كنوز | «الشناوي» الصغير يتذكر عمه الكبير

طارق الشناوي وعمه الكبير كامل الشناوي
طارق الشناوي وعمه الكبير كامل الشناوي

طارق الشناوى 

في 30 نوفمبر الجاري تحل بنا الذكرى 57 لغياب الكاتب الكبير والشاعر الفيلسوف النبيل كامل الشناوى، وفى ذكرى غيابه نترك المساحة لابن شقيقه الناقد المتميز طارق الشناوي الذى كتب عن عمه الكبير مقالا بعنوان «بعضى يمزق بعضى» في مجلة «روز اليوسف»، يقول فيه: 

عاش كامل الشناوي على هذه الأرض 53 عاما، ولد 1908 ورحل 1965، لم يُصدر في حياته سوى ديوان واحد «لا تكذبي»، بينما بعد الرحيل قرأنا عشرات من المقالات تغض الطرف عن كل شيء ولا يعنيها سوى «لا تكذبي»، بل إن الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس أحالها إلى رواية أطلق عليها «وعاشت بين أصابعه».

كان كامل الشناوى يشعر أنه سيغادر الحياة مبكرا، ولهذا كتب وصية لأقرب تلاميذه إلى قلبه الكاتب الساخر أحمد رجب يقول له: «يا أحمد أنت تصغرنى بعشرين عاما وسوف تعيش بعدى وأوصيك بأن تكتب قصة حياتى». ولم ينفذ وصية كامل الشناوى رغم أنه عاش بعده 50 عاما، وكثيرا ما كنت أسأله «يا عمى إيه أخبار الكتاب»، يقول لى «قريبا ستقرأ»، ولم أقرأ شيئا حتى رحل أستاذنا أحمد رجب، وساخر آخر من أشهر وأخلص تلاميذه، محمود السعدنى، كتب عن كامل الشناوى فصلا فى كتابه الممتع «الظرفاء» وأصر أن يكتب المقدمة كامل الشناوى، ورحل كامل مع الأسف قبل أن يقرأ الكتاب، وذكر السعدنى العديد من الحقائق التى عاشها معه، وبعد رحيله وجدنا الكل يأخذ كلمة من هنا وأخرى من هناك، ويدعون أشياء لم تحدث، بعضهم استغل كتاب السعدنى وأضاف حكايات أخرى لا علاقة لها بالواقع، وأغلبهم اختصر حكاية كامل الشناوى فى قصة واحدة وقصيدة واحدة «لا تكذبى» مجرد خيال فى خيال فى خيال.

كامل الشناوى عرفته فقط بعيون الطفل، كنت أحفظ أشعاره، وأنا لا أدرك أغلب المعانى، كان أبى يقرأها أولًا، وأنا أرددها بعده مثنى وثلاث ورباع، وكان عمى بعد أن يستمع إلىَّ يقول: «طارق ما عندوش الابتدائية ولا الإعدادية عنده الاستعدادية» ثم يمنحنى خمسة جنيهات، تستطيع أن تضع أمام الرقم ثلاثة أصفار لتدرك كم كانت تساوى، وكم كنت أنا أيضا أساوى.

كان عمى فى حياته يرفض أن يصدر كتابا، لأنه أدرك حجم المسئولية التى يعنيها أن يخترق بالكتاب حاجز الزمن، كثيرا ما قرأت عنه حكايات رواها توفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس وأم كلثوم ويوسف إدريس ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم وبليغ حمدى وكمال الطويل وكمال الملاخ وفتحى غانم ومصطفى أمين وأنيس منصور ومفيد فوزى ومنير عامر وغيرهم من الكبار.

بدأت أستعيد القصاصات الصحفية، وبعض الكتب أصدرها عمى الشاعر والصحفى الكبير مأمون الشناوى تضم أجزاء مما كتبه شقيقه الأكبر، ووجدت أمامى كنزًا لا ينفد من الإبداع الساخن بقدر ما هو ساحر، لا توجد قضايا محسومة عند كامل الشناوى الميلاد والرحيل، الحياة والموت، العذاب والشقاء، كل هذه المعانى تتصارع بداخله وينطبق عليها تلك الجملة الشعرية المتوهجة فى قصيدته «حبيبها» التى كتبها لكى تقرأه ونكتشف أنها تقرأنا أيضا.

أعترف لكم كم أنا مُقصر، ليس فقط لأنه عمى، ولكن قبل كل ذلك لكونه قامة وقيمة إبداعية كبيرة واستثنائية فى الصحافة والشعر، مسئوليتى الأدبية تفرض تقديم دراسة موسعة عن إبداعه، تذكرت برنامجا إذاعيا يستضيف فى كل حلقة، فنانًا وصحفيًا يتبادلان المواقع، سألته نجاة بأى صفة تريد أن تدخل عالم الخلود الشاعر أم الصحفى؟ أجابها «الشاعر.. وهناك أمارس الصحافة»، كان كامل الشناوى بداخله صحفى يقظ لم يمنعه ولعه بالأوزان والقوافى عن ممارسة مهنة قاسية تخترق الأوزان والقوافى، ومع اقتراب ذكرى كامل الشناوى، استعدت كثيرا من كتاباته النثرية والشعرية ووجدت نفسى بعدها أحلق فى السماء وأمسك بأصابعى قوس قزح، بينما «بعضى يمزق بعضى»!! 

اقرأ أيضا | كنوز | كامل الشناوى يكتب.. جثمان أنور وجدى.. بات على الرصيف!