بدون أقنعة

زقاق المدق

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

لو حكى لى شخص ما عن العرض المسرحى «زقاق المدق» وعن ذلك الإبهار والحلاوة قبل أن أشاهده ما كنت صدقته وما كنت تصورته بهذا الجمال.. عرض يعيدنا إلى ذلك الزمن الجميل عندما كان المسرح هو البوابة الواسعة للولوج إلى شاشة السينما والنجومية.
 «زقاق المدق» عرض مسرحى موسيقى استعراضى كبير على خشبة مسرح البالون يخلو من السطحية والألفاظ الخارجة.. عرض احترافى للأسرة المصرية يحمل رسالة مهمة ويدعو إلى عودة الروح للمصريين فى قالب مسرحى افتقدناه على مسارحنا منذ سنوات طويلة بسبب إحجام المنتجين عن الدخول إليه بعد أن كنا ملوك المسرح الغنائى الاستعراضى فى المنطقة العربية بسبب تكلفة الإنتاج العالية .. أن يقبل مسرح الدولة على إنتاج مثل هذا العمل فهى تجربة عظيمة بكل معنى الكلمة.


العرض من إنتاج البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية.. رؤية درامية وأشعار المؤلف المتميز محمد الصواف وإخراج واستعراضات المخرج الكبير عادل عبده الذى يتألق كعادته على خشبة مسرح البالون ليقدم لنا هذه التحفة الفنية .. ثلاث ساعات و20 دقيقة وأنت تجلس على مقعدك لا يتسلل إليك الملل أو الشعور بمرور الوقت مشدوها إلى نجوم العرض الذين يقدمون لك عرضا لا يخلو من الإثارة والمفاجآت.
صعوبة مثل هذه العروض لنصوص محفورة فى الأذهان أو أفلام سينمائية هى المقارنة وتوقع الأحداث لكن «زقاق المدق» خرج من كل التوقعات بنص مسرحى مكتوب بعناية شديدة من روح زقاق نجيب محفوظ وبأحداث لا تتعارض مع ما ألفناه مما سبق.. توليفة صنعت بصورة خاصة لخشبة البالون وأشعار وأغان جديدة «لنج» واستعراضات قل أن يجود الزمن بمثلها ولا أبالغ فمصممها وصانعها «كيوروجرافى» من طراز فريد له سنوات تزيد على 30 عاما فى هذا المجال وهو أيضا من أفضل مخرجى عروض «الميوزيكيل تياترو» فى مصر والعالم العربى . فى بعض المشاهد كنت أشعر أننى أجلس داخل زقاق المدق بسبب الديكورات المدهشة العبقرية لمحمد الغرباوى والمهارة فى استخدام تكنيك السينما على خشبة المسرح.


عن التمثيل حدث ولا حرج.. بطلة العرض دنيا عبد العزيز «حميدة» فنانة استعراضية من طراز خاص ولا غرابة، فقد فازت بجائزة أحسن ممثلة استعراضية فى المهرجان القومى للمسرح عن دورها العام الماضى ولا تتخيل المسرحية بدونها.. مجدى فكرى «فرج» عبقرية الأداء والإحساس العالى والتمكن والتلوين فى الصوت وحاجات كتير تجعله فى مصاف نجوم الكوميديا العرب.. بثينة رشوان النضوج الفنى بمعناه الحقيقى .. بهاء ثروت «عباس الحلو» كما تخيلته أداء هادئا كأنه صلاح قابيل فى الفيلم.. مراد فكرى بيفكرنى بحسن يوسف فى السينما.. كريم الحسينى الأداء الطبيعى «لايق» على الدور .. سيد جبر «المعلم كرشه» خفة دم محمد رضا وضلع أساسى بالعرض.. شمس تميزت بالحيوية وأعتقد أنها ستلفت نظر المخرجين والمنتجين بعد هذا العرض.. حسان العربى كوميديان أصلى لم يكتشف بعد.. عبد الله سعد وهانى عبد الهادى وأحمد صادق نجوم تميزوا فى أدوارهم كل واحد منهم له طعم خاص.. ولعبت الأزياء دورا مهما فى هذا العرض .. تفاصيل بسيطة فى الشخصيات كانت محل اهتمام د.مروة عودة التى اهتمت كثيرا فأعطت لكل شخصية ملامحها.. الموسيقى والألحان لأحمد محيى رائعة.


بصراحة هذا العرض يحسب لمسرح الدولة ويؤكد ريادته فى إنتاج العروض الموسيقية الاستعراضية بشرط أن يهتم بالدعاية ثم تسويق العروض.. المخرج الكبير عادل عبده راهن على الممثلين الذين نجحوا فى تحمل عبء كبير وكانوا كلهم نجوما.. شكرا لكم فريق «زقاق المدق» أسعدتمونا وفكرتونا بزمن مسرح الستينيات.