كنوز| 92 شمعة فى ذكرى ميلاد «لهليبو» السينما الاستعراضية

 ذكرى ميلاد «لهليبو»
ذكرى ميلاد «لهليبو»

فى السابع من أكتوبر عام 1930 جاءت إلى الدنيا فتاة ولدت فى بيت كل ما فيه لا يختلف كثيرا عن حياة البسطاء فى المحروسة، ولدت فى ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية التى أمسكت بخناق العالم كله، وسببت خسائر كبيرة لكل الفرق المسرحية والفرق الجوالة التى كان من ضمنها «سيرك عاكف»، أطلقوا على الفتاة اسم «نعيمة»، وكان سيرك والدها يقدم عروضه فى المناسبات الدينية ويضم أشهر فرقة ألعاب للأوكربات وترويض الوحوش، لم يكن والدها سعيدا عندما أبلغوه بولادتها، كان ينتظر أن تنجب له زوجته الصبى الذى كان ينتظره، وبهذه الابنة أصبح لديه أربع بنات يشكلن له حملا ثقيلا، ولم يكن يدرى أنها ستكون أسطورة الرقص والغناء فى عالم الاستعراض، ولم يكن يدرى أنها ستصبح «لهلوبة» السينما الاستعراضية.

تعلمت «نعيمة» فى الرابعة من عمرها تحت خيمة السيرك ألعاب الأكروبات، وعندما انفصلت والدتها عن والدها انتقلت للعيش معها فى شارع محمد على، وكونت والدتها فرقة صغيرة لتقديم عروضها فى ملاهى روض الفرج، وكان الرقص الشرقى يستهوى نعيمة وهى فى السادسة عشرة من عمرها، فذهبت للعمل بفرقة محمد الكحلاوى، ولمع نجمها سريعاً وذاع صيتها فى ملهى «الكيت كات»، والتقطها من هذا الملهى المخرج أحمد كامل مرسى لتقدم رقصة على أغنية للمطرب عبد العزيز محمود فى فيلم «ست البيت»، ورآها المخرج عباس كامل وهى ترقص فى نفس الملهى فاصطحب شقيقه حسين فوزى لمشاهدتها وما إن وقعت عيناه عليها حتى شعر بأنه عثر على ضالته التى تتوفر فيها كل مقومات النجمة خفيفة الروح والحركة وتحمل فى وجهها جمال بنت البلد.

كان لدى نعيمة مخزون معرفى للتفاصيل البسيطة للحياة التى عاشتها تحت خيمة السيرك وكان لها مرارتها وحلاوتها، وطموحها لم يكن له حدود وتريد أن تثبت موهبتها التى جعلت على الكسار يطلبها للعمل فى فرقته مقابل اثنى عشر جنيها فى الشهر، وتشاء المصادفة أن تذهب بديعة مصابنى لمسرح الكسار فشاهدت على خشبته البنت «اللهلوبة» التى ترقص وتغنى بخفة ظل وحضور فطرى، فقررت ضمها لفرقتها التى صنعت أغلب نجوم الطرب والاستعراض، وحظيت عند بديعة برعاية خاصة عندما وفرت لها من يدربها على أصول الرقص الشرقى وأصول الغناء.

ورفضت أن تفرط فيها عندما طلبتها فرقة فرنسية كانت تقدم عروضها بدار الأوبرا لتسافر معهم وتشاركهم الاستعراضات فى باريس، إلى أن جاءت خطوة المجد على يد المخرج حسين فوزى الذى صنع شهرة ومجد نعيمة عاكف، ولولا حسين فوزى لكان ظهور نعيمة فى السينما قد تأخر كثيرا، أو ربما ما كانت ستظهر على الشاشة بالصورة التى جعلت منها فتاة الاستعراض الأولى فى السينما.

فهو من أعاد تشكيل موهبتها الفطرية التى بلورها فى فيلم «العيش والملح» مع سعد عبد الوهاب، وكانت أحداثه تدور حول نفس طبيعة الحياة التى عاشتها نعيمة فى الواقع، ثم دفع بها أمام عبد العزيز محمود فى فيلم «بلدى وخفة» الذى جسدت فيه شخصية فتاة استعراضية ترقص وتغنى فى فرقة غنائية صغيرة رغم ما تتعرض له من قسوة على يد صاحب الفرقة الذى التقطها من الشارع وهى طفلة صغيرة.

ولكى لا تفترق عن مشروعه الذى كان يخطط له، تزوجها حسين فوزى رغم فارق السن بينهما، وتوالت نجاحاتها معه فى مجموعة أفلام استعراضية، منها «بابا عريس - سيبونى أغنى - لهاليبو- فرجت - فتاة الاستعراض - يا حلاوة الحب - جنة ونار - عفريت عم عبده - مليون جنيه - عزيزة - النمر - بحر الغرام - أحبك يا حسن»، ثم وقع الطلاق بينهما وتعددت الأقوال حول الأسباب، قيل إن نعيمة ضاقت من احتكار موهبتها وقدراتها فى أفلامه فقط لأنها كانت ترغب فى العمل مع مخرجين آخرين، وقيل إنها ضاقت من غيرته الشديدة عليها وكانت النتيجة خسارة السينما لثنائى سينمائى استعراضى يصعب تكراره. 

تزوجت نعيمة بعد ذلك من المحاسب القانونى صلاح عبد العليم الذى كان يتولى إدارة أعمالها وأنجبت منه طفلها محمد عام 1957، وبدأت تشعر بآلام حادة فى المعدة، ظلت تتردد لفترة طويلة على المستشفيات التى كانت تخرج منها كما دخلتها، وقيل إنها كانت مصابة بسرطان فى المعدة ولم يكن الطب وقتها قد اكتشف علاجا له، وصدر لها قرار للعلاج على نفقة الدولة بالخارج.

وشاءت الإرادة الإلهية أن تسلم الروح قبل موعد السفر عن عمر يناهز السادسة والثلاثين وهى فى عز شبابها، لكى يطوى الموت زهرة برية، عاشت حياة الضنك والفقر مثلما عاشت حياة العز والشهرة والمجد، فكانت حياتها سلسلة من دراما القدر التى صنعت منها أسطورة بلقب «اللهلوبة» التى منحتها موسكو جائزة أفضل راقصة فى العالم من مهرجان الشباب العالمى، وكرّمها الرئيس السوفيتى «نيكيتا خروتشوف» الذى أمر بصنع تمثال لها مازال يزيّن مسرح البولشوى حتى الآن. 

إقرأ أيضاً|أسطورة «يا ليل يا عين».. من أسرار نعيمة عاكف