The Omerta

هيثم مصطفي
هيثم مصطفي

من‭ ‬منا‭ ‬لم‭ ‬ينبهر‭ ‬بأجواء‭ ‬أفلام‭ ‬العصابات؟‭.. ‬وبالأخص‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬المافيا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبير‭!!‬

لا‭ ‬يمكننا‭ ‬بأي‭ ‬حالٍ‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬تجاهل‭ ‬تلك‭ ‬المتعة‭ ‬النفسية‭ ‬الكبيرة‭ ‬ونحن‭ ‬نطالع‭ ‬أفلام‭ ‬العصابات،‭ ‬تلك‭ ‬المتعة‭ ‬الطفولية‭ ‬التي‭ ‬نحسها‭ ‬حينما‭ ‬نشاهد‭ ‬عوالمهم‭ ‬المثيرة‭ ‬للخيال‭ ‬والإثارة‭!!‬،‭ ‬بحالٍ‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقبل‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أكثر،‭ ‬خصوصًا‭ ‬وأنها‭ ‬تحكي‭ ‬عن‭ ‬العوالم‭ ‬الخفية‭ ‬لتلك‭ ‬الحياة‭ ‬الإجرامية‭.‬

الأمر‭ ‬الذي‭ ‬هذبته‭ ‬أفلام‭ ‬المافيا‭ ‬لتجعله‭ ‬كيانًا‭ ‬له‭ ‬قدسيته‭ ‬وحضوره‭ ‬البروتوكولي‭ ‬الأقرب‭ ‬للطقوس‭ ‬الدينية،‭ ‬والتي‭ ‬تربط‭ ‬أعضاء‭ ‬العائلة‭ ‬الواحدة‭ ‬بمواثيق‭ ‬القسم‭ ‬والولاء،‭ ‬وكذلك‭ ‬مواثيق‭ ‬المعمودية‭ ‬التي‭ ‬يصير‭ ‬عمادها‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭ (‬الدون‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬هو‭ ‬الراعي‭ ‬الأهم‭ ‬وإليه‭ ‬تُرجع‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬العائلة،‭ ‬والتي‭ ‬تعامل‭ ‬معه‭ ‬أفرادها‭ ‬تعاملهم‭ ‬لأبٍ‭ ‬قوي‭ ‬وجب‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬احترامه‭ ‬وطاعته‭ ‬وعدم‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬أمره‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬ووقت‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬الأمر‭ ‬ينفذ‭ ‬بلا‭ ‬نقاش‭!!‬

وربما‭ ‬تلكم‭ ‬الأجواء‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬جعلالمخرج‭ ‬المخضرم‭ ‬فرانسيس‭ ‬فورد‭ ‬كوبولا‭ ‬يقيم‭ ‬مع‭ ‬الروائي‭ ‬ماريو‭ ‬بوزو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقديم‭ ‬رواية‭ ‬الأخير‭ ‬“The Godfather”‭ ‬لفيلم‭ ‬يحمل‭ ‬نفس‭ ‬الاسم‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1972‭ ‬ومن‭ ‬إنتاج‭ ‬شركة‭ ‬“باراماونت”،‭ ‬لكن‭ ‬بشكلٍ‭ ‬حداثي،‭ ‬إذ‭ ‬قرر‭ ‬صناع‭ ‬العمل‭ ‬تقديم‭ ‬المافيا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أكثر‭ ‬رومانسية‭ ‬ولها‭ ‬شجن‭ ‬لطيف،‭ ‬بحالٍ‭ ‬جعل‭ ‬الأجواء‭ ‬العامة‭ ‬للفيلم‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬جمال‭ ‬الروح‭ ‬الإيطالية،‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بفكرة‭ ‬الجريمة‭ ‬داخل‭ ‬أركان‭ ‬الفيلم‭.‬

ولأول‭ ‬مرة‭ ‬نشاهد‭ ‬فيلما‭ ‬يحمل‭ ‬البصمة‭ ‬الإيطالية‭ ‬الكاملة‭ ‬داخل‭ ‬الأجواء،‭ ‬فالكاتب‭ ‬والمخرج‭ ‬والأبطال‭ ‬كلهم‭ ‬إيطاليون‭ ‬الأصول،‭ ‬وجذورهم‭ ‬تمتد‭ ‬لتتفهم‭ ‬الفكرة‭ ‬الكاملة،‭ ‬لنرى‭ ‬الملحمة‭ ‬تتشكل‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬“The Omerta”‭ ‬حيث‭ ‬الغرفة‭ ‬المغلقة،‭ ‬التي‭ ‬تناقش‭ ‬الأعمال‭ ‬بشكلٍ‭ ‬جاد‭ ‬ذي‭ ‬طابع‭ ‬حميمي،‭ ‬يشعرك‭ ‬بمودة‭ ‬الأسرة‭ ‬والولاء‭ ‬وسط‭ ‬فكرة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الكيان‭ ‬الواحد‭!!‬

تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬يفتقدها‭ ‬السواد‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬تفسخ‭ ‬أسري‭ ‬وحرية‭ ‬لا‭ ‬تُلزم‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬بأي‭ ‬مسؤلية‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الغالب‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬الهامات‭ ‬الكبيرة‭ ‬ولا‭ ‬يقيم‭ ‬وزنًا‭ ‬للكبار‭.‬

جاء‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭ ‬ليغير‭ ‬صورة‭ ‬المافيا‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬عصابات‭ ‬إجرامية‭ ‬تطاردها‭ ‬الشرطة،‭ ‬لكيان‭ ‬ثابت‭ ‬له‭ ‬قانونه‭ ‬وله‭ ‬تفاعله‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بل‭ ‬وله‭ ‬جذوره‭ ‬الصقلية‭ ‬الثابتة‭.‬

مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬نبذ‭ ‬تجارة‭ ‬السلاح‭ ‬والمخدرات‭ ‬والدعارة‭ ‬وتسميتها‭ ‬تجارة‭ ‬قذرة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬بوزو،‭ ‬وعلى‭ ‬لسان‭ ‬بطله‭ ‬فيتو‭ ‬كوريليون‭.‬

الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أعطى‭ ‬له‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬خصوصًا‭ ‬حينما‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬كمجرم‭ ‬نظيف‭!!‬

لكن‭ ‬بسبب‭ ‬النجاح‭ ‬الساحق‭ ‬الذي‭ ‬حققه‭ ‬الفيلم‭ ‬تم‭ ‬إنتاج‭ ‬جزئين‭ ‬آخرين‭ ‬ليصيروا‭ ‬ميراثًا‭ ‬دفع‭ ‬شركة‭ ‬“باراماونت”‭ ‬لإعادة‭ ‬استثمار‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬The Offer””‭ ‬والذي‭ ‬قدم‭ ‬كواليس‭ ‬الفيلم‭ ‬بشكلٍ‭ ‬جذاب‭.‬

[email protected]