علاء عبد الكريم
وكأن عقلي صار فارغًا إلا من هذا السؤال: لماذا هؤلاء ممن يطلقون على أنفسهم أصحاب التيار الإسلامي والحقيقة المطلقة؛ لم يتسلل نور الحب يومًا إلى قلوبهم؟!، حياتهم مفككة خالية من الإحساس، هم لا يعرفون معنى عبارة الصوفي جلال الدين الرومي الذي كان يلقب يومًا بـ سلطان العاشقين حين قال؛ «يختلف الكون تمامًا لو عشقت النار الماء»، هل حمل واحد منهم يومًا وردة في يده أو داعب طفلًا أو حيوانًا أليفا أو صادفت عيناه طائرا جميلا يغرد فوق شجرة وأنصت لسماع أنغام شدوها الجميلة؟!، هم لا يدركون أن أصوات الطيور في الصباح الباكر هي أجمل ما يأتينا من الطبيعة؟!، لماذا اتقن هؤلاء حمل السلاح وتفخيخ أجسادهم بالمتفجرات ينتظرون إنسانًا يختلف معهم في الرأي أو موكب مسؤول ليفجروا أنفسهم وسط الأبرياء؟!، لماذا عندما تنظر إلى وجوه هؤلاء تجد الغلظة والقسوة والوجوم تكسو ملامحهم وكأنهم ولدوا بلا قلوب أو ماتت مشاعرهم وأحاسيسهم خنقًا بأيديهم حتى إذا تكلموا لا يتحدثون عن الجنة ومراتبها مثلًا، وإنما عن النار والجحيم وعذاب القبر والثعبان الأقرع مختزلين الإسلام فيمن توعدهم الله من الكفار وقد نسي أو تناسى هؤلا أن القرآن الكريم ذكر الحب في 76 آية، وحدثتنا كتب السيرة أن السيدة خديجة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا عن آيات المحبة، فأجابها عليه أفضل الصلاة والسلام: «بأن ثمة 10 آيات قرآنية نزلت من الله على المسلمين» في هذا الشأن، ثم ألم يستمعوا إلى نصيحة المسيح عليه السلام لاتباعه حين قال لهم: «احبوا أعداءكم» حتى نظرتهم إلى المرأة ما هي إلا مجرد وعاء يحتوي شهوتهم الخبيثة، وإذا خرجت إلى الشارع عليها – خضوعًا وطائفية -أن تدفن نفسها داخل خيمة لا يظهر منها إلا عينان، وربما يفتون يومًا بأن عين المرأة تثير الفتنة، فيأمرون بتغطيتها هي الأخرى، ومثل القهوة المرة التي أرشفها، فعلوا مثلما تمخض عقل شيخهم «الفايسبوكي» بفتوى هي الأكثر مرارًا وسوادًا حين قال؛ «إنه لا يجوز إطلاقًا لرجل أن يمسك بيد زوجته في الأسواق والأماكن العامة، حتى لو كانا في الزحام وذلك لكي لا يثير «شهوة» غير المتزوجين والعياذ بالله، وإذا خشي أن تضيع زوجته منه، فما عليه إلا أن يربطها بحبل أو ما شابه ذلك»!، والمضحك أنه ختم كلامه قائلاً: والحمد لله على كل حال»، وكأن اجتهاده هذا ينجينا من الحرق في النار أو سلخ جلودنا أو مطاردة الثعبان الأقرع لنا في القبر.
هكذا سارت الأمور على مر التاريخ؛ ما أن ترى الأم أو الأب ابنتهما قد أكملت عامها السابع سرعان ما يأمرانها بارتداء حجابًا ملفوفًا بإحكام حول رأسها ورقبتها كأنه مشنقة وعليه أن تلتزم به فهو الحصن المنيع من عيون الذئاب؛ رغم أن الأولى أن يفتح الآباء والأمهات عقول أولادهم – والولد في اللغة العربية يشمل الذكر والأنثى – على المعارف والعلوم؛ عندما سعى مرشد العصابة الإرهابية الهضيبي طالبًا من رجل يوليو القوي جمال عبد الناصر فرض الحجاب على نساء مصر رغم أن زوجته ليست محجبة، رد عليه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بسخرية قائلًا: «أنتم عايزنها ضلمه بقى»، لم يقصد عبد الناصر بـ»ضلمة» الظلام بمعناه اللفظي وهو انعدام الضوء أو ذهاب النور وإنما العودة إلى العصور الوسطى، مثلما حاول التيار السلفي فيما مضى شرعنة زواج الفتيات في سن التاسعة.
قيمة الإنسان الحقيقية في مواكبة التاريخ، أن يعي وجوده في وطن يشكل وجدانه، أن يشعر بالدماء تخفق بقوة في شرايينه حين يغيب نور عقله ويزحف الجهل إليه فيركن إلى الخرافة فتتحكم في مقدرات حياته، وبدلاً من أن تكون حياة الانسان ومستقبله في العلم يهتم بالغيبيات، وهذا ما يفعله التيار السلفي دائمًا؛ بنشر أفكار الشعوذة بين الناس.
في عام 2008 أتت الى مصر خبيرة رومانية اسمها»أنا فيتا» بهدف واحد وهو دراسة تأثير الجن على المصريين فخلصت إلى مفاجأة مرعبة تؤكد؛ «أن السفهاء لا يزالون يقتنعون أن أقدارهم لا بيد الله وحده وإنما بيد العفاريت»، وكما تساءل – مستنكرًا - فيلسوف مصر الراحل الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه «المعقول واللا معقول»: «متى نتخلص من تراثنا القديم من أحاديث عن السحر والتنجيم والتعزيم والرُقي والتمائم وسائر أعضاء هذه الأسرة غير الكريمة من أدوات الجهل»؟!
القضاء على حكم ديني فاشيستي كاد أن يعيد الى الأذهان طغيان الكنيسة على الدولة في المجتمعات الأوربية إبان العصور الوسطى، يعني في المقام الأول موت هذه الجماعة سياسيًا واجتماعيًا وتاريخيًا للأبد، بدونهم مصر منورة بأهلها.