صدى الصوت

اكتشاف مباشر

عمرو الديب
عمرو الديب

منذ استمتعت بكتابة المرجع «تاريخ البحرية المصرية»، وتصديت إلى عرضه على هذه الصفحة من نحو ربع القرن، وأنا أترقب ظهور أى مؤلف له لأزداد استمتاعا بقراءة متعمقة فى صفحات يسطرها قلم متأمل واع لايكتفى بالتزام الدقة فى إيراد الوقائع، وتسجيل الأحداث، بل يضطلع دائما بأعباء البحث الجاد الشاق وراء الظواهر والتفاصيل،

وقد تعودت منه بعد متابعتى لمؤلفاته التى تتابعت فى - دأب - أننى ضامن لجنى الثمار الناضجة من بستان مؤلفاته القيمة، وهكذا وجدت فى كتابة المرجع عن حرب الاستنزاف الذى اشترك معه فى تاليفه العميد إسلام محمد مثل كتاب «تاريخ البحرية المصرية» تماما، وكذلك شعرت بعد قراءتى لكتاب ذكرياته الذى يعد فاكهة بستان مؤلفاته، وقد حمل عنوان «قطرات من نهر الحياة»، وفى سائر كتبه وصولا إلى كتابه الفذ عن سيد شهداء العصر الحديث البطل إبراهيم الرفاعى انتهاء بأحدث كتابين قرأتهما له: «القاهرة من شرفات التاريخ»،

و»معارك هيكل» لم يخذلنى المؤرخ العسكرى القدير والكاتب الصحفى الكبير «عبده مباشر» فى ضمان الاستمتاع بطرح قلمه القيم، وربما منحت دراسته للفلسفة وعشقه لها كتابته بعدا متعمقا يجنح دائما إلى الغوص فى الأحداث والوقائع، والظواهر دون القنوع بالسطح والمظهر، وهذا العمق الذى يتبدى لك بوضوح أثناء قراءة مؤلفاته المتنوعة يعد واحدا من أجلى سمات حصاده فضلا عن رشاقة التناول، وبراعة المعالجة، وسلاسة الانتقال من فكرة إلى أخرى، وهذا ما وجدته فى أحدث مؤلفاته «الانتصار والازدهار بين محمد على والسادات» الصادر فى سلسلة إقرأ عن دار المعارف، والكتاب قائم على فكرة، أو كشف ينتج عن القراءة المتعمقة لتاريخنا الحديث والمعاصر، وهو هذا الارتباط الوثيق بين الانتصارات العسكرية وفترات الازدهار والنهوض والعكس الصحيح، ويغوص «مباشر» فى تجربتين تمثلان -بجلاء- صدق ذلك الكشف، وهما حقبة محمد على الكبير، وحقبة السادات، فكلاهما حقق الازدهار من خلال اعتماده على الجيش والشعب، وكلاهما كان مؤمنا ببناء مصر قوية قادرة على خوض غمار التقدم، ومع أن المؤلف لم يصرح بأن للكتاب جزءا ثانيا إلا أننى أتوقع، ذلك لأن تجربة الجمهورية الجديدة من وجهة نظرى تعد المثال الأجلى والأبهى حقا، لكشف «مباشر» واكتشافه، وإذا كنت أنتظر منه الجزء الثانى أقول له أنه لم يخذلنى فى كتابه هذا فقد أمتعنى بسلاسته وعمقه وغوصه فى أغوار الأشياء.