برلين.. تحت تهديد إرهاب اليمين المتطرف.. تفاصيل

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتبت: مي السيد 

تواجه السلطات الألمانية، خطرًا متزايدًا مع تصاعد اليمين المتطرف في البلاد، طبقا لآخر إحصائية كشفت عنها هيئة حماية الدستور أكتوبر الماضي.

حيث يستغل المتطرفون الأزمات المتتالية في البلاد للانقضاض على السلطة، آخرها أزمة الطاقة التي تعيشها البلاد على الحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت على العالم أجمع.

وقدرت آخر إحصائية لهيئة حماية الدستور أن عدد اليمين المتطرف في ألمانيا يصل إلى حوالى 34 ألف شخص، لافتة أن ما يقرب من 40% منهم على استعداد لتنفيذ هجمات إرهابية، بينما ارتفع عدد المنتمين لليسار المتطرف إلى 35 ألف شخص، وحوالى 30% منهم لديهم استعداد لتنفيذ هجمات إرهابية لتحقيق أهدافهم..
 

وأكدت السلطات الألمانية أن أزمة الطاقة تبعث الخوف والاضطراب التي تعد وقودًا للمتطرفين يؤدى بدوره إلى زيادة العبء وإلى زعزعة استقرار الديمقراطية في ألمانيا، مطالبة الأحزاب الديمقراطية إظهار موقف واضح والحد من الخلافات ومنح المواطنين الشجاعة.

وأعربت السلطات الألمانية عن قلقها حيال إمكانية محاولة المتطرفين ذو التوجه الإسلاموى واليمينى واليسارى استغلال الاحتجاجات لأغراض خاصة بهم كما حدث من أنصار حركة «مواطنو الرايخ» خلال جائحة كورونا، في ظل معاناة الحكومة من توفير وتأمين بدائل لإمدادات الطاقة الروسية، والذى أدى بدوره إلى تزايد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار 

وتستغل الجماعات المتطرفة في ألمانيا الأزمات إلى زعزعة استقرار الديمقراطية الألمانية وتوسيع النفوذ داخل الولايات عبر تنظيم مظاهرات واحتجاجات حاشدة وتنفيذ هجمات على البنية التحتية، كان منهم حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف الذى نظم مظاهرات حاشدة تحت شعار «أمن الطاقة وحماية من التضخم، بلدنا يأتي في المقام الأول» احتجاجا على التضخم وسياسة الطاقة التي تنتهجها الحكومة الألمانية واحتجاجًا على تزويد أوكرانيا أسلحة غربية.

اقرأ أيضًا

نشأت الديهي: ملفات كثيرة معروضة على القمة العربية مثل الأزمة الليبية

التطرف في المؤسسات
وقال المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إن الجماعات المتطرفة تتنامى أكثر فأكثر بالتوازي مع جهود الحكومة بالحد من أنشطتها وتزايد عدد الإسلام السياسي التابع للسلفية الجهادية واليمين المتطرف في ألمانيا، مستغلين استياء المجتمع الألماني من ارتفاع مستوى المعيشة ومخاطر شح مواردها وتوقف إمدادات الغاز والنفط الروسيين لتوسيع نفوذها وتحقيق أجندتها السياسية.

وكشفت التقارير تواجد أعداد كبيرة للمتطرفين في المؤسسات الحيوية لألمانيا منها الجيش، خاصة في قيادة القوات الخاصة «الكومندوز»، وارتفع عدد الحالات المشتبه فيها للمتطرفين اليمينيين ومواطنين الرايخ، وهم الأشخاص الذين يقولون إن جمهورية ألمانيا الاتحادية ونظامها القانوني غير موجود أبدا، أي لا يعترفون إلا بنظام النازية، ويرفضون الولاء للدستور الحالي، داخل سلاح الجو الألماني إلى أكثر من 600 في الأشهر الأخيرة، كما أن الجيش الألماني استبعد أكثر من 800 جندي احتياطي من واجبات الاحتياط للاشتباه في التطرف بعد عمليات التفتيش الأمنية.

أيضا تمكنت الاستخبارات الداخلية، مكتب حماية الدستور من فحص أكثر من 800 مؤشر على التطرف اليمينى داخل وزارة الداخلية الألمانية، واستطاع إثبات وجود 327 حالة، هم من المتطرفين اليمينيين يعملون فى الشرطة والجمارك أو مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية عملوا لمدة ثلاث سنوات، وقالت وزيرة الداخلية الألمانية «نانسى فيزر» مثل هذه الدوائر تبحث حاليا عن مواضيع جديدة تساعدهم على التعبئة، وأكدت: «ما وحد بالفعل المتطرفين اليمينيين وأوساط متطرفة أخرى مختلفة هو قاسم مشترك تمثل فى ازدراء الديمقراطية ومحاولة زعزعة الثقة فى دولتنا».

المهاجرون والابتزاز الإلكترونى
الهيئة الفيدرالية للأمن السيبرانى فى ألمانيا حذرت فى 25 أكتوبر 2022، من أن حوادث برامج الفدية والابتزاز الإلكترونى لا تزال تشكل التهديد الأكثر أهمية لألمانيا، حيث استمرت “الفدية” فى الارتفاع، مع سلسلة من الحوادث التى سبقت الغزو الروسي وتزامنت معه والتى أثرت على قطاع النفط والكيماويات فى البلاد، وكذلك فى جيرانها، مما أثار مخاوف من أنها جزء من حملة تنسقها المخابرات الروسية.

وتلقت السلطات الألمانية بشكل متزايد بلاغات عن أنشطة من جانب مجموعات مختلفة جدا فى الفضاء الإلكترونى، تروج إلى استهداف أهداف ألمانية من قبل مجموعة قراصنة والتى تتبنى استراتيجية، والتى يتم فيها اختراق بوابات الأخبار عبر الإنترنت أو حسابات وسائل الإعلام والصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعى واستخدامها لنشر معلومات كاذبة، وحذرت وكالة الاستخبارات الألمانية من أن ألمانيا قد تواجه تهديدًا متزايدًا من الهجمات الإلكترونية على بنيتها التحتية الحيوية، والمؤسسات السياسية والعسكرية، والشركات.

وبالنسبة للمهاجرين الأوكرانيين، فقد أعلنت مدن وولايات ألمانية أن استقبال لاجئين أوكرانيين جدد سيكون أمرًا صعبًا، على ولاية شمال الراين ويستفاليا اللذان أعلنا أنهما ربما تتوقفان عن استقبال لاجئين من أوكرانيا بعد تزايد أعدادهم، إذ لم تعد السلطات تجد مكانا لإسكانهم، وهو ما دفع اليمين المتطرف لاستغلال الموقف ومحاولة استنفار الشعب ضد الحكومة.

وأشارت التقديرات أن برلين تستقبل يوميا نحو 1000 لاجئ جديد قادمين من أوكرانيا ما جعل العديد من السياسيين المنتمين إلى حزب المستشار «أولاف شولتس» الاشتراكى الديمقراطى يؤكدون أن برلين لا يمكنها تنظيم هذا بمفردها وهى بحاجة إلى مزيد من الدعم من الحكومة الاتحادية وذلك بالتزامن مع عدم وجود مؤشرات للمساعدة الحكومية.

استغلال التضخم
فى إحصائية المركز الأوروبى لمكافحة الإرهاب تبين أن المتطرفين استغلوا أيضا موجة التضخم فى البلاد لنشر أفكارهم، حيث تشير الأرقام إلى قفز التضخم إلى أعلى مستوى مدفوعا بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، وارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 10%، وارتفعت في المقابل الأسعار في بيع المواد الغذائية بالتجزئة، وكانت 9 من كل 10 شركات في مجال تجارة التجزئة للسلع الغذائية تخطط لزيادات في الأسعار، ويرجع السبب الرئيس للأسعار المتزايدة لارتفاع قيمة التكاليف في شراء الطاقة والمواد الخام وغيرها من المنتجات الأولية والسلع التجارية.

وكشف مسئولون لوسائل الإعلام الألمانية أن اليمين المتطرف في ألمانيا وفى مؤسسات الدولة الألمانية لم يكن يصل لهذا المستوى، مشيرين إلى أن اليمين اصلا كان موجودا في ألمانيا ولكنه كان محصورًا في الجماعات النازية «الحزب النازى الجديد» والذى تراجع بسبب إجراءات الاستخبارات الداخلية الألمانية والمحكمة الدستورية العليا ولكن جاءت بدائل إلى «الحزب النازى»، وكثير منهم موجودين في مؤسسات الدولة.

ولفت المسئولون إلى أن تقدير حجم اليمين المتطرف في ألمانيا عملية صعبة، لكن يمكن مقارنتها على مستوى ظهور اليمين المتطرف في المجتمع، فحجم التواجد اليمنى يمكن القول بأنه 1 = 1 أي 1% وهكذا لسبب أن تطرف اليمين موجود مع بعض أفراد المجتمع وهذه معضلة كبيرة تواجهها الدولة الألمانية ويواجهها أيضا المجتمع والأحزاب الألمانية الأخرى.

ويرى المحللون أن عملية مكافحة اليمين المتطرف صعبة جدا، لأن هؤلاء داخل مؤسسات الدولة ويفهمون جيدا كيفية حماية الدولة، فالخطير في تواجد اليمين المتطرف أنه متخفى ولا يترك إشارات ظاهرة، ويكمن الخطر بالجماعات التي تحمل فكر اليمين المتطرف ولا تظهر «علانية» أو تحمل شارات مثل حلق الرؤوس وغيرها، فإذا الفكر اليمينى هو الأخطر وهو غير واضح المعالم داخل مؤسسات الدولة والمجتمع، وهذه الجماعات لا تثق بأي شخص ولا تظهر فكرها اليمينى المتطرف مهما كانت العلاقة.