فالمتهم فى تلك القضية كان فى وضع الدفاع ولديه أوهام انهم يهاجموه وهذا لم يحدث، لم يهرب بعد ارتكاب الجريمة بل جلس يدخن السجائر حتى لحظة القبض عليه.. من الجانب المضئ أننا وقفنا أمام هيئة محكمة مستنيرة، مكنتنا من ضمنات واتاحة لنا الفرصة فى توضيح وجهة نظرنا، وخصوصاً ان الاطباء النفسيين الذين اطلعوا على ما يحدث فى القضية اشادوا به.. و أظن انه سيرسخ لواقع جديد للتعامل مع المجرمين الجنائيين من المرضي النفسيين.

< احياناً يتم استغلال كلمة المرض النفسي للهروب من اثار الجريمة.. كيف يتم التعامل ووضع الحد لحماية المريض النفسي والتفرقة بينه وبين مدعي المرض للهروب من العدالة؟

فى جميع الأحوال يتم تطبيق العقاب، ولكن هنا تختلف طريقة التطبيق والمكان الذي سيقضى فيه عقوبته، ومن الصعب أن يتم تصديق المدعي، فهناك أطباء يكشفون الحقيقة، وهناك طبيب نفسي يخاف على سمعته و يدرس حالة المتهم بعد قرأءة كل أرواق القضية والجلوس مع المتهم.

< فى حالة ارتكاب مريض نفسي لجريمة واثبات ذلك للمحكمة.. هل يعفى من العقوبة أم يتم ايداعه بمستشفى للأمراض النفسية لقضاء عقوبته؟
لا يتم اعفاء المريض النفسي من العقوبة، ولكن ما نسعى له هو توفير الظروف الكاملة للمحكمة للنطق بالحكم العادل، وهنا يتم إيداع المتهم "المريض النفسي" فى المستشفى فهو يمثل خطورة على نفسه وعلى الأخرين، حتى شفائه وانقضاء العقوبة أو يظل مدى الحياة، فهناك امراض نفسية خطيرة لا يمكن العلاج منها ولكنه يمكن تحديده بالعلاج، وفي حالة تلك القضية كان المريض فى المرحلة الرابعه الخطيرة جداً.
وكي أكون صادقاً هناك من يحاول صناعة تاريخ مريضى من أجل ارتكاب جريمة، ولكن أنا اثق بكشف المريض النفسي من المدعي، وخصوصاً بتطور الحالة العملية فى الطب بشكل عام والطب النفسي بشكل خاص.

< هل مازال الجهل مسيطر و الخوف من وصمة العار يتسبب فى كوارث وجرائم؟
للأسف هناك من يخاف من العار وكان لدي قضايا يرفض فيها الأهل الاعتراف بالمرض النفسي وتقبل الحكم مهما كان، وعدم الكشف عن مريض نفسي فى العائلة متصورين أنه سيجلب العار للعائلة بأكملها، ومن وجهة نظري يجب ان نعيد النظر فى التعامل مع المرضي النفسيين سواء ارتكبوا جرائم  أو لم يرتكبوا، وصياغة واقع مجتمعي جديد للتعامل مع المرضي النفسيين.

د.إبراهيم مجدي: لهذا السبب أخطأت اللجنة الطبية .. وأطالب باستخدام وسائل حديثة فى علاجه

  في ظروف استثنائية قد تقع جريمة قتل داخل الأسرة؛ حين يُقدم ابن على قتل بعض من أفراد أسرته؛ صحيح أن الضحايا هنا «أرواح بريئة» ولكن قد نفاجأ بأن المتهم «مريض نفسي»؛ مثلما حدث منذ عام عندما قتل شاب والدته وشقيقه وشرع في قتل شقيقته وزوجها، وجاء تقرير الطب الشرعي يؤكد أن المتهم مسؤول عن أفعاله وقت ارتكابه الجريمة البشعة، ولكن شقيقة المتهم التي كادت أن تلقى مصرعها هي الأخرى وقت ارتكاب شقيقها للجريمة طلبت من المحكمة من خلال محاميها عرض شقيقها على خبير نفسي، فهي أدرى الناس بشقيقها؛ وحمل تقرير الخبير النفسي الجديد مفاجأة لم تكن في الحسبان، وهنا يثار السؤال: ما الفرق بين التقريرين، تقرير اللجنة الأولى وهي تضم أطباء نفسيين، وتقرير الطبيب النفسي الأخير الذي قدمه للمحكمة عن حالة المتهم وقت ارتكابه للجريمة؟!، ولماذا جاء الاختلاف بين التقريرين؟، وبعيدًا عن هذه القضية التي سوف نحكي عنها نجد أنفسنا أمام أسئلة تلح على عقولنا: لماذا تخاف الأسرة التي لديها مريض نفسي من علاجه وبالتالي قد يتحول في لحظة الى مجرم؟، متى تتغير نظرتنا للطب النفسي في مصر؟، هل نعتبر إدمان المخدرات من الأمراض النفسية؟، وغيرها من الأسئلة الأخرى المهمة يجيب عليها الدكتور إبراهيم مجدي في حواره مع «أخبار الحوادث»، وإلى نص الحوار.

< فكرة التعامل مع الطب النفسي .. ولأي درجة يُنظر للمرضى النفسيين على أنهم أشخاص طبيعيين و لكن جرائمهم الكارثية تكشف خطورة مرضهم؟

للأسف مازال الجهل يسيطر على الكثير من العقول بالرغم من الطفرة التعليمية، فهي تبدأ بمراحل مختلفه، أولها عدم الاعتراف بالمرض النفسي مبكرًا وتجد المبررات مثل أنه «محسود، مسحور، ومعموله عمل» الثقافة الشعبية المصرية والتى للأسف لديها معلومات مغلوطة وتنم على الجهل، وهنا يتم رفض الأسرة الاعتراف بالمرض النفسي.

< هل خوف الأسرة من «وصمة العار» قد تحول المريض النفسي لمجرم؟

للأسف هناك الكثير من الأسر يعلمون تمامًا أن لديهم أحد أفراد الأسرة يعانى من مرض نفسي، ولكنهم يتجهون للخرافات والدجل، خوفًا من وصمة العار، ويتم الحديث حول أنه ضحية لعمل خارجي وقوة أكبر من طاقتنا هي التى تؤثر عليه، وأنه كان طبيعي جداً حتى مرحلة معينة وبسبب الحسد والدجل هذا ما يحدث، وللأسف تجدهم يذهبون به لدجالين لإثبات ما يرددونه، ويرفضون الذهاب لطبيب نفسي خوفًا من العلاج والادوية النفسية ظنًا أنه وصمة العار تلاحق العائلة بأكملها.

< المصحات الخاصة فى بعض الاحيان تسمح بخروج المريض النفسي بالرغم من خطورته؟

إذا اعترفت الأسرة بالمرض النفسي، وقررت إيداعه إحدى المستشفيات النفسية هناك مشكلة، ستجد أن هناك مستشفيات حكومية ومستشفيات خاصة، فالمستشفيات الحكومية قليلة جداً بالمقارنة بما يحتاجه المريض، فهم 26 مستشفى تحتوى على 4 آلاف سرير على الأكثر فقط، والقطاع الخاص لم يكن عددهم كبير أيضًا، وللأسف هناك أسر يطالبون المستشفيات بخروج المريض من المستشفى، وفى المستشفيات الخاصة هذا يحدث بناء على طلب الأسرة أو أن الأسرة رفضت استكمال دفع المصاريف، وفى تلك الحالة يتم إرسال المريض للمنزل بمندوب، وكتابة الادوية له.

< هل يتم «الحجز الإلزامي» لمريض ثبت خطورته على نفسه والآخرين خصوصًا أن هناك مرضى نفسيين ارتكبوا جرائم ولهم تاريخ مرضي ولكنهم خرجوا؟

بالفعل يتم حجز المريض إلزاميا، وقد تتعدى نسبة الموجودين بمستشفيات الصحة النفسية الحكومية 85% محجوزين إلزامى، ولكن للأسف هناك أسر تعلم خطورة المرض النفسي لدى أبنائها ويطالبون بالخروج، وهنا يتم كتابة تقرير بخروج المريض بناء على طلب المريض، وهناك بعض الأطباء يؤكدون على أن المرض النفسي نسبة خطورته لا تتعدى الـ 10 % و أن المريض ليس عنيفا طول الوقت، ولكن تلك النسبة التى يتصور البعض انها ضعيفة، تسبب الكوارث وهناك جرائم وحوادث تؤكد ذلك.

< ما هي الأمراض النفسية التى تبدو عادية وليست خطيرة لدى الأسر والمحيطين بالمريض، ولكنها تمثل خطورة شديدة على المريض نفسه وعلى الأسر؟

ابرزهم «الفصام الذهاني» وفى ذلك المرض يعاني المريض من ضلالات وهلاوس سمعية و بصرية، ويتصور المريض أن هناك من يعتدي عليه سواء بالنظرات والألفاظ وتأمره بأشياء معينة ويتحكم فيها، وضلالات شك وأحيانًا تكون ضلالات عظمة وكأنه معه رسائل دينية أو علمية، وللأسف هذا المريض احيانًا يلجأ للمخدرات للتهدئة ولكنها تسبب الكارثة.
وهناك مرض «الاضطراب الوجدانى ثنائي القطب» وهو ما بين الاكتئاب والهوس؛ فمريض الاكتئاب هو خطير جدًا وخصوصاً أنه أقرب للانتحار واحيانًا يفكر فى التخلص من حياته وحياة من يحبه خوفًا عليه من المستقبل «فتجد رجلا يقتل اطفاله وزوجته وينتحر، والاكتئاب ما بعد الحمل».

الهوس والشك؛ هنا تجد المريض يشعر أنه يمتلك العظمة فى رسالته فتجد أنه يدعى انه المهدي المنتظر ويدافع عن فكرته وقد يتخلص من كل من يحاول تكذيبه، والشك هنا يكون اقرب لصوت يتردد فى ذهن المريض واحيانًا يتعايش المريض مع هذا الصوت وكأنه حقيقة، يبدأ هنا بسماع عبارات تثير الشك فيمن حوله، مثل جرائم الأزواج التى تحدث، فتجد رجلا يقتل زوجته بسبب الشك دون دليل.
والذهان بأنواعه مرض شديد الخطورة، وهناك اضطراب الذهان المؤقت يستمر لمدة شهر، وهنا الكارثة، فتجد الأهل يعتقدون أنه أصبح سليمًا ولكنه مازال فى الاضطراب المؤقت وقد يرتكب كارثة بشكل مفاجئ دون سابق إنذار.

< هل المخدرات قد تؤدي لأمراض نفسية؟

بالطبع المخدرات قد تؤدي إلى مرض الاضطراب الوجدانى، ومرض الانفصام وهو مرض نفسي شديد الخطورة وممكن أن تؤدي إلى مرض الاكتئاب والهوس، ويتحول الشخص لقاتل فى لحظة، وهنا لابد من متابعة الحالة الكاملة للمريض، فهنا يتم محاسبته على المخدرات دون معرفة السبب الحقيقي وراء الجريمة.

وبالمناسبة الحشيش هناك من يعتقد انه مخدر عادي ولكنه قد يحول المدمن لمريض نفسي حيث يزيد لديه الفصام وضلالات الشك والاوهام و قد يتحول لقاتل.. وبشكل عام كافة المخدرات تحول الانسان العادى لمريض نفسي شديد الخطورة.

< هل من الممكن أن يتم عمل مسح طبي نفسي لطلاب المدارس والجامعات لاكتشاف الأزمات النفسية مبكرًا؟

اقتراح هائل بالطبع، ولكن تواجهنا مشكلة تقبل الأسر «أولياء أمور الطلاب» للفكرة، وإن حدث هذا المسح الطبي النفسي الشامل سيساعد كثيرًا فى اكتشاف الأمراض النفسية فى بدايتها، وسيساعد من الحد من الجريمة، فهناك شخصيات بطبعها تميل للجريمة.

< ما هى ظروف القضية التى طلبك فيها الدفاع كشاهد خبير؟

شاب يبلغ من العمر 29 عاما يقيم مع أفراد اسرته فى أحد الاحياء الهادئة بالجيزة، هذا الشاب قتل والدته وشقيقه وشرع فى قتل شقيقته وزوجها، وبعد ما ارتكب جريمة القتل كان متبلد المشاعر لدرجة أنه بعد ارتكاب الجريمة جلس بجوار الجثث والمصابين يشعل سيجارة، بالنظر لتاريخه المرضي، اكتشفت انه كان محجوز قبل ارتكاب الجريمة فى إحدى المستشفيات الخاصة للعلاج النفسي، واستمر فيها لمدة 3 أشهر، ووقتها أسرته قررت إيداعه بسبب تصرفات العدوانية واوهام وضلالات حيث يهيم على نفسه واعراض سلبية اخرى تجاه نفسه وللآخرين، والمصحة اكدت أنه يتحسن جزءًا، واستمر على العلاج لفترة قصيرة وتوقف بعد ذلك، وفي يوم الحادث اعتقد المريض انهم يتحدثون عليه وغضب تجاه اسرته، فقرر مواجهتهم وارتكب جريمته البشعة، وتم ضبطه من قبل الشرطة.

وبعد سنة من ضبطه تم عرضه على اطباء نفسيين، وهنا حدث خطأ كبير فبعد تلك الفترة قد يتحسن المرض أو تخف اعراضه، كما كان فى ذروة مرضه، وتم عرضه على المحكمة مرة اخرى بتقرير الطب الشرعي، وهنا طلب الدفاع التى وكلته شقيقة المتهم، بتقرير موازى للتقرير.

لا أنكر عندما قرر المحامي الحديث معي حول كتابة التقرير، فوجئت ببشاعة الجريمة، ولكن قررت أن اقرأ ما هو موجود قبل الحكم بدافع الامانة العملية وهو «اعترافات المتهم وتاريخه المرضي وشهادة الشهود، والتقرير المكتوب، وشهادة الطبيب المعالج»، وبعد الاطلاع على كل ذلك انتابنى الفضول للجلوس مع المريض نفسه وشقيقته التى وكلت المحامى وكانت من ضمن ضحاياه.

ذهبت بالفعل للمريض داخل محبسه وفوجئت بالمريض فى حالة صعبة للغاية، وبالنقاش معه، فوجئت بإجابته المليئة بالعظمة غير مترابطة وغير متناسقة، وهو غير مدرك فى أي مكان وعندما سألته انت فين اجاب انا فى مكتبي، وعندما سألته انت شغال فين فوجئت به يؤكد انه فى احدى الشركات العالمية للتكنولوجيا وهو المسيطر على دول الصين وهو لم يسافر الصين من الاساس، واجابات غريبة فى هذا السياق، وقتها ادركت اننى امام حالة نفسية كاملة وغير مدعى بالمرض.

وبالحديث عن الجريمة معه كان رده انه قام بعمل إجرامي يتمثل في عملية حقن مجهرى.

< ما تعليقك على التقرير الطبي للجريمة؟

للأسف التقرير الطبي كان بعد سنه من ارتكاب الجريمة وبعد الاطلاع على التقرير فوجئت بان اسم المستشفى التى كان يتم علاجه فيها قبل الجريمة مكتوب خطأ، واعتقد أن التقرير كتب بناءً على بشاعة الجرم وليس المرض نفسه، واعتقد ان التقرير المكتوب هو حكم لرحمته مثلاً وإحالته للإعدام، ولكن ليس من حق الطبيب الحكم، فلابد من كتابته بالامانة العلمية دون النظر لملابسات الجريمة وبشاعتها، والاعتماد على عدم التشكيك فى التقرير.

< ما هي طلباتك فى التقرير المقدم للمحكمة؟

أن يتم إيداعه فى مصحة نفسية، ويتم علاجه، وعرضه على لجنه اخرى، والاستعانة بالتقنينات الحديثة وخصوصا ان هناك ابحاثًا علمية تؤكد أن هناك اشاعات تثبت المرض النفسي «الرنين المغناطيسي الوظيفى على المخ، ورسم المخ الممتد، والمسح الذري للمخ» لمعرفة ان كان  هناك خلل من عدمه.

وانهى الدكتور ابراهيم مجدي حديثه معنا قائلاً: أنا لست مدافعًا عن المتهم، ولكن ما اريد توضيحه هي الحقيقة، أرى ان ما حدث فى تلك القضية فرصة تاريخية للتعامل مع القضايا المشابهة.. وعدم الاعتماد على العنصر البشري فقط والطب النفسي الشرعي فقط، فهناك اساليب علمية لابد من استخدامها للوصول للحقيقة المطلقة ولابد أن نحتكم للعلم.. والقضاء استجاب لما قلته وهذا قد يكون تحول فى التعامل مع المريض النفسي الذى يرتكب جرمًا.

أقرأ أيضأ : تأجيل محاكمة أمريكي هارب و11 مصريا بتهمة تهريب الآثار لجلسة 7 فبراير