محمود الوردانى يكتب: هل تريد أن تتعرف على الإسكندرية؟! ( ٣ - 3 ) لحظات هاربة للمدينة

محمود الوردانى
محمود الوردانى

[email protected]

أختتم هنا ما كنت قد بدأته قبل أسبوعين عن تجربة علاء خالد، وكنت قد أشرت فى المقال الأول إلى كتابه الفاتن حقا - وجوه سكندرية - دار الشروق، الصادر عام 2012 والذى فاتنى قراءته عند صدوره.


الكتاب يشبه علاء خالد، يشبه رؤيته وطريقته فى التناول، يشبه شعره وسرده ورحلاته المنشورة فى مجلة أمكنة. يكاد علاء أن يكتب نصا واحدا يضم كل ماكتبه، ومازال النص مفتوحا ويتسع لما سوف يضيفه، لذلك يكتسب كتابه ملامح مختلفة عن سائر ما كُتب ويُكتب عن الإسكندرية، ملامح تخص الكاتب وتخص العالم الذى يشيده حسبما يرى ويختار. وهكذا فى مرات خرجت التجربة على شكل ديوان شعرى، أو عمل روائى، أو مجلة جليلة الشأن مثل أمكنة.


فهو يكتب مثلا عن العابرين والهامشيين ممن لايحفل بهم أحد، مثل جمال الدولى الذى أمضى سنوات يلطخ شوارع المدينة باسمه، والمغنى السكندرى الذى لايعرف الهندية لكنه يصرّ على أن ما يغنيه أغان هندية!، وعم عربى، وعم خميس.

وصاحب البدلة الزرقاء. يكتب عن ترام المدينة وارتباط المدينة به، وعن المقاهى والبارات، عن المطر ووجوده الأسطورى فى المدينة وعلاقة الأطفال به. عن البحر بالطبع والميناء وشوارع وسط البلد وحرائق المدينة منذ غزاها الإنجليز عام 1882. 


أفتح قوسا هنا لأذكر أننى كنت فى الإسكندرية قبل سنوات طويلة، ودخلت أحد المطاعم الصغيرة لأتناول الإفطار، وسرعان ما اكتشفت أننى أعرف المطعم والمقهى الملحق به، فقد قرأت نصا كان علاء قد نشره فى مجلة أمكنة عن مقهى الحاج صالح وأولاده.

وكان المكان وأصحاب المقهى الذين وصفهم علاء معروفين لى من مجرد القراءة، وتبادلى للحديث معهم أكّد لى أن المقهى هو مقهى الحاج صالح. ولحُسن الحظ أعاد الكاتب نشر النص فى الكتاب.


يتجول علاء فى طول الإسكندرية وعرضها. يلتقط من زوايا مختلفة من كتبوا عنها وعاشوا فيها وسجلوا تجربتهم معها مثل كفافيس وداريل وإدوار الخراط ونجيب محفوظ فى ميرامار ويوسف شاهين بالطبع وكذلك داود عبد السيد، وإن كنت مندهشا من تجاهله التام فى سائر ما كتبه لفنان تشكيلى ارتبط بالمدينة وعبّر عنها  كما لم يرتبط أحد بها وهو بالطبع محمود سعيد.


ينقّب علاء عميقا فى طبقات تاريخ مدينته، عاصمة البلاد وحاضرتها والقاعدة لإمبراطورية ضخمة لقرون طويلة خلال العصر البطلمى، ثم واحدة من أقوى الولايات خلال العصر الرومانى. وطبقا لرسالة الإمام السيوطى «فى فضل ثغر الإسكندرية» على سبيل المثال، هى «إحدى قلاع الروم الحصينة التى تمنى الرسول أن تُضم إلى الجسد الجغرافى للإسلام».

وأن «إسم الإسكندرية تردد على لسان الرسول عدة مرات» .. أكثر من ذلك، فبعد سلسلة من العنعنات «قال الأوزاعى عن إبى هريرة أن رسول الله قال: صليت ليلة أسرى بى على الباب الشرقى من أبواب الإسكندرية ومعى جبريل عليه السلام فى سبعين ألفا من الملائكة.


من جانب آخر، يخلو الكتاب من النوستالجيا والبكاء على الأطلال وانهيار التعددية والتسامح، فلا مجال للعبارات المستهلكة والأراء الجاهزة التى يمكن أن يوردها الأخرون، فالأمر عند علاء خالد أكثر عمقا ورؤيته تتأتى من تجربته الخاصة.وأخيرا.. كتّر خيرك ياعلاء على كل ما منحتنا من كتابة وإخلاص لها وانصهارا بها.

اقرأ ايضا | أبو الحسن الجمال يكتب: أحمد حسين الطماوي.. الأديب والمؤرخ والمفكر