من منا لم ينبهر بأجواء أفلام العصابات؟.. وبالأخص تلك التي تتحدث عن المافيا بشكلٍ كبير!!
لا يمكننا بأي حالٍ من الأحوال تجاهل تلك المتعة النفسية الكبيرة ونحن نطالع أفلام العصابات، تلك المتعة الطفولية التي نحسها حينما نشاهد عوالمهم المثيرة للخيال والإثارة!!، بحالٍ يجعلنا نقبل على متابعة هذه الأفلام بشكلٍ أكثر، خصوصًا وأنها تحكي عن العوالم الخفية لتلك الحياة الإجرامية.
الأمر الذي هذبته أفلام المافيا لتجعله كيانًا له قدسيته وحضوره البروتوكولي الأقرب للطقوس الدينية، والتي تربط أعضاء العائلة الواحدة بمواثيق القسم والولاء، وكذلك مواثيق المعمودية التي يصير عمادها الأب الروحي (الدون)، والذي يعد هو الراعي الأهم وإليه تُرجع الأمور في العائلة، والتي تعامل معه أفرادها تعاملهم لأبٍ قوي وجب على الجميع احترامه وطاعته وعدم الخروج عن أمره مهما كانت الظروف ووقت ما يصدر الأمر ينفذ بلا نقاش!!
وربما تلكم الأجواء كانت هي السبب الأول الذي جعلالمخرج المخضرم فرانسيس فورد كوبولا يقيم مع الروائي ماريو بوزو من أجل تقديم رواية الأخير “The Godfather” لفيلم يحمل نفس الاسم في العام 1972 ومن إنتاج شركة “باراماونت”، لكن بشكلٍ حداثي، إذ قرر صناع العمل تقديم المافيا بشكلٍ أكثر رومانسية ولها شجن لطيف، بحالٍ جعل الأجواء العامة للفيلم تعتمد على جمال الروح الإيطالية، مع الاحتفاظ بفكرة الجريمة داخل أركان الفيلم.
ولأول مرة نشاهد فيلما يحمل البصمة الإيطالية الكاملة داخل الأجواء، فالكاتب والمخرج والأبطال كلهم إيطاليون الأصول، وجذورهم تمتد لتتفهم الفكرة الكاملة، لنرى الملحمة تتشكل في أجواء “The Omerta” حيث الغرفة المغلقة، التي تناقش الأعمال بشكلٍ جاد ذي طابع حميمي، يشعرك بمودة الأسرة والولاء وسط فكرة الدفاع عن الكيان الواحد!!
تلك الفكرة التي يفتقدها السواد الأعظم من الجمهور الأمريكي، الذي يعيش بطبيعة الحال في تفسخ أسري وحرية لا تُلزم أي شخص بأي مسؤلية تجاه الآخرين، كما أن الغالب لا يقدر الهامات الكبيرة ولا يقيم وزنًا للكبار.
جاء الأب الروحي ليغير صورة المافيا في السينما العالمية من مجرد عصابات إجرامية تطاردها الشرطة، لكيان ثابت له قانونه وله تفاعله في المجتمع الأمريكي، بل وله جذوره الصقلية الثابتة.
مع الحفاظ على فكرة نبذ تجارة السلاح والمخدرات والدعارة وتسميتها تجارة قذرة من وجهة نظر بوزو، وعلى لسان بطله فيتو كوريليون.
الأمر الذي أعطى له نوعًا من التعاطف خصوصًا حينما تم تقديمه كمجرم نظيف!!
لكن بسبب النجاح الساحق الذي حققه الفيلم تم إنتاج جزئين آخرين ليصيروا ميراثًا دفع شركة “باراماونت” لإعادة استثمار الفيلم في مسلسل The Offer”” والذي قدم كواليس الفيلم بشكلٍ جذاب.