مصر الجديدة:

الأدب بين الغيرة والأنَفَة والاستغناء

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

 الإبداع هو العالم الحقيقي لكل فنان. هكذا يشعر الروائي والقاص والمسرحي والشاعر والفنان التشكيلي والممثل والمخرج ومن تشاء. شخصيات الروايات مثلا هي العالم الحقيقي لكل كاتب، فليست الروايات شخصيات افتراضية إلا على الورق، ويمكن لها أن تتحرك أمامك وتسمع صوت فرحتها وبكائها. هي في كل الأحوال تؤنسك حتى حين تعاتبك أنك صورتها بقسوة أو درجات منها. ويمكن أن تظل في ركن من الغرفة تنظر إليك طول الليل إذا كنت تكتب ليلا حتي تنتهي، فتتركك إلى الفضاء في سعادة.

لا أنسى حكايات كتبتها في رمضان عام 2011 بعنوان «حكايات ساعة الإفطار» ونشرتها وقتها في جريدة اليوم السابع وبعد ذلك في كتاب، وكيف بعد أن انتهيت من كتابة ونشر تسع وعشرين حكاية كانت تنشر كل يوم في أيام رمضان، جعلت الحكاية الثلاثين عن المؤلف الذي هو أنا، وكيف عدت إلى البيت فوجدت التسعة والعشرين شخصية في انتظاري. فيهم من أثني عليَّ، من عاتبني لأنه لم يكن شريرا إلى هذه الدرجة، وفيهم من عاتبني لأني كشفت أسرار علاقته في الحب، وهي العلاقة التي لم يعرف عنها أحد شيئا. هذه الجلسة لم تأت من فراغ، لكن من شعوري بشخصياتي الفنية. هذا الشعور القديم الذي لازمني طوال حياتي، انقذني من الصراعات والمشاعر السيئة، حتي تجاه الأعداء فأستطيع أن اتجنبهم والسلام. بعد ظهور الفيسبوك وتويتر ومنذ سنوات رحت أصادف أراء من كتاب في آخرين تصل إلى حد الشتائم والاتهامات. ليست حتى رأيا في العمل الفني وهو حق الجميع، وإن كنت أنا من الميالين كما تعلمت من العظيم على الراعي، أن لا أكتب عن عمل سيئ أو متوسط. وصل الأمر بعد ظهور الفيديوهات أن البعض رأى في ذلك فرصة أن ينتقم، فراح يقدم الفيديوهات التي ينتقد فيها الآخرين انتقادات شخصية باعتباره هو الحق الذي يمشى على قدمين، ولا يوجد حق غير الله. قد نشعر أننا آلهة بالنسبة لشخصيات أعمالنا الفنية لأننا نخلقها، لكن لسنا آلهة مع البشر الحقيقيين، ففوقنا إله واحد خالق الكل. العجيب أن مثل هذه الفيديوهات لا تجد اقبالا كبيرا، فلا يزيد المعجبون مثلا عن خمسين، والمعلقون  بالبوستات عن عشرين، والذين شاهدوها عن مائتين أو ثلاثمائة، لكن أصحاب هذه الفيديوهات لا ينتبهون.

ربما ينتبهون ويرون فيما يفعلونه أويقولونه علاجا لجروحهم التي طفت فجأة بعد ظهور الميديا. من هذا الذي يتصورالحياة تمضي دون جروح؟

كيف نستسلم لجروح الحياة الثقافية ومعنا جوهرة اسمها النسيان كما أنها جروح عابرة، فلا يبقى من أحد إلا إنتاجه. حتي الانتاج معرّض للسرقة الآن.

بعد رحيل الكاتب عن الدنيا، ومع سهولة جرائم الإنترنت، ربما نجد رواياتنا بأسماء مؤلفين آخرين.

رحم الله العظيم  يحيي حقي الذي قال مرة أنه لا يشعر بالغيرة من كاتب، لكن بالأنفة التي تجعله يكتب أحسن أو يحاول، ورحم الله نجيب محفوظ الذي يُخيل لي أنه هو من أضاف إلى اللغة لفظ «الاستغناء»..