هالة فؤاد تكتب: عناد قلب

هالة فؤاد
هالة فؤاد

بين عناد قلبى وعناد قلبه، ضاع الحب، مثلما حذرتنا الست، لم ينتبه أىٌ منا للطريق المسدود الذى يقودنا إليه ذلك العناد، لم يكن أىٌ منا على درجة من الحكمة تمكنه من تجاوز الأزمة، لم يكن كلانا بقادر أن يمد يد العون للآخر، تمسك كلٌ منا بوجهة نظره ورفض أن يعطى فرصة لسماع الآخر، ظن كلٌ منا أنه على حق وأنه لا أمل له فى تغيير الآخر، سرنا على خطين متوازيين لا يلتقيان أبدا، فكان قرار الانفصال سريعا وحاسما وبدون أن يحمل أىٌ منا ذرة من تأنيب ضمير.

أعترف الآن بأن كلينا على خطأ، لم يكن من السهل علىّ اكتشاف تلك الحقيقة إلا بعدما انتهت حياتى معه، عامان بعد الطلاق لم يمرا بسهولة كما توقعت، بل كان علىّ اجتياز مراحل عديدة بدأت باهتزاز الثفة والانظواء والرغبة فى العزلة، ثم تلتها مرحلة الخروج من شرنقة الأحزان والبحث عن عمل، ثم إثبات نفسى فيه حتى استعدت تدريجبا قدرا كبيرا من التوازن النفسى والثقة، صرت أكثر خبرة بنفوس البشر، رجعت دون أن أدرى لشريط ذكرياتى ، توقفت عند تفاصيل دقيقة لم أكن أراها من قبل، تراءت لى حقيقة نفسى، انتقدت رغما عنى تصرفاتى فى بعض المواقف، التمست لطليقى العذر فى بعض ردود أفعاله التى رأيتها يوما مبالغا فيها، لكننى الآن وبعد سنوات من تلك المواقف أشعر بالحرج مما فعلته، لم أكن ملاكا كما تصورت، ولم يكن شيطانا كما صورته لنفسى، لم أكن ضحية ولم يكن جلادا، كلانا أخطأ فى بعض المواقف وكان على صواب فى أخرى، لكنه العناد كما قلت، لم يكن ليسمح لى بالاعتراف بالخطأ، وبرغم شعورى أحيانا بأنى أخطأت فى حقه لكن عنادى يمنعنى من الاعتذار، كنت أبرر لنفسى كل ما أفعله، لم ألتفت كثيرا لضيقه من عصبيتى وعدم تحكمى أحيانا فى انفعالاتى، استمرأت هدوءه وتجاوزه وصفحه فتماديت، ولم أكبح جماح تلك العصبية، لم ألتفت كثيرا لطلبه المزيد من الاهتمام عند إعداد الطعام خاصة تلك الوجبات التى يحبها، فتسبب إهمالى فى نفوره من طعامى ولجوئهه لوالدته كلما أراد وجبة ما، وبدورى اعتبرت ذلك إهانة، وبدلا من بذل الجهد لمزيد من الإتقان ألقيت بسيل الاتهامات الجاهزة عليه، وأنه دوما ينحاز لأمه على حسابى، وفى الحقيقة لم أكن مبالغة كثيرا فى تلك الاتهامات، فمثلما كنت عنيدة لا أعترف بخطئى، كان هو أيضا على قدر كبير من العناد، نبهته كثيرا لوضع حدود ومراعاة خصوصية حياتنا، لكن بعناده كان يضرب بكلامى عرض الحائط، كانت كل تفاصيل حياتنا يعرفها أهله، إذا فكرنا فى الخروج أو السفر أو شراء سيارة أو تغيير شقة كان أهله أول من يعلم، حتى تفاصيل حياتنا المادية، مرتبى وطريقة تدبيرى لاحتياجات البيت وما أنفقه على احتياجاتى الشخصية وغيرها كانوا على علم بها، لفتُّ نظره مرارا لكنه لم ينتبه. 

ساءت الحياة بيننا فأصبحنا نعيش كالغرباء تحت سقف واحد، أصبح لكلٍ منا عالمه الخاص، زادت الفجوة، لكن أىٌ منا لم يتعب نفسه للتوقف والعمل على رأب صدع حياة أسرية كادت توشك على الانهيار، بل تابعنا ذلك الانهيار بعيون جامدة وقلوب عنيدة حتى اللحظة الأخيرة. 

كلانا على خطأ.. أعترف بذلك الآن، أرى الصورة واضحة تماما، وإن كان هناك من أوقعه القدر فى طريقى ليشوش علىّ تفكيرى، زميل لشقيقى كانت تربطنا بعائلته روابط أسرية قوية، فرقتنا السنون ثم عدنا لتلتقى العائلتان، بدأ فى التقرب منى، وبدا إعجابه واضحا لم يمر وقت طويل حتى اعترف بإعجابه ورغبته فى الارتباط بى، ظروفنا متشابهة لحد كبير، ولا أنكر شعورى بالراحة تجاهه، لكن مازالت أطياف تجربة زوجى الأولى تحاصرنى، وتمنعنى من المضى خطوات فى تجربة جديدة، اعترافى بخطئى أزاح قناع المظلومية التى عشت فيها لسنوات، تجلت لى حقيقة مشاعرى بأنى لم أحب غيره، عنادى يمنعنى من اتخاذ خطوة المبادرة للرجوع إليه بعدما صددته من فترة عندما وسّط إحدى الصديقات لإقناعى بمقابلته، أوقن أن عناده سيمنعه من تكرار طلبه، ولن أكون أقل منه عنادا فأمنحه تلك الفرصة، أوشك علىّ قبول عرض الزواج من الآخر وأعرف أن الندم سيكون نهايتى، لكن ما بيدى من حيلة. 

لصاحبة هذه الكلمات أقول:
جميل أن نعترف بأخطائنا ونكتشف عيوبنا حتى لو حدث ذلك بعد تجربة قاسية ونهاية غير سعيدة قادتنا لذلك الاعتراف، ابتعادك عن تفاصيل حياتك الزوجية بعد الانفصال جعلك تدركين تلك الأخطاء التى قادتك لتلك النهاية، وهى قناعة من الصعب أن يصل إليها كثيرون مروا بنفس تجربتك، فأحيانا نستمرئ المظلومية ونعيش دور الضحية ولا نعترف بأننا نتحمل قدرا ما فى تلك النهاية التى وصلنا إليها، كما قلت لسنا شياطين ولا ملائكة، وسعادة أو جحيم العلاقات الزوجية هى مسئولية كلا الطرفين وليس طرفا فقط. 

ومادمتِ اعترفتِ بخطئك فمن غير المقبول تكراره، وإذا كان الله أنعم عليك بنور البصيرة فمن غير المنطقى أن نستمرئ الحياة فى ظلام الوهم، لا تجعلى من عنادك سيفا يقطع كل مشاعر المحبة والحنين والاشتياق للرجل الذى لم يحب قلبك سواه كما ذكرتِ، ولن يمس كبرياؤك شيء إذا ما أقدمتِ على خطوة لعودة مياه حياتكما لمجاريها الصافية، ولا تنسى أنه صاحب المبادرة الأولى، لن تخسرى إذا ما أقدمت على استعادة رجلك الذى أحببتِه، لكن من المؤكد أن خسارتك ستكون أكبر إذا ما أقدمت على الزواج من رجل لم يدق له قلبك يوما، لأنه ببساطه مشغول بآخر لا يمنعك عنه سوى العناد.