المسلسل الألماني "Kleo".. عندما تأتى الخيانة من الوطن!

 المسلسل الألماني Kleo
المسلسل الألماني Kleo

كتبت: محمد كمال

الشيوعية في معناها المجرد كنظريات الألماني كارل ماركس فكرة تكاد تكون سامية حيث إنها تدعو للعدالة الاجتماعية، لكن تلك الفكرة النبيلة ظلت تتعرض للتشوه على مدار أعوام وتستخدم بتفريعات وتنوعات سياسية واقتصادية وتجارب في كل دول العالم لكن بالطبع تظل التجربة الروسية هي الأهم والأكثر شمولية وتحديدا الخاصة بمرجعيات فلاديمير لينين التي كان لها تأثير واضح ومباشر على مستقبل العالم في بداية القرن الماضي، وفي ألمانيا التي كانت مهد وبداية نظريات ماركس في القرن قبل الماضي تعود منصة نتفلكس في القرن الـ21 وفي عام 2002 بطرح أحدث الأعمال التي من إنتاجها وهو المسلسل الألماني “Kleo” الذي يشارك في بطولته جيلا هاس وديميتري شكاد ويوليوس فلاديمير ومارتا سروكا وذو الأصول الروسية فلاديمير بورلاكوف والمسلسل يتكون من 10 حلقات.

 

الميزة الحقيقية لمن يتبنوا تلك الأفكار الاشتراكية تكون إلايمان القوي والراسخ والتمسك بها حتى في أكثر لحظات الانهيار لهذا تتحول مسألة كشف الحقيقة إلى جحيم بالنسبة لهم وتحديدا حول مفهوم من هم أعداء الوطن وهو ما يطرحه المسلسل بجرأة كبيرة وشفافية سلسة وبحس كوميدي رغم كثرة مشاهد القتل لكن يبقى السؤال الأهم من هم أعداء الوطن؟ والسؤال التالي: ماذا سيكون الوضع إذا كانت الخيانة تأتي من الوطن نفسه؟ وهذا ما حدث مع كليو العميلة في “شتازي” وهو عبارة عن فرع سري غير رسمي في المخابرات الألمانية الشرقية حيث تدور الأحداث عام 1987 أي قبيل سقوط جدار برلين بعامين حيث تقوم العميلة السرية بعملية قتل أحد “أعداء الوطن” وهي تجهل هويته داخل حدود ألمانيا الغربية وبعد نجاحها وعودتها للوطن تتفاجأ بالقبض عليها وتوجيه تهمة الخيانة العظمى لها معتمدين على شهادات تدينها من قبل جدها الضابط الكبير في جيش ألمانيا الشرقية.

بعد سقوط جدار برلين وانهيار دولة ألمانيا الشرقية بأفكارها الاشتراكية وحلم مجتمعها لحياة عادلة متزنة تبدأ كليو رحلتها الصعبة والشاقة لاكتشاف الحقيقة لأنها تولدت لديها قناعة تامة بأنه لا يوجد مستقبل دون معرفة خبايا الماضي وكشف المسئولين عن توريطها وسجنها مستخدمة الملكات المميزة التي جعلتها التلميذة الأفضل لدى الزعماء الاشتراكيين أثناء فترات التدريبات وخصوصا رئيس الجهاز السري وأثناء تلك الرحلة تبدأ كليو في تنفيذ عمليات القتل المستمرة بداية من جدها وصولا إلى الاكتشاف الأكبر بأن هناك قوى خفية كبرى تمنعها وبقوة من اكتشاف الحقيقة وكأن الأمر لا يتعلق بها فقط بل بالدولة ككل.

على الجانب الآخر يسير على نفس خط كليو ضابط شرطة في قسم الاحتيال من ألمانيا الغربية يدعى سفين كان متواجدا بالصدفة في الملهى الليلي أثناء قيام كليو بتنفيذ عمليتها، يكشف سفين كيفية تعامل دولته مع الأمر حيث التحقيق الهزلي ثم غلق القضية تماما بعد استبعاد شبهة القتل من الأساس وهو ما يجعل سفين يعمل بشكل فردي في مراقبة وملاحقة كليو للإيقاع بها ولإثبات صحة وجهة نظره لكن بمرور الأحداث يتحول سفين إلى داعم ومساعد لكليو لأنه يكتشف أن الأمر أكبر من مجرد عملية مخابراتية.

 

تأتي المفارقة الكوميدية في نجاح الثنائي كليو وسفين في الاتحاد رغم فشل دولتهما المقسمة لشرقية وغربية، ويأتي هذا الاتحاد بثماره حيث يكتشف الثنائي أن الحقيقة ترتبط بالوصول إلى حقيبة حمراء داخلها تتواجد كل المستندات التي تكشف الأمر برمته وأن تلك الحقيبة تتواجد في شيلي لكن هذا بعد أن أصبحت كليو هدفا لجميع أطراف بقايا النظام المخابراتي في الشرق والمخابرات الفيدرالية في الغرب والطرف الثالث المختبئ بعيدا عن الأنظار لكنه يظهر في نهاية المطاف والذي تمثله العميلة السرية “مين” وهو الجانب الأمريكي حيث إن المستندات التي تحتويها الحقيبة الحمراء بها اتفاق سري بين الرئيس الأمريكي رونالد ريجان والأمين العام للحزب الاشتراكي في ألمانيا الشرقية إريش هونيكر على إمداد ألمانيا الشرقية بالدعم المادي حتى لا تسقط حتى يظل ريجان في نقل قناعاته لشعبه بأن العدو مازال قويا وموجودا بالتالي على أمريكا أن تستمر في سياستها أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي في ذلك التوقيت.

لم تتوقف صدمات كليو عند اكتشاف أن الخيانة تأتي من الوطن، بل أيضا عندما علمت بأن والدتها على قيد الحياة وأنها لم تمت مثلما قال لها الجد وكانت الصدمة أن تلك الأم التي تعيش في ألمانيا الغربية منذ أعوام كانت مقابلتها لكليو فاترة مبررة هذا بأنها قامت ببناء حياتها من جديد في ظروف صعبة وليس لديها أي رغبة بالعودة للماضي أو وجود أي أمر يجعلها ترتبط بذكريات ألمانيا الشرقية وهو المعادل المستقبلي لدولة ألمانيا الجديدة حيث محاولات نسيان بل وإنكار الماضي حتى لو لزم الأمر استخدام حالات الجمود العاطفي تجاه المقربين، وما تؤكده النهاية من خلال المعادل العكسي، ففي البداية أجهض جنين كليو وهي في السجن الذي معه أجهضت الفكرة النبيلة نفسها وفي المقابل ومع انتهاء الأحداث نجد رامونا التي أنجبت طفلا كدلالة على أن مستقبل ألمانيا بعد انهيار الجدار سيظل في يد القادة الفاسدين الذين خانوا الوطن منذ البداية وباعوا الوهم على أنه حلم للشعب الألماني، أما الحقيبة الحمراء فهي تعكس اللون الذي يرمز لاشتراكية لينين وتلاميذه تلك الفكرة النبيلة التي انحدرت وتاهت بمرور الزمن بفضل من طبقوها من القادة ودفع الثمن من آمنوا بها.

احتوى مسلسل “كليو” على جودة كبيرة في عناصره بداية من الأداء التمثيلي مرورا بالمزج الرائع بين الميلودراما ومشاهد القتل الدموية وبين الحس الكوميدي الذي سيطر على الأحداث نهاية بالإنتاج الفني الذي يعد العنصر الأكثر قوة الخاص بكل التفاصيل المرتبطة بتلك الفترة في الملابس والشوارع والسيارات والأجهزة  خاصة المشاهد التي تم تنفيذها في ألمانيا الشرقية والحالة التي كانت عليها تلك الدولة الاشتراكية في هذا الوقت، وأخيرا البراعة في تنفيذ مشاهد الفلاش باك التي جاءت بعد إصابة كليو برصاصة وفقدانها للوعي حيث كانت العودة إلى سرد تفاصيل حكاية كليو منذ الصغر عن طريق استخدام مشاهد “وان شوت” طويلة بشكل متقطع حيث الخروج السلس من مشهد إلى مشهد ومن زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان في نفس اللقطة مع اختلاف الأشخاص لكن تظل كليو هي العامل المشترك أثناء السرد.

أقرأ أيضأ : مسلسل ‏Mo.. كوميديا فلسطينية ساخرة في بلاد المهجر