طارق عبد العزيز يكتب: مشاريع تخرج كليات الفنون إبداعات سنوية مهدرة

فاطمة الزهراء
فاطمة الزهراء

عندما يحقق الطالب الموهوب رغبته ويلتحق بإحدى كليات الفنون المتخصصة، «الفنون الجميلة أو التطبيقية» على سبيل المثال، يصبح مشروع التخرج بمثابة الحلم الكبير الذي ينتظر تحقيقه بفارغ الصبر كي يقدم من خلاله عصارة جهده وعلمه الأكاديمي للجنة التحكيم التي تضم كبار الأساتذة المتخصصين.

من هنا تبدأ إجراءات الحصول على «تأشيرة التخرج» كفنان تشكيلي أو معماري يخطو أولى خطوات حياته العملية، فبعد دراسة استمرت خمس سنوات كاملة في محراب الفنون الجميلة - تعد هي المرحلة الأهم عند الفنان- تبدأ مرحلة أخرى مختلفة تمامًا تحتاج إلى مهارات خاصة لاقتحام سوق العمل. وكم من أساتذة وفنانين كان مشروع التخرج بالنسبة لهم هو الباب الكبير والرئيسي في شهرتهم ووضعهم على بداية الطريق.

من المعروف أن مشاريع التخرج في الكليات العملية بشكل عام تستنزف الجهد والمال وتحتاج إلى وقت وأفكار خارج الصندوق دائمًا، فهى بمثابة كلمة النهاية لمرحلة هامة وفاصلة، ألا وهى مرحلة الدراسة.

 ووضع عنوان مناسب لهذه المرحلة يترتب عليه خطوات عديدة تالية، وهناك من بين مشاريع التخرج أفكار تحتاج إلى تقدير ورعاية وحسن استغلال، خصوصا ونحن في حاجة إلى تجميل الكثير من المرافق والميادين الجديدة في أنحاء الجمهورية التي تشهد في الوقت الحالي تطورًا معماريًّا وإنشائيًّا ملحوظًا في العديد من المحافظات، لكن السؤال: ما هي الآلية والخطة التي نحتاجها لتنفيذ الفكرة وكيفية استثمار هذا الجهد المهدر كل عام؟ 

بداية أتمنى أن يكون هناك تنسيق بين وزارتي التعليم العالي والثقافة من أجل إقامة معرض كبير يضم أهم مشاريع التخرج فى كليات الفنون المختلفة وأقسامها المتعددة: الجرافيك والنحت والتصوير والخزف والديكور والعمارة، ويتم دعوة المؤسسات الحكومية والخاصة والشركات الكبرى لمشاهدة هذه الأعمال على الطبيعة.

 وبحث كيفية الاستفادة من تلك الأفكار والإبداعات وتوظيفها من خلال المتخصصين، فمن المؤكد أننا سنجد تجارب لهؤلاء الشباب ربما تتفوق على ما نراه هذه الأيام في الميادين الجديدة، وستكون أسعارها أقل كثيرًا من قرينتها المنسوبة لكبار الفنانين، لكن يجب في الوقت نفسه أن يكون هناك دور رقابي ومتابعة من الجهة المختصة وهى نقابة الفنانين التشكيليين لعدم الاقتباس والحفاظ على الملكية الفكرية التي نفتقدها كثيرًا هذه الأيام، وهو ما ظهر جليًا من خلال بعض التجاوزات.

وعى ثقافى

د.مها درويش رئيس قسم التصميمات المطبوعة بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة- جامعة الإسكندرية ترى أن الفن والإبداع عناصر مهمة من عناصر النهضة الحقيقية، وهى الفكرة التى يعمل قسم التصميمات المطبوعة على إبرازها، وظهر ذلك بالفعل فى أعمال الفرقة الرابعة التى قدمت مشاريع تستحق الرعاية والإشادة، تقول: هؤلاء الطلاب متميزون فى جميع الشعب، بداية من برنامج الطبعة الفنية الذى أظهر قيماً جمالية وفنية عديدة.

 

ومرورًا ببرنامج رسوم النشر والصور الإيضاحية حيث نرى تنوعاً هائلاً فى رسوم وتصميم الكتب «العلمية، التاريخية، الأدبية، الفنية، الأطفال» والقصص والمجلات «الثقافية، الفكرية، العلمية، الترفيهية» سواء المطبوعة أو الإلكترونية والأفلام المتحركة.

ونهاية ببرنامج «تصميم واتصال جرافيكى» الذى يضم مصممين شباباً تلامس أعمالهم المجتمع بشكل كبير بمعالجتها وأفكارها، وأيضًا نوعية الإعلانات التى تساعد على الارتقاء بالوعى الثقافى للمجتمع. 


فيما أعربت د. صفية القبانى أستاذ التصوير الجدارى بكلية الفنون الجميلة- جامعة حلوان ونقيب الفنانين التشكيليين عن سعادتها بمستوى خريجى قسم التصوير وباقى أقسام الكلية بشكل عام، وقامت عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى بنشر أعمال الخريجين ونادت باقتناء أعمالهم، وقالت إن هذه المشاريع تنم عن مواهب شابة واعدة ستلتحق بسوق العمل قريبًا، «رأيت أعمالًا تستحق الاقتناء والتوظيف فى أماكن مناسبة لأننا نفتقد لمثل هذه النوعية من الأعمال».

 

وأضافت: علينا أن نجد طريقة للاستفادة من هذه المشاريع وتوظيفها فى أماكن هى فى أمسّ الحاجة لإضافة لمسة جمالية، الطلاب يبذلون جهدًا فكريًّا ويستنزفون طاقاتهم الإبداعية وأموالهم فى هذه المشاريع كل عام، وفى النهاية لا فائدة! إلا القليل جدًّا مما يتركونه فى كلياتهم لتجميل بعض أجزائها، لكن أتمنى أن تتوسع الدائرة وتقتنى الشركات والهيئات والمؤسسات والجهات المعنية مثل هذه المشاريع ووضع خريطة وخطة مدروسة ملائمة لهذا الهدف».

تعاون مفقود

أما د. محمد عرابى عميد كلية الفنون الجميلة بالجامعة الروسية وعميد الفنون الجميلة بالأقصر سابقًا فقد كان له وجهة نظر تحتاج إلى شق تنفيذى وعملى. حيث قال إنه يجب التنسيق والتعاون بين كليات الفنون وهيئة المجتمعات العمرانية، وقد قام بتنفيذ هذه التجربة بنفسه عندما كان عميدًا لكلية الفنون الجميلة بالأقصر.

وكان هذا التعاون يتيح أخذ مشاريع التخرج من جانب هيئة المجتمعات العمرانية مقابل مبالغ بسيطة وتوظيفها فى ميادين المحافظة، لذا ينبه على ضرورة الاتفاق مع الهيئة قبل انطلاق مشاريع التخرج للاستفادة منها، يضيف: تعاونت كثيرًا مع الفنان الراحل د. باسم فاضل الذى كان يختص بهذا الجانب فى الهيئة ونفذنا أكثر من مشروع بهذه الطريقة، لذا يجب على كليات الفنون أن تغير وجهة نظرها الفردية ويتم عمل تعاون جماعى بين أقسام الكلية المختلفة وعدد من الطلاب.

من أجل تنفيذ مشروع كبير يضم: العمل الجدارى، وأعمال النحت، والجرافيك، من أجل الخروج بعمل فنى إبداعى تستفيد منه الدولة والكلية والطلاب، ونكون هنا قد نجحنا فى استغلال مشاريع التخرج فى تجميل المدن والمؤسسات بشكل علمى يعود على الجميع بالنفع.

 


ينوه د. عرابى لنقطة مهمة تخص مجالس المدن التى تشرف على تنفيذ أعمال إبداعية وتوكلها لمن ليس لهم صفة أو من غير المتخصصين، ويقول إن هذا للأسف يأتى بنتائج سلبية وأعمال سيئة، «والحل من وجهة نظرى فى أن يكون الفنان الذى يُعتمد عليه فى مثل هذه الأعمال عضوًا فى نقابة الفنانين التشكيليين.

 

 

وفى نفس التخصص الذى يعمل به، بمعنى أنه لو كان ينفذ أعمال نحت يكون منتميًا لشعبة النحت وهكذا، ويجب أن يكون له سابقة أعمال مناسبة فى نفس المجال، ويا حبذا لو كل محافظة ضمت بعض المتخصصين من خريجى كليات الفنون الجميلة تكون مسئولة عن تنفيذ الأعمال الإبداعية فى أركان المحافظة».


د. محمد العربى أستاذ التصميم والتنسيق البيئى ورئيس قسم الزخرفة بكلية الفنون التطبيقية- جامعة حلوان قال: أتمنى أن نستثمر مشاريع التخرج فى عمل ملموس ويترك أثرًا، والحقيقة أننا فى هذا العام استفدنا من مشروع التخرج حيث قام طلاب قسم الزخرفة بتنفيذ مشروعاتهم على واجهة الكلية وكانت عبارة عن تصميم جدارى، لكن أود توجيه نصيحة، حيث يجب من البداية وضع خطة لتوظيف مشاريع التخرج ثم نبدأ فى التنفيذ على مراحل. ولا مانع من عمل بروتوكول بين الكليات الفنية لاستغلال مشاريع التخرج على أن يتم التنسيق من بداية العام ويستغرق هنا التنفيذ عدة شهور تكون كافية للدراسة والتنفيذ الجيد، عكس الاتفاق اللحظى الذى لا يفيد.

 

 

 

 د. صفية القبانى: علينا توظيف هذه الأعمال فى أماكن تحتاج للمسة جمالية 
 

 

فمثل هذه المشاريع تحتاج إلى تنسيق ودراسة كافية من جميع النواحى، ومن خلالها يستطيع الدارس أن يعيش تجربة حقيقية تؤهله للمرحلة التالية وهى المرحلة العملية.

د. محمد العربى: مشاريع التخرج تجربة حقيقية تؤهل الطالب لحياته العملية 


 يضيف: فى حال تعاقد جهة ما على شراء مثل هذه المشاريع، من المؤكد أن هذا سيكون حافزًا جيدًا للطلاب الذين ينفقون الكثير على مشاريع تخرجهم، وفى المقابل الشركات والمؤسسات ستدفع مبالغ قليلة جدًّا مقارنة بالتعاقد على أعمال أخرى مع فنانين كبار متخصصين، باختصار سيكون الكل رابحاً.

بصمة فنية

أما د. أحمد شحاتة أستاذ المعلقات واللوحات الجدارية بكلية الفنون التطبيقية – جامعة حلوان فقال إن التصميم بشكل عام يرتبط بجدار أو بمعلق أو كيان بنائى، والفنانون والأكاديميون يسعون

لتحقيق أعمال إيجابية تحمل قيما جمالية وتراثية. يسأل د. أحمد: كيف أحافظ على هويتى من خلال مشاريع التخرج؟

ويجيب: بعمل جماعى أو فردى يشترك فيه مجموعة من الطلاب يسعون لترك بصمة فنية فى ركن ما أو فى ميدان أو على حائط، وأتمنى أن يكون هناك توجه لمشاريع التخرج، بحيث تكون مرتبطًة بكيان، ومصر بها أماكن كثيرة فى حاجة إلى لمسة إبداع، مثل العاصمة الإدارية وميادين مختلف المحافظات.

 د. محمد عرابى: 
يجب التنسيق والتعاون بين كليات الفنون وهيئة المجتمعات العمرانية للاستفادة من مشاريع التخرج

 

ويقول د. تامر عبد اللطيف رئيس قسم الإعلان بكلية الفنون التطبيقية - جامعة حلوان: تنتج كليات الفنون على مختلف أنواعها وتخصصاتها المئات من مشاريع التخرج كل عام والتى تستطيع أن تغير شكل الحياة فى العديد من المواقع فى مصر.

وتقضى على تواجد مدعى الفن فى مصر، وتضمن أيضًا أن المنتج الفنى هو منتج أصيل غير منقول أو مقتبس. فتلك المشاريع تمر عبر أساتذة متخصصين وتراجع بدقة بالغة، ولاجدال أنه يمكن للمصممين من خريجى كليات الفنون أن يرتقوا بحياة الناس من خلال الإبداع والابتكار والتطوير فيما نحتاجه فى حياتنا اليومية من ملبس ومسكن وأثاث وديكور وإعلان.. إلخ، مع إضفاء النزعة الفنية والجمالية عليه بالإضافة الى القيمة الاقتصادية الكبيرة لهذه الأفكار والإبداعات التى يمكن أن ترفع عن كاهل الدولة الكثير من التكاليف فى البحث عنها وإنتاجها بشكل يليق بقيمة مصر والمصريين.

ولا يخفى علينا أن محور التكلفة هام جدًّا، لأن تبنى تلك المشروعات من قبل الدولة لن يكلفها إلا مبالغ تقل كثيرًا عما يمكن أن تتكلفه تلك الأفكار والإبداعات لو تم إنتاجها من قبل جهات أخرى، فكليات الفنون بشكل عام والفنون التطبيقية على سبيل المثال يمكنها أن تغطى بأعمالها كل المطلوب.

وتستطيع أن تؤثر بإيجابية فى إضافة اللمسة الجمالية والعملية على حياتنا، بداية من تماثيل الشوارع والميادين والجداريات، مرورًا بمشروعات أقسام التصميم الداخلى والأثاث والنسيج وطباعة المنسوجات والتى تنتج مفهومًا جديدًا فى مجال إعادة تجميل مبانى المؤسسات المصرية العامة والخاصة.

 

 

 

وأيضًا الشركات والقرى السياحية والفنادق. وهناك مشروعات أقسام الملابس والموضة التى تنتج كل عام أفكارًا مبدعة تناسب أذواق الشعب المصرى ويمكنها أن تكون موردًا هامًّا للأفكار والخامات لكل مصانع الملابس المصرية.

 

 

 

 د. تامر عبداللطيف: المشاريع يمكنها تغيير شكل العديد من المواقع فى مصر
 

وصولا لتخصصات الإعلان والتصميم الجرافيكى والرسوم المتحركة التى تنتج أفكارًا مبدعة سواء فى مجال تصميم الحملات الإعلانية عن المنتجات الوطنية المختلفة أو فى مجال حملات التوعية أو فى مجال تصميم الهوية البصرية لكل المؤسسات المصرية.


 أما بخصوص مشاريع التخرج فى كليات التربية الفنية فقد علق د. أحمد عبد الكريم الأستاذ بكلية التربية الفنية- جامعة حلوان قائلا: إن مشروع التخرج مختلف فى كلية التربية عنه فى الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، بحيث يدرس الطالب مادة التربية الميدانية.

 

 

ويبدأ فى اختيار مكان ما لتنفيذ مشروعه، ثم يبدأ مع أساتذته فى عرض المكان من عدة زوايا وفكرة تطويره،  حيث ينفذ الطالب المشروع بشكل عملى فى المكان الذى اختاره مثل المدرسة أو إحدى الهيئات الثقافية أو مستشفى أو متحف أو أحد ملاجئ الأيتام، وأذكر أنه تم تنفيذ عدة مشاريع فى عدة أماكن مثل مستشفى سرطان الأطفال 57357، وحديقة الحيوان بالجيزة، بعض الأماكن السكنية فى مشروع الجلالة بالعين السخنة.

اقرأ ايضا | ماذا يريد التشكيليين من وزيرة الثقافة الجديدة.. النقيب تجيب؟ | خاص