كرم جبر يكتب: تجديد الخطاب الديني

كرم جبر
كرم جبر

ثلاثة آراء بشأن تجديد الخطاب الدينى:
الأول: يرفض فكرة التجديد من أساسها، بدعوى أن الدين قد نزل واكتمل وتم، والتجديد دعوى خبيثة للقضاء على الإسلام.
والثاني: يسرف فى الحديث عن شمول تجديد الخطاب الدينى ليصل إلى تجديد الدين كله، ويقول عنهم مصطفى صادق الرافعى مستنكرا: "إنَّهم يريدون أن يجدِّدوا الدين واللغة والشمس والقمر"!.
والثالث: يجيزون التجديد فى فهم النصوص، لتتلاءم مع المصلحة المرسلة للناس، دون مساس بالجوهر والنص.

انحاز إلى الرأى الثالث وافهم معنى تجديد الخطاب الدينى بأنه الاحتكام إلى القرآن والسنة و"إجماع" فقهاء المسلمين، والبعد عن الجدل والعادات والتقاليد والآراء والاحكام المتطرفة، وفهم النصوص بمقاصدها الحقيقية.

مثلاً: خطاب دينى حول المرأة مستمد من القرآن والسنة، وبعيد عن عادات وتقاليد الشعوب التى ألحقت بالنساء أشد الضرر، وجرى تصويرهن على أنهن درجة ثانية، ومغتصبات الحقوق ولا كيان لهن.

خطاب معتدل لا يخضع للأهواء الشخصية، ولا ينصرف إلى إهانة المرأة التى كرمها الإسلام أشد تكريم ويلحق بها المتطرفون أشد إهانات، ويتم نسبتها زورا للإسلام.. فتاوى كثيرة تتعلق بسن زواج البنت وأحكام الطلاق والميراث وخروج المرأة للعمل، وغيرها من الأفكار التى تعشش فى بعض العقول المنغلقة، وتحرم المرأة من حقها العادل فى الحياة.

خطاب دينى صحيح حول علاقتنا بشركاء الوطن المسيحيين، يكون دستوراً يقمع رغبات المتطرفين فى إشعال الفتن والحرائق، واستحضار أحداث أفنت دولاً وشعوباً، وجعلت بحور الدماء تجرى بلا انقطاع.

فلا نريد أن نستقبل مناسباتنا الدينية والوطنية بخرافات فتاوى الظلام التى تحرم -مثلا- الاحتفال برأس السنة وشم النسيم وتبادل التهنئة مع المسيحيين، وغيرها من فتاوى التشرذم، ولنغلق هذا الباب تماماً فى وجه صناع الفتن وتتم مساءلة من يحاول تقويض سلام المجتمع.

خطاب دينى راسخ حول "الأديان والأوطان" يرسخ مفهوم تقديس الاديان للأوطان، بعد أن اشاعت الجماعة الإرهابية مفهوم التعارض بينهما، ضربا للهوية الوطنية ومحاولة تدميرها ومحوها، وجرياً وراء أوهام الخلافة التى لا تقوم إلا على أنقاض الأوطان وهدم ثوابتها.

خطاب دينى مجدد فى مسائل الجهاد المشروع والإرهاب الإجرامى، وفى مجتمعاتنا الإسلامية يبيح الإرهابيون قتل أبناء الوطن، ويقسمون الناس بين "مؤمنين" و"رويبضة" وكأنهم يمسكون موازين الحساب ويمتلكون مفاتيح الجنة والنار.

خطاب دينى يزيح الجهل عن العقول والغل من القلوب، ويوقف نزيف الدم، ويضرب الأطماع السياسية التى ترتدى عباءة دينية، وتعتبر الإسلام مجرد وسيلة لاقتناص الحكم.
عشنا أياماً انتشرت فيها أفكار تعتنق الخرافات وتهلل لكل ما هو ضد العقل والمنطق، مثلما روجوا فى اعتصامى رابعة والنهضة بأن سيدنا جبريل يأتى كل يوم لصلاة الفجر، وأن الوقوف برابعة أفضل من الوقوف بعرفات، وأن وضع صورة مرسى فى أكفان القتلى تخفف عذاب القبر.

خطاب دينى رشيد يصنع حدوداً فاصلة بين الدين والسلطة، ويمنع استثمار المشاعر الدينية فى اعتلاء السلطة، والتحكم فى مصائر الناس بالسياف والجلاد، بعيداً عن مظلة القانون والعدالة والمساواة.

نحتاج جهودا مخلصة لنصل إلى خطاب دينى يرفع شأن الأمم والشعوب ويعمم مفاهيم الإنسانية والعدالة والمساواة، ويسمو بالإسلام الذى أنزله المولى عز وجل لخدمة البشرية وإسعادها، وليس نشر الفزع والخوف والرهبة.
نريد من الأزهر والكنيسة والأوقاف والثقافة والإعلام وكل المهمومين بالشأن العام ان يجلسوا حول مائدة مستديرة بدراسات محددة، لا تفتح أبواب الجدل، بل تضىء نوافذ الوعى.