د. حسام محمود فهمي يكتب: المجالسُِ الجامعية.. كانت أيام

د. حسام محمود فهمي
د. حسام محمود فهمي

‏المجالسُ الجامعيةُ هي روحُ العملِ ‏بالجامعاتِ؛ تبدأُ من مجالسِ الأقسامِ، ثم مجلس الكليةِ، فمجلس الجامعةُ. ‏مجالسُ الأقسامِ هي النواةُ الأولى بكلِ كليةٍ، هي مصدرُ القراراتِ المُتعلقةِ بتطويرِ اللوائحِ الدراسيةِ ومنها تُوزَعُ الأعباءُ التدريسيةُ ‏على أعضاءِ هيئةِ التدريسِ. ‏دورُ المجالسِ الجامعيةِ مُحَدَدٌ تفصيلاً في قانونِ تنظيمِ الجامعاتِ.

‏شَهدَت الجامعاتُ ‏سنواتٍ طويلةٍ كانَت للمجالسِ الجامعيةِ خلالَها كافةُ الصلاحياتِ. ‏إلا أن الأمورَ تغيرَت بغرابةٍ خلالَ السنواتٍ الأخيرةٍ. قراراتٌ فوقيةٌ تتجاهلُ تمامًا عقولَ وخبراتِ المجالسَ الجامعيةَ، لوائحٌ تُفرَضُ مثلَ لوائحِ الساعاتِ المُعتَمدةِ التي لا تُلائمُ الجامعاتِ محدودةِ الإمكاناتِ البشريةِ والماديةِ، اِبتسارُ الدراسةِ بكلياتِ الهندسةِ بما يُدمِرُ دراسةً ومهنةً، جودةٌ كاذبةٌ جوفاءٌ، اِعتمادٌ وهميٌ بلا قيمةٍ على مستوى المقارنةِ عالميًا، شَراكاتٌ مع جامعاتٍ أجنبيةٍ من قاعِ الترتيبِ، جامعاتٌ أهليةٌ بلا أهدافٍ حقيقيةٍ، وغيرُه وغيرُه.

‏من المُفترضِ أن رؤساءَ مجالسِ الأقسامِ ينفذون السياساتِ التي تَضعُها المجالِسُ، و‏ينقلون وجهاتِ نظرِوآراءِ أقسامِهم إلى الإدارةِ. ‏اِنقَلَبَ الحالُ وظَهرَت طائفةٌ من رؤساءِ مجالسِ الأقسامِ يتصورون أن وظيفتَهم تنحصرُ في أن يكونوا ضمنَ طاقمِ سكرتارية الإدارةِِ ومسؤولين عن العلاقاتِ العامةِ بها. اِنعزَلَت الأقسامُ عن الإدارةِ باِنتهاءِ دورِ مجالسِ الأقسامِ وخُنوعِ بعضٍ من رؤساء مجالسِها للإدارةِ. العملُ الجامعي القائمِ على حريةِ الرأي والحوارِ وتبادلِ العلمِ والخبراتِ يُهيمِنُ عليه الجمودُ والتنافرُ بين الإداراتٍ والأقسامِ. ألا تتعاملُ إداراتٌ مع أعضاءِ هيئة التدريسِ بفظاظةٍ لا جامعيةٍ وتعالٍِ أجوفٍ؟ ألم تَضعُ في بطانتِها من لايمثلون أقسامَهم من عشاقِ الظهورِ المُتهافتين على أي كرسي؟ ألم يُصبحُ كلُ ما هو تطويرٍ رهنًا برغبةِ من اِمتهنوا المَخمخةَ لعقودٍ؟ ألم ينتشر صبيانُهم تطفُلًا وترويجًا على مواقعِ التواصلِ؟
خابَ من اِستشارَ، هل أصبحَ واقعًا؟ في جامعاتنا الإجابةُ.

أخيرًا، أليست صورةٌ مُعبرِةٌ مع الأسف؟ طلابٌ يُنتَقون ويُلَقَنون ما سَيُردِدون أمام لجنةِ الاِعتماد، وكأنها من المريخِ، وكأنه اِعتمادٌ حقيقي! كيف يَحترمُ الطُلابُ المؤسسةَ التعليميةَ؟ وكيف تكون مصداقيةَ مؤسساتِ الدولةِ ككلِ؟
المجالسُ الجامعيةُ أصبحَت للحكاوي والتَحَسُرِ على المآل، فقط لاغير.
اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز.
أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس