خارج النص

دكتاتورية «أدعياء» الحرية!!

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

أعتقد أن كثيرين فى عالم اليوم، وبخاصة فى الغرب ومن يدور فى فلكهم، يستلهمون تجربة جوزيف جوبلز، وزير الدعاية فى ألمانيا النازية، الذى استطاع أن يقدم مجموعة من الممارسات الدعائية التى يحتقرها بل ويجرمها الغرب ظاهريا، لكنه يمارسها ويخلص لها فعليا!

من تلك المقولات التى باتت تمثل نهجا مستقرا لدى كثير من المتشدقين بقيم الحرية الغربية، عبارة «اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»، ويبدو أن كثيرين من أولئك الذين يزعمون الدعوة للحرية - وفق تصورهم - قد وجدوا فى تلك العبارة ضالتهم، التى تمكنهم من التستر وراء الحقائق المبتورة، والأقاويل المنزوعة من سياقها، كى يقنعوا الآخرين بصحة موقفهم، ويشغلون الناس عن مناقشة عقلانية هادئة للحقائق، بممارسة أسلوب الصوت العالى، وإثارة الضجيج الإليكترونى، واستخدام أدوات السوشيال ميديا التى يسهل توجيهها وتزييف الحقائق من خلالها، من أجل لفت انتباه الناس عن الحقيقة على وجهها الصحيح. كثير ممن ينصّبون أنفسهم «دعاة» للحريات فى عالمنا اليوم، ليسوا سوى مجرد «أدعياء» يمارسون أسوأ أشكال الديكتاتورية برفضهم مناقشة الحقائق، وصم آذانهم عن الاستماع إلى الرأى الآخر، بل والميل إلى الزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة عند التعبير عن رأيهم، وهذه قمة الديكتاتورية!

ولعل قضية «المواطن» علاء عبد الفتاح، المحكوم عليه من محكمة جنح أمن الدولة طوارئ بالسجن خمس سنوات بعد إدانته بارتكاب جرائم التحريض وبث أخبار كاذبة، خير مثال على ذلك، فالقضية التى أدين فيها ثابتة بموجب ما كتبه وعبر عنه فى أكثر من مناسبة، ولم يتبرأ مما قال أو فعل، بل اعتبر التحريض على قتل رجال الشرطة والجيش، وتخريب المنشآت العامة «نوعا من البطولة»!!

ومع ذلك يصر المدافعون عنه على أن ما قام به يدخل تحت إطار «حرية التعبير»، فإذا كان التحريض والدعوة للقتل والتخريب والإضرار بمؤسسات الدولة «نوعا من الحرية»، فلماذا إذن تطارد الولايات المتحدة من اقتحموا مبنى الكابيتول؟ ولماذا يلاحقون قضائيا الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، ووصل الأمر إلى حد تفتيش منزله بحثا عن أدلة؟!

ولماذا عاقبت فرنسا من خرجوا عن حدود التعبير السلمى عن الرأى فى تظاهرات «السترات الصفراء»؟! ولماذا واجهت الحكومة البريطانية أحداث التخريب فى ضواحى لندن عام 2011 بكل عنف، ولم تعتبرها نوعا من «حرية التعبير؟!

ولماذا تعتبر تلك الدول أية محاولة للحض على العنف أو الكراهية على أراضيها جريمة مغلظة، كفيلة بأن يواجه مرتكبها أقسى العقوبات، بينما يعتبر أولئك الأدعياء وأتباعهم، الحض على القتل والعنف والكراهية ضد مؤسساتنا الوطنية، نوعا من التعبير عن الرأى؟!  

ولماذا لم يقل أولئك الذين حاولوا استغلال الوجود الإعلامى الكثيف فى شرم الشيخ لتغطية الحدث العالمى الأبرز Cop 27  للضغط على الدولة المصرية فى قضية علاء عبد الفتاح، الحقائق كاملة؟! ألم يكن من الشجاعة التى يسعون إلى التظاهر بها أن يعترفوا أمام كاميرات الإعلام العالمى بأن ذلك المواطن المدان قد استوفى كل درجات التقاضى المتاحة لأى مواطن مصرى وفق النظام القضائى الوطنى، وعجزت ترسانة المحامين فى تقديم دليل واحد يقنع المحكمة ببراءته، فلجأوا إلى أساليب الضغط السياسى، للتعمية على فشلهم القانونى؟!

والسؤال الأبرز، لماذا لم يلجأ أولئك الذين يثيرون الكثير من الضجيج عبر القنوات الغربية، ووسائل التواصل الاجتماعى للضغط على الدولة المصرية، إلى القنوات المشروعة مثل لجنة العفو الرئاسى، بحثا عن أى حق قانونى قد يكون متاحا لهذا المواطن المدان، واستفادت منه نماذج مشابهة، وصدر بالفعل قرار بالعفو عنها؟!

الإجابة بسيطة، لأن هؤلاء ليست قضيتهم تبرئة علاء عبد الفتاح، أو إطلاق سراحه، ولا يعنيهم من قريب أو من بعيد إثبات عدالة قضيته، بل هدفهم الأول هو كسر الدولة المصرية، وإظهار ذلك النموذج الفوضوى، الذى لا يريد احترام القانون أو الالتزام بقواعده، كبطل قادر على فرض إرادته، وتقديم نفسه كشخص فوق المساءلة والمحاسبة! مع أن أبسط قواعد الحرية ـ التى يؤمن بها دعاة الحرية ويرفضها الأدعياء - أن كل شخص حر فيما يقول ويفعل، طالما كان ذلك لا يخالف القانون، وأن ممارسة الحرية، لا تعنى الإفلات من المساءلة والمحاسبة - وإلا تحولت تلك الحرية إلى فوضى!