عاجل

إنها مصر

تواضروس.. الوطنية والحكمة

كرم جبر
كرم جبر

عشر سنوات على جلوس البابا تواضروس على كرسى الكرازة المرقسية، واعتبره رمزًا للوطنية والعقلانية والحكمة لأنه جاء فى ظروف هى الأصعب والأخطر، وبالتحديد 18 نوفمبر 2012 حين تولى مهام منصبه، فى أجواء فتنة قاتلة، فاستطاع أن ينزع الفتيل من أحداث كبيرة، ويرسى العلاقة مع أبناء وطنه على قاعدة «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن».


كانت الظروف الأمنية بالغة الصعوبة، والانفلات فى كل مكان، والممتلكات العامة والخاصة تتعرض للسرقة والحرق، وكان الهدف زيادة جراح الوطن، وإشعال فتنة طائفية، تأتى على بقية الأمن، وتشعل الفوضى فى كل مكان، ولكن بحكمته استطاع أن يهدئ أقباط مصر، واثقًا بأن الدولة سوف تعود، وتسترد قوتها وتدافع عن وجودها وبقائها ووحدة شعبها.
تعرض الأقباط على أيدى الجماعة الإرهابية لأكبر عمليات، لحرق الكنائس والتهجير القسرى والاعتداءات على الأشخاص والأموال، فكان حكيمًا وهادئًا، وعالمًا أن المحنة تعم الوطن كله بمسلميه ومسيحيه، وأن الاستهداف يقصد مصر قبل الأقباط، وأن الحكمة تقتضى الاحتماء بالوطن والارتماء فى أحضانه وليس الاستقواء بالخارج.
كانت الجماعة الإرهابية تستهدف توسيع رقعة النار، وإرسال إشارات للعالم، بأن الأوضاع فى مصر مضطربة وغير مستقرة، وأن الحرب الأهلية على الأبواب، ليست بين المسلمين والأقباط فقط، ولكن بافتعال فتنة غير موجودة بين السنة والشيعة.
اتسمت تصرفات البابا بالهدوء، وضربت مواقف جموع المصريين الفتنة فى مهدها، وعادت للجذور واستحضرت خبرات العلاقات الأصيلة، بين أبناء وطن واحد، عاشوا على الحلوة والمرة، وبذلوا دماءهم وأرواحهم دفاعًا عن أرض الوطن، وكان فؤاد عزيز غالى بطل حرب أكتوبر جنبًا إلى جنب عبد رب النبى حافظ.
وراهن البابا تواضروس على الدولة المصرية وشعبها ورئيسها وجيشها وشرطتها، ولم ينطق حرفًا واحدًا يغذى الطائفية أو يثير الفتنة، ووجد أفراد الشعب العاديين، يقفون أمام الكنائس لحمايتها، فلا فرق بين مسلم ومسيحي، ومقدساتنا هى مقدساتهم، وكنائسهم مثل مساجدنا.
إنها مصر التى تقاوم الفتن بصلابة شعبها، وبعراقة القوة المصرية الناعمة الضاربة فى جذور التاريخ، ومفرداتها التسامح والمودة والرحمة والسلام، واحتواء كل أبناء الملل والديانات على قدم المساواة دون تفرقة أو تمييز، يحميها نسيجها القوى من الوقوع فى مكائد، تفتت الأمم وتؤلب الشعوب.


مصر التى لا تفرق بين مواطنيها، فيتعانق الأذان فى المساجد مع أجراس الكنائس، ويظهر الوجه الطيب الذى يشع خيرًا، ويلتهم الوجوه السوداء التى تضمر شرًا، برعاية دولة تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتجلت روعتها فى إقامة أكبر مسجد وأكبر كنيسة فى العاصمة الإدارية الجديدة، رمزًا لعلاقات طيبة، لن يستطع أحد أن يمس قوتها.


التقدير والاحترام للبابا تواضروس، الذى أكد أنه يقدس دولة القانون لمواجهة المشكلات وعلاج الأزمات، وينأى بالكنيسة الأرثوذكسية من أن تدس أنفها، فى الفتن المصطنعة، فالدولة هى المسئولة عن جميع المصريين، أقباطًا ومسلمين ومن كافة الديانات، وليست المساجد والكنائس والمشايخ والقساوسة، والعدالة معصوبة العينين ولا تعرف الديانات والملل، والبابا تواضروس يرسخ قاعدة وطنية الكنيسة، ووعيها الدائم بمحاولات بث الفتن.