حياة كامل الشناوى.. زهور وأشواك!

كامل الشناوى يتوسط نجاة وحليم وكلاهما غنى «لا تكذبى»
كامل الشناوى يتوسط نجاة وحليم وكلاهما غنى «لا تكذبى»

ليس أحمد رامى وحده هو شاعر الشباب والعذاب، فقد ظهر من بعده شاعر آخر تخطاه فى إقامة تماثيل النار والوجد والشكوى والحرمان ليعبدها هو الآخر!
والفرق بين شاعر الغزل وشاعر الحرمان، هو أن أحمد رامى لا يستحى من أن يبكى وينوح فى شعره وفى أغانيه، ولا يجرؤ على عقاب معبودته فى الشعر بأكثر من قوله:
حرمتنى من نار حبك.. وأنا حرمتك من دمعى!
وهو الذى قال لها ذات يوم : لى لذة فى ذلتى وخضوعى.
وقال لها مرة أخرى: عزة جمالك فيك من غير ذليل يهواك.

ودموع كامل الشناوى يغرق فيها جميع الشعراء القدامى المعاصرين، بمن فيهم أحمد رامى وإبراهيم ناجى، بل إنها أغزر من دموع إيزيس!
ولكنى فى خلال دراستى لشعره لم أعثر على دمعة واحدة فى أشعاره الكثيرة المبعثرة كقلبه وعواطفه تماما!
فكامل الشناوى يتوجع ويتمزق قلبه أكثر من أى شاعر، وإن كان لا يبكى فى شعره وإنما يجعل عيوننا تجهش معه بالبكاء، وشاعر الحرمان يتحول فى شعره إلى مارد عملاق فى تجربته التى لم يسبقه إليها شاعر:
لا تكذبى!
إنى رأيتكما معا
ودعى البكاء
فقد كرهت الأدمعا
ما أهون الدمع الجسور
إذا جرى من عين كاذبة
فانكر وادعى
هذا ما جرى به لسان الشاعر كامل الشناوى، والذى أعلمه - أنا - أنه لم يبرأ ولن يبرأ أبدا من هواه ومن جنونه!
وكامل الشناوى لم يكتب هذه القصيدة ليتغنى بها الناس، وإنما كتبها كما يكتب كل أشعاره وتجاربه وفلسفته فى الحياة!
سمعها منه محمد عبد الوهاب كما اعتاد أن يسمع كل شعره، وفتحت كلمات القصيدة العنيفة شهية عبد الوهاب للتلحين، فقد وجد فيها الأفكار والانفعالات التى لم يطرقها شاعر من قبل، وقد أجمع النقاد وأساتذة الأدب العربي والإنجليزى فى جامعاتنا على أن كامل الشناوى قد سبق جميع شعراء الشرق والغرب إلى هذا المعنى:
ويشب فى قلبى حريق.
ويضيع من قدمى الطريق!

ولقد كانت هذه القصيدة هى أول أغنية فى العالم العربى يغنيها ثلاثة من كبار المطربين والمطربات هم: «عبد الوهاب، ونجاة الصغيرة، وعبد الحليم حافظ».

إقرأ أيضًا

كنوز | كامل الشناوى يكتب.. جثمان أنور وجدى.. بات على الرصيف!

ولقد فوجئت بعد ذلك بفريد الأطرش يغنى قصيدة باللغة الفصحى لكامل الشناوى، وأنا لم أكن أتصور أبدا أن فريد الأطرش يستطيع أن يهضم قصيدة باللغة العربية الفصحى، وهذه القصيدة هى «يوم بلا غد» التى كتبها كامل الشناوى فى عيد ميلاده، وكامل الشناوى لا يحتفل بعيد ميلاده، وإنما اعتاد أن يرثى نفسه فى مثل هذا اليوم من كل عام، وهو يسمى عيد ميلاده تاريخ ميلاده أو يوم مولده!

وحياة كامل الشناوى نصفها شوك ونصفها زهور، وهو يعيش فى مدرسة الفلاسفة المتشائمين الذين يتمنون ألا يكون لهم وجود، وصاحب هذه المدرسة هو الشاعر الفيلسوف الكفيف أبو العلاء المعرى الذى اعتبر أباه قد جنى عليه، وقال حكمته المشهورة: «هذا جناه أبى على.. وما جنيت على أحد»، ولهذا لم يتزوج أبو العلاء المعرى، ولهذا أيضا لم يتزوج كامل الشناوى!

وثالث قصيدة تذاع لكامل الشناوى فى خلال عامين هى قصيدة «على باب مصر» التى لحنها محمد عبد الوهاب وتولى توزيع موسيقاها على إسماعيل، وشدت بها أم كلثوم شاعرة الحب والجمال فى العيد الثانى عشر للثورة على مسرح نادى الضباط، وهى القصيدة التى يقول فيها:  «أنا الشعب لا أعرف المستحيلا
ولا ارتضى بالخلود بديلا».
جليل البندارى
«آخر ساعة» - يوليو 1964