د. هبة جمال الدين تكتب: الاستعمار الجديد والمستقبلات البديلة والعقل العربي الرافض 

د. هبة جمال الدين
د. هبة جمال الدين

تغير المناخ، الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا الحيوية، علم الفيزياء والطفرة في النظرية النسبية ونظرية الكم وانعكاساتها المستقبلية وتطبيقاتها وما تخلقه من إشكاليات أنية ومستقبلية، جميعها قضايا لا يتخيلها العقل البشري وغير المتخصص قد يرفض حدوثها، حتي مع بدأ تجسيد تداعياتها علي الأرض. ولكن  عقل رجل الشارع يرفض ويشكك ولا يقبل إلا اليقين. 

جميعنا نتابع قمة المناخ Cop 27 لكن كم من الرأي العام بمختلف دول العالم يؤمن بتداعياته ومخاطره؛ التي بدت جليه وملموسة. فعقلية الرأي العام لا تقبل إلا الماديات.

الحرب الروسية الأوكرانية وأثرها الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، وما تشكله من أزمة طاقه بدأت تداعياتها في الصعود وستزداد خلال برد الشتاء القارس ، قد لا يتصورها رجل الشارع وقد يرجع الأمر للأوضاع المحلية ويرفض تإثير تلاشي الحدود.
دراسات الاستعمار والأصوات المنادية بالأستعمار الجديد وعودة سايكس بيكو الجديد ، وموت الدول القومية وإعادة ترسيم الحدود في ضوء نظريات جد خطيرة مثل نظرية حدود العقرب التي تفصل بين الحدود السياسية والسيادة والنفوذ للدول العظمي ، وتضع الدول الغربية وصية علي الدول النامية خاصة صاحبة الموارد، الأمر الذي  قد لا يصدقه العقل البسيط العادي. 

إلا أن مثل هذه الدراسات هي ناتج للدراسات المستقبلية التي تؤصل لعدد من الأدوات والسيناريوهات الساعية لإخضاع الثقافات غير الغربية وتهميشها.

هذا في سياق غياب الاهتمام بالعلم في العالم العربي والاسلامي، علي الرغم من أننا بحاجة للتأصيل لعلم المستقبليات النقدية التي تهدف إلى خلق مستقبليات بديلة خارجة من رحم المعاني التي يؤمن بها كلا من الأفراد والمجتمعات، متجاوزة للمستقبليات المهيمنة الساعية لفرض نظرتها على بقية شعوب العالم النامي.

فهل ينقصنا العقل أم العلم أم الحلم أم الإرادة؟
هل نهتم بكل تلك الظواهر كفاعلين أم كتابعين؟ ومقلدين؟
الحلم العربي قد يكون هو الملجأ لفضح تلك المخططات ، وأنتاج مستقبليات بديلة من رحم دراسات الاستعمار، وهذا ما تطلع به الان الأكاديمية الفلسطينية عبر بناء شبكة من الأكاديمين العرب في مجال نقض الرواية الصهيونيه كأحد روافد دراسات الاستعمار وتوثيق الحقيقة الفلسطينية العربية في المقابل.

بل وذهبت لما هو أعمق وأشمل للاهتمام بكل أشكال وأنماط الإستعمار مع تعدد صوره وأدواته وسيناريوهاته كي لا تقتصر علي الإستعمار الاستيطاني الصهيوني، فخصصت منصة تحمل اسم دراسات الأستعمار كأحد أهم فروع نقد الروايات الغربية الاستعلائية المهتمة بتغيب العقلية العربية، وبث الفرقة وأدوات التخريب كبداية التفتيت وإعادة الترسيم.

فتلك الجهود الثمينة تحتاج لدعم وجهد وتشابك وديمومة ، إذا كنا نسعي للبقاء في ظل عالم جديد يفرض علينا أدوات التبعية التي لا نمتلكها عبر سلاح التكنولوجيا وتوظيفها في مخططات أكبر يقف العقل البسيط عن إستيعابها.

فأول سبل التصدي هي كشف تلك المستقبلات والدراسات وتعريتها أمام الجميع،  كخطوة أولية لبناء مستقبلاتنا وربطها بخطط التنمية كي نمتلك سبل وأدوات البقاء.

 


أ. د. هبة جمال الدين
الأستاذ المساعد بمعهد التخطيط القومي
وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية