محمد البهنساوي يكتب: القمة العربية والميلاد المنتظر

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

«لم الشمل العربى» ، تحت هذا الشعار تنطلق اليوم القمة العربية بالجزائر الشقيقة ، والتى تأتى بعد توقف سنوات بسبب جائحة كورونا ، الشعار ليس بجديد بل كان شعار القمم العربية لسنوات وعقود ، لكن بنظرة عامة للأوضاع والتطورات الدولية والعربية نجد أن لم الشمل لم يعد شعارًا إنما أصبح فريضة ملحة والظروف مواتية لتحقيقه . 

القمة الحالية تأتى وسط وضع شديد الخصوصية عربيًا ودوليًا ، فالعالم يعاد تشكيله وقواعد اللعبة الدولية تتغير بشكل غير مسبوق ، ولو غابت المنطقة العربية عن هذا التغيير فستظل تائهة متخلفة لعقود ربما تطول ، وعربياً نجد أن تحديات المنطقة أضحت كثيرة ومتنوعة وغير مسبوقة ، نعم لم تغب التحديات عن عالمنا العربى ، لكن الجديد الآن أن هناك إرهاصات استقلال حقيقى وواعى للقرار العربى ورغبة مدروسة ومحسوبة فى إظهار القوة والاستقلالية ، إذن ورغم التحديات ومن رحم المعاناة يولد أمل قوي هذه المرة فى تحقيق لم الشمل والوحدة الحقيقية .

وبنظرة سريعة على اللعبة الدولية الجديدة نجد أنها تقوم على عدة عناصر ومعطيات ، فى مقدمتها الطاقة وهى المحرك الأساسى للاقتصاد العالمى ، وثانيها تشكيل تحالفات إقليمية تقوم على المصالح المشتركة ، فمن يملك الطاقة وينجح فى قيادة تحالفات إقليمية قوية سيكون فى مقدمة الخريطة الدولية الجديدة ، إذن وحدة الدم والمصير العربى رغم أهميتها أصبحت عاملاً مساعداً لعنصرى الطاقة والمال والتحالفات الإقليمية لمن يرغب من العرب مبارحة مقاعد المتفرجين إلى اللاعبين الأساسيين بالملعب الدولى الحالى وسبيله لذلك لم الشمل وتحقيق قوة إقليمية عربية وليدة ومختلفة .

إن العالم العربى مؤهل بصورة أفضل من أى منطقة أخرى ومن أى وقت مضى ليكون صانع ألعاب ماهراً لا غنى عنه بالمنطقة والعالم ، فالطاقة ليس لها نظير سواء بترول الخليج وغيره بعالمنا العربى ، أو الغاز المصرى واللبنانى والقطرى والليبى وغيره ، والمال متوافر وكذلك الموارد البشرية المؤهلة ، ينقصنا فقط الإرادة والذكاء السياسى وهما ما قصدناه عندما أشرنا إلى الإرهاصات والأمل فى لم الشمل والوحدة ، هذا ليس كلاماً نظرياً وإنما يستند لمواقف عربية جديدة ومختلفة ، بدأتها مصر بموقفها الذى فاجأ الجميع بثورة 30 يونيو التى جاءت معاكسة لرغبة قوى دولية كبرى ، ولم تفلح محاولات ثنى مصر وقيادتها عن المضى فى تحقيق مطالب ثورتها رغم التحديات والمكائد الدولية ، لنصل اليوم لمواقف مصرية وسعودية وإماراتية لم نعهدها من القادة العرب لسنوات وعقود ، ولن ننسى الموقف السعودى فى قمة جدة الأخيرة بين العرب وأمريكا ولا موقف السعودية بمؤتمر أوبك الأخير ، ولا يمكن تجاهل تحركات مصر والسعودية والإمارات وموقفهم من الحرب الروسية الأوكرانية المبشرة بالاستقلال  والوعى العربى . 

وبعيداً عن أمل الميلاد العربى المنتظر ، نجد أمام قمة الجزائر قضايا عربية نأمل أن يتم علاجها بفكر جديد وليس روتينياً كما كان يتم وكانت محصلته صفرا ، من تلك القضايا مواجهة التدخلات الإقليمية المتبجحة بعدة دول عربية من ليبيا إلى اليمن وسوريا ولبنان وتهيئة الأجواء لمصالحة جزائرية مغربية واستقرار سودانى وإفاقة  لبنانية وانتعاشه فلسطينية ، ناهيك عن الفرصة الذهبية لتفعيل حقيقى للجامعة العربية كمظلة وغطاء عربى قوى يناسب الميلاد المنتظر .