كنوز| يوسف إدريس يفتح النار على «مدرسة المشاغبين»

د. يوسف إدريس
د. يوسف إدريس

أشهد أننى لم أرَ إلا جزءًا من مسرحية «مدرسة المشاغبين» المشهورة عُرِض بالصدفة فى التليفزيون، وأذهلنى ما رأيته، وجدت بها كثيرًا من الفساد الذى أخذ يستشرى فى مدارسنا الثانوية بالذات، وكثيرًا من الألفاظ التى أخذت تنسال على ألسنة الطلبة، وكثيرًا من الاعتداءات التى تحدث للمدرسين!

كثيرًا جدًّا من هذا كله كان مصدره هذه المسرحية التى قال لى مقتبسها على سالم وصاحب فرقتها سمير خفاجة: إن الزمام قد أفلت بطول عرض المسرحية من النص، حتى أصبح كل ممثل واجتهاده فى إضافة ما شاء له من حركات وكلمات وبذاءات الْتقَطَها شبابُنا الغضُّ بمنتهى الحذق والبراعة، وراح الآخرون يقلدونهم أو يُضيفون إليها من عندهم، حتى وصل الحال ببعض مدارسنا الثانوية إلى أن الحشيش أصبح يُدخَّن فيها علنًا فى بعض الفصول النائية، بل ونشطت فيها تجارة حبوب الهلوسة والانسطال.

والفصول فى بعض الأحيان تتحوَّل إلى فصول يصبح فيها الفصل المشاغب فى مدرسة المشاغبين نعمةً من نِعَم الله، أهكذا تتحول مسرحية فى أصلها تعتبر قمة تربوية عالية؟.

لم أكن فى الحقيقة أتصور أن يكون للمسرح ووسائل الإعلام كلُّ هذا الأثر المدمِّر إذا عرضنا ما يدمر، ولكنى بدأت أُؤمن بأننا ما كان يجب أن نسمح بدخول الشباب الصغير هذه المسرحية بالذات وغيرها، ما دام معظم تلك المسرحيات قد تحوَّل إلى ما يشبه الكباريهات وإصلاحيات الأحداث والسجون.

إننا فى أكثر بلاد العالم تقدُّمًا و«انحلالًا»، مازلنا نقرأ «ممنوع» لأقل من ١٦ سنة؛ وذلك لأنهم يدركون أنه وإنْ فسد حتى الجيل الكبير الحاضر، فالكارثة أن يفسد الجيل الجديد القادم.

ومن الواجب بل من المحتَّم أن نمنع عن هذا الجيل الذى لم يمتلك بعد كل أدوات عقله وإدراكه وضميره هذه السموم الأخلاقية والتربوية لأن الأثر عليه يكون مُضاعَفًا ورهيبًا، والنتيجة تكون كارثة، وفسادا للمستقبل تمامًا؛ فالصحة ليست معدية، إنما المرض هو المعدى.

أن يمرض بيت أو شاب من بيت أو حى أو مدينة بأكملها شىء، أما أن يمرض المجتمع ونُمرِضه نحن بأيدينا فمسألة لا أعرف كيف تمَّت وكيف لا تزال تتمُّ أمام أعيننا وكأننا لا نراها ولا ندرك بلواها.

فَلْيتحلَّل الجيل الحالى إذا أراد، أمَّا المستقبل فَلْننقذه الآن وبكلِّ ما نملك.

د. يوسف إدريس من كتاب «أهمية أن نتثقف»

إقرأ أيضاً|في يوم المُعلمين العالمي.. هل فعلاً ساهمت «مدرسة المشاغبين» في إهانة صورة المُعلم؟